بغداد / تبارك عبد المجيد
وضعت تأثيرات تغير المناخ العراق امام مخاطر فقدان زئير اسوده وغياب "المسكوف" عن موائد العراقيين، صاحبها تراجع العديد من المهن، وسط ضعف الإجراءات الحكومية.
ويُعد العراق موطناً لأكثر من ٥٨ نوعاً من الحيوانات المهددة بالانقراض.
مبادرات ذاتية
يقول مدير متنزه وحديقة حيوانات البصرة، غالي المرشدي (مروض للأسود)، أن الحيوانات البرية والمائية، "ثروة اقتصادية وبيئية هائلة، من شأنها ان تحقق عائداً ماليا للبلد اذا ما استثمرت بالشكل الصحيح"، لكنه يعبر عن اسفه لتهديد الانقراض الذي يواجه ٥٨ حيواناً، عازياً السبب إلى تأثير " التغير المناخي".
يبين المرشدي لـ(المدى)، أن "العراق يعد الموطن الأول للعديد من الحيوانات، منها الأسود، لكن البيئة الحالية أصبحت لا تلائم عيشها". وبالرغم من وجود تحديات تعيق استمرار عيش وتكاثر الأسود، يحاول المرشدي خلق بيئة صناعية تضمن بقاءهم، وبسبب شغفه بالاسود منذ طفولته سعى إلى إنشاء محمية طبيعية عام ١٩٩٢ في قضاء الزبير بمحافظة البصرة.
وحمل المرشدي الحكومة سبب انحسار المساحات الخضراء وسماحها بتحويلها الى مراكز تجارية وبيعها لشركات وعقارات، متجاهلة مطالبات إنشاء محميات طبيعية او دعم المحميات الخاصة.
ويلفت إلى وجود صيد جائر كبير يطول الذئاب، يعود لبدع قديمة وخرافات ليست لها صحة، كاستعمال ناب او جفن الذئب، ووضعه في خانة الحيوانات المهددة بالانقراض.
"ولم تسلم الطيور من تأثيرات التغير المناخي، ففي السابق، خاصةً خلال مواسم الهجرة، كانت السماء تمتلئ بأعداد هائلة من الطيور مثل البجع واللقلق والفلامنغو، ولكن بسبب الجفاف، انخفضت الأعداد واصبحت لا تتجاوز الـ ١٠ في المئة".
وقدم المرشدي اقتراحاً لكافة دوائر البلدية، بتبني انشاء محمية طبيعية تضم عددا من الحيوانات المنقرضة، تكون باشراف كادر تابع لذات البلدية.
وتعد محافظة السماوة المدينة الوحيدة التي تبنت تلك المبادرة منذ اربع سنوات، اذ أنشأت محمية طبيعية خاصة بالغزلان، بدأت بإضافة ١٠غزلان فيما وصلت الاعداد اليوم الى المئات، وفق ما أبان المرشدي. ومن بين الحيوانات الاخرى المهددة بالانقراض بسبب التغير المناخي؛ البقر الوحشي، الأسد، الحمار البري، جرذ بني، البلبل الابيض، غزلان الريم.
مبادرات حكومية لا تحلّق في الأفق
ساهم وجود العديد من الحيوانات على ارض الرافدين في إثراء التنوع البيولوجي، خاصةً باعتبار العراق الموطن الحقيقي للعديد منها. وقد أدى هذا التنوع إلى اعتراف العديد من المواقع الجنوبية بصفتها مناطق حماية دولية وفقا لاتفاقية رامسار التي تعنى بالمحافظة على الموارد الطبيعية والأراضي الرطبة، وحماية الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض.
يتحدث عضو منظمة الجبايش للسياحة البيئية، الصحفي علاء كوري، عن الاضرار التي لحقت بالتنوع الاحيائي في مناطق الاهوار بسبب التغير المناخي، ويؤكد أنها "المتضرر الأكبر بسبب اعتماد المنطقة بشكل كبير على المياه، اذ يعمل اغلب سكانها بمهنة الصيد وتربية المواشي".
ويضيف في حديثه لـ(المدى)، أنه "تم تسجيل نفوق اكثر من ٥٠٠٠ رأس جاموس، وتضرر ما يقارب ٣٠٠٠ صياد، كما انعكست الملامح السلبية للتغير المناخي على الطيور المهاجرة والحياة في المياه"، ووصف حال مناطق الاهوار بأنها "منكوبة تماماً".
ويرى كوري أن الإجراءات الحكومية المتخذة بشأن مكافحة التغير المناخي "لا تناسب خطورة المشكلة"، وعبر عن استيائه لعدم اتخاذ الجهات الحكومية حلول عاجلة لمنع هجرة السكان او منحهم حلول بديلة، على أقل تقدير.
ويؤكد أن العراق يحتوي على العديد من المناطق الداعمة لعيش الحيوانات، لكنها اليوم تفتقر لكافة مقومات العيش، محذرا من "انقراض غزلان الريم، كونها الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية".
