TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > وجهة نظر: عام السياب.. ما الذي سنفعله له؟

وجهة نظر: عام السياب.. ما الذي سنفعله له؟

نشر في: 2 يناير, 2024: 11:39 م

علاء المفرجي

لا نأتي بجديد إن تحدثنا عما تعنيه الرموز الثقافية الفكرية في المجتمعات المتحضرة فهي بالنسبة لهذه المجتمعات، قيمة عليا، بل وثروة وطنية لا يمكن التفريط بها تحت أي ظرف، حتى وإن اعترضت أفكارها قيم هذا المجتمع، وأفكاره،

حيث يكفي أنها جزلت بعطائها المعرفي درجة استحقت بها الخلود والشهرة. فالكاتب والروائي الكبير اندريه مارلو لم يكن ديغولياً بل يسارياً وشيوعياً ليمنحه ديغول اليميني امتياز حقيبة الثقافة مرتين في بلد علامته الاساسية صناعة الجبن وصناعة الثقافة مثل فرنسا، ويفخر هذا الأخير وهو أول رئيس للجمهورية الخامسة، أن يتوسط بعمل نجله سكرتيراً للروائي الفذ فرانسوا مورياك. وأمير بافاريا لم يكن أحمقاً ليترجل عن عربته، فقط ليخلع قبعته وينحني عند العربة التي تقل بيتهوفن تحيةً لمروره.

ومرة عندما أرادت إيطاليا أن تكرم مخرجها الكبير فريدريكو فلليني بعد أربعين عاماً من مسيرته الابداعية، بشخص رئيس جمهوريتها ألساندرو بيرتيني بمنحه نيشان الاستحقاق من رتبة الصليب الأعظم، وهو وسام لا يمنح لأقل من منصب رئيس أو ملك. حضر رئيس الجمهورية بيرتيني في الوقت المحدد لمراسيم التقليد، لكن فلليني تأخر أكثر من نصف الساعة، وعندما حضر، توجه الى بيرتيني، بقصد الاعتذار عن التأخير، وهنا قال له بيرتيني: لا عليك إنه يومي وليس يومك. . فسيذكر التاريخ أن في زمن بيرتيني كرم المخرج العظيم فيللني.. عسى أن تلهمكم هذه الحادثة بالعبر.

هكذا تعامل الرموز الأدبية والفكرية في العالم المتحضر، بوصفها رموزا وطنية أسهمت بشكل كبير في رفع شأن البلد، -وذلك لعمري إنجازا كبيرا لها-.

وهل لي أن أذكر ما فعلته بلدان العالم لهؤلاء الرموز في بلدانهم، من خلع اسمائهم على شوارع وساحات، وتحويل بيوتهم الى متاحف تضم مقتