اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > صراع على الزعامة

صراع على الزعامة

نشر في: 27 ديسمبر, 2023: 09:44 م

د. إياد العنبر

تشابه خارطة القوى السياسية السنيّة العراقية، تضاريس منطقة صحراوية تنتشر فيها الكثبان الرملية. إذ إن من يرصد الحراك داخل النخبة السياسية السنيّة سيلحظ كم من التحول في المواقف والانشقاقات وتفكك التحالفات، قد حصل داخل تلك الكتل والكيانات، ولعل تلك الظاهرة لا تنفرد فيها القوى السنيّة فحسب، ولكنها تتميز بها أكثر من غيرها.

رغم تطور السلوك السياسي للقوى السياسية السنيّة، بعد انتقالها من مرحلة الرفض والمقاطعة للعملية السياسية التي تشكلت بعد 2003 إلى المشاركة الفاعلة. إلاّ أنها لم تتمكن من تقديم نموذج سياسي يختلف على مستوى الخطاب والمواقف عن القوى السياسية التي تشاركها تقاسم السلطة.

إذ في الوقت الذي تتعالى أصواتها بنقد التوافقية في الحكم، وعدّها الخطيئة الكبرى في النظام السياسي، إلا أنها تتقاسم المناصب العليا ومؤسسات الدولة باعتبارها حصة المكون السنّي! ولذلك، باتت لا تختلف عن شركائها الشيعة والكرد في نقد نظام الحكم ومحاولتهم تبرئة أنفسهم من الفشل والفساد والفوضى الذي أنتجته ممارستها للسلطة.

قد تختلف القوى السياسية السنيّة، عن شركائها السياسيين الشيعة والكرد، بأن أغلب السياسيين السنّة الفاعلون في المشهد الآن، هم نتاج العملية السياسية. وبعيدون عن العناوين والرمزيات الدينية والعائلية التي تشرعن عملها السياسي بعملها كمعارضة للنظام السابق. وأيضا هناك جيل كامل من السياسيين السنّة ينتمي لحقبة ما بعد 2003، ومتحرر نوعا ما عن عُقدة (السنّة هم حكام العراق منذ تشكيل الدولة) التي تهيمن على تفكير القوى والزعامات السنيّة التقليدية. ولعل سلوك هذا الجيل السياسي في التعامل مع الشركاء وحتى التدخلات الخارجية هو خير دليل على ذلك؛ إذ تمكنت القوى السياسية الشيعية، وبمساعدة التدخلات الإقليمية، من التحكم بالرمزية السياسية لمن يكون "زعيما" سنيّا، أو تهميش وإقصاء من يحظى بالدعم من الجماهير السنيّة. ولذلك باتت الزعامة السياسية السنيّة تحتاج دعامتين: الأولى دعم قوى النفوذ السياسي الشيعي، والثانية دعم القوى الإقليمية وتحديدا (إيران- قطر- تركيا) .

يُحسب للقوى السياسية السنيّة أنها أول من تخلى عن آيديولوجيا الإسلام السياسي كعنوان انتخابي. وكانت البداية في انتخابات 2010 عندما اندمجت شخصيات الحزب الإسلامي العراقي بالقائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، وحققت رقما انتخابيا صعبا. بيد أن التحالفات السياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات غيرت المعادلة. إذ شكلت القوى السياسية الشيعية تحالفا ضمن لها الأغلبية ومن ثم شكلت الحكومة بزعامة نوري المالكي الذي عمل على استراتيجية تفكيك القائمة العراقية وتشتيت قياداتها السنيّة.

هناك قاعدة عامة تحكم المشهد السياسي في العراق، وهي أن السلطة تَلدُ السلطة. وعلى هذا الأساس من يريد أن يكون له رمزية سياسية يجب أن يكون ضمن دائرة السلطة والنفوذ. ويبدو أن هذه القاعدة تنطبق تماما على القيادات السياسية السنيّة؛ إذ ما عدا الشيخ خميس الخنجر زعيم "تحالف السيادة" ومثنى السامرائي رئيس "تحالف عزم"، فإن جميع العناوين القيادية تصدرت المشهد من خلال وصولها لمنصب رئيس مجلس النواب، الذي هو من حصة المكوّن السنّي.

في انتخابات 2021 انحسر التنافس السياسي السنّي بين ثلاث قوى رئيسة هي "تحالف تقدم" الذي يترأسه محمد الحلبوسي، و"السيادة" بزعامة خميس الخنجر، و"عزم" بقيادة مثنى السامرائي.