ويعد حيوان "الركين طويل الذنب"، من ابرز الأنواع التي كانت تتواجد في مناطق الاهوار، الا انه تعرض الى الانقراض بسبب عمليات التجفيف التي حصلت سابقاً، بحسب ما اضاف كوري الذي اشار الى العثور عليه بالصدفة خلال عام ٢٠٢١. ويتابع حديثه عن الأنواع الأخرى: "جليب الماء، وهي لا تعيش في أية بقعة من العالم غير أهوار جنوبي العراق، وبسبب تجفيف الأهوار والصيد الجائر نتيجة لغلاء سعر جلده عالمياً، أصبح من الحيوانات المهددة بالانقراض حالياً". اكدت منظمة الصحة العالمية أن أسماك العراق مهددة بالانقراض، فيما دعت الى توحيد جهود السلطات المعنية، وإيجاد حلول للجفاف. وتراجع إنتاج الثروة السمكية في العراق من ٨٠٠ ألف طن عام ٢٠٢٢، إلى ٤٠٠ ألف طن عام ٢٠٢٣، أي ان العائلة العراقية معرضة لفقدان "المسكوف" من موائدها!
إطلاق وثائق بيئية
يتحدث مدير عام دائرة التوعية والإعلام في وزارة البيئة، أمير علي حسون، عن ابرز الإجراءات التي اتخذتها الوزارة في مجال مكافحة التغير المناخي خلال ٢٠٢٢، قائلاً إن "العام الجاري شهد اجراء حملات توعوية واسعة النطاق، استهدفت أصحاب القرار في الوزارات والهيئات العراقية، خاصة في الإدارات العليا والوسطى والوكلاء العامين".
واردف كلامه لـ(المدى)، مؤكدا استمرار الحملات التوعوية خلال بداية العام الجديد، مشيراً إلى استهداف الحكومات المحلية باداراتها الجديدة.
ويضيف حسون أن "الدائرة شكلت لجنة برئاسة الوكيل الفني وعضوية عدد من المسؤولين في وزارة التربية، بالإضافة الى مدير عام دائرة التوعية في الوزارة"، مبيناً أن اللجنة تهدف الى تغير المناهج العلمية للدراسة الابتدائية والثانوية، لتتضمن معلومات حول التغير المناخي".
واكد حسون حرص الوزارة على تنفيذ وثيقة المساهمات الوطنية والتي ترتبط بتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ، كاشفاً عن إطلاق الوزارة خلال الأيام المقبلة "وثيقة خطة التخفيف الملائمة، ووثيقة الاحتياجات التكنولوجية عام ٢٠٢٤ التي تعتبر من الوثائق الوطنية للتغيرات المناخية، وتعكس نهج الحكومة في التعامل مع التغيرات المناخية".
إلى ماذا يطمح العراق بيئياً؟
من جانبه يتحدث مدير شعبة التغيرات المناخية في مديرية بيئة كركوك، د.محمد خضر، عن بعض العوامل التي فاقمت الوضع البيئي في البلاد، منها بحسب ما قال: "الدمار الذي الحقته الحروب المتعاقبة وما خلفته من مواد واسلحة وألغام، اذ اصبح العراق بيئة ملائمة لدراسة تأثير الصراعات المسلحة على البيئة، بالإضافة الى بناء سدود جبارة مخالفة للقوانين من قبل الدول المتشاطئة مع العراق واتباعها سياسات غير عادلة، مما تسبب بتفاقم المشاكل البيئية نتيجة لارتفاع نسب الملوحة والجفاف". كما اعتبر ان الزيادة السكانية سببت ضغطاً على الموارد الطبيعية.
وعن الخطة الحكومية لمكافحة التغير المناخي، يبين خضر خلال حديثه لـ(المدى)، أن "العراق يعمل على اعداد خطة التكيف الوطنية بالتعاون مع الأمم المتحدة وبتمويل من صندوق المناخ الأخضر، وهي من الخطط الأساسية للعمل الحكومي"، مشيرا إلى أن هدفها يتمثل بتحقيق "المرونة لكافة القطاعات الهشة وإيجاد وسائل ناجعة لاستدامة مصادر المياه ومعالجة شحة وتردي المياه، وبمدة أقصاها ثلاث سنوات".
ويقر بوجود ضرورة لخلق تعاون إقليمي ودولي لتمكين العراق من "تأسيس أنظمة صحية ومقاومة للظروف الصعبة، ولحماية صحة الانسان والتنوع البيولوجي". يطمح العراق من تنفيذ مساهماته المحددة وطنيا للفترة الزمنية من 2021 ولغاية 2030، إلى تحقيق خفض متوقع بين (١-٢) في المئة، من مجمل الانبعاثات وفقاً للجرودات الوطنية للغازات الدفيئة بالجهد الوطني و15% عند توفر الدعم الدولي المالي والفني، بحسب ما أبان مدير بيئة كركوك.