وعلى العكس من الجمود النسبي في خارطة القوى السياسية الشيعية والكردية، يظهر بقوة صراع جيلين من السياسيين، الجيل القديم الذي شارك في بداية العملية السياسية 2003، والذي اختفى عن المشهد أغلب زعاماته، بسبب محاولة إبعادهم من قبل حكومة نوري المالكي في ولايته الثانية (2010-2014) والتي رفعت ملفات قيادات سياسية سنيّة بتهم الإرهاب، أمثال طارق الهاشمي ورافع العيساوي وعلي حاتم السليمان. أو بسبب عدم قدرتهم على التنافس مع القوى السياسية السنيّة الصاعدة للمشهد بعد 2014.

لكن الصراع على الزعامة السياسية السنيّة، لم ينتج إلا مزيدا من التوتر السياسي وتسقيط الخصوم، وإضعاف موقفهم أمام القوى السياسية الشيعية تحديدا، والقوى الإقليمية صاحبة النفوذ في العراق. ولعل السبب الرئيس لهذه الظاهرة العامة في عمل القوى السياسية العراقية، هو الشخصنة المفرطة للعمل السياسي وعدم بلورة أطر مؤسساتية فاعلة وقادرة على استيعاب التباينات في المواقف والاتجاهات ضمن سقف آيديولوجي وسياسي معقول. مجرد الاختلاف الشخصي هو سبب كاف للانشطار لأن السياسيين عندنا عادة ما ينطلقون في توجهاتهم من هاجس مضخم للأنا يتحول معه الخلاف مع الآخر إلى تهديد لتلك الأنا، لا سيما إن اقترنت بنزوع نحو الزعامة والتفاف من مريدين يرغبون في معالجة تهميشهم بإقامة مركز قوة بديل يدفع بهم إلى مستويات مسؤولية أعلى حتى لو اقترن ذلك بإضعاف كيانهم السياسي.

في انتخابات 2021 انحسر التنافس السياسي السنّي بين ثلاث قوى رئيسة هي "تحالف تقدم" الذي يترأسه محمد الحلبوسي، و"السيادة" بزعامة خميس الخنجر، و"عزم" بقيادة مثنى السامرائي. لكن شخصيات سياسية سنيّة قررت خوض انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر/كانون الأول بتحالف سياسي جديد اسمه "الحسم الوطني" يتزعمه ثابت العباسي وزير الدفاع في الحكومة الحالية، ويضم شخصيات توصف بأنها من "الحرس القديم" كونها شاركت في العملية السياسية منذ 2003، لكن حضورها السياسي فقد بريقه في الدورة البرلمانية الحالية أمثال أسامة النجيفي رئيس البرلمان الأسبق، ورافع العيساوي وزير المالية الأسبق، وسلمان الجميلي وزير التخطيط الأسبق، وجمال الكربولي، والنائب السابق قتيبة الجبوري.

ستبقى مشكلة القوى السياسية السنيّة محصورة في التنافس على الزعامة السياسية، وتقاسمها السلطة والنفوذ بين الفرقاء- الشركاء السياسيين

تبقى المشكلة الأكثر تعقيدا في كسب ثقة الشارع السنّي. فالقوى السياسية السنيّة ليست أفضل حالا من القوى الشيعية والكردية، إذ عجزت لحد الآن عن تجاوز الأزمات التي زادت حدتها بعد تحرير المناطق السنيّة من تنظيم "داعش". وفشلت القوى السياسية السنيّة وزعامتها الصاعدة والتقليدية في رسم استراتيجية واضحة للعدالة الانتقالية وفرضها على الحكومات المتعاقبة؛ إذ بقيت الشعارات والوعود وتشابهت مع الشعارات والوعود التي رفعتها هذه القوى في انتخابات 2018 و2021: إعادة النازحين، إخراج الميليشيات من مراكز المدن، تعويضات ضحايا الإرهاب، الكشف عن مصير المختطفين، وقانون العفو العام، وغيرها من الوعود الأخرى التي تحولت إلى شعارات للاستثمار في الانتخابات.

إذن، ستبقى مشكلة القوى السياسية السنيّة محصورة في التنافس على الزعامة السياسية، وتقاسمها السلطة والنفوذ بين الفرقاء- الشركاء السياسيين. وهذه المعادلة لا تنتج إلا تحالفات هشة، ومصالح ضيقة الأفق.

ولحد الآن تفتقد القوى السياسية السنيّة، حالها حال القوى السياسية الشيعية، إلى مشروع سياسي يوحدها بدلا من الصراع على الزعامة السياسية. ويبدو أن هذا الصراع سيعمل على تشتيت مواقفها السياسية، وسيجعل خصومها يتعاملون معها كأرقام للوصول إلى عتبة التوافق عند تشكيل الحكومة وليس قوى تحمل برنامجا سياسيا، وهذا ما ثبتته تجربة المشاركة في حكومة السوداني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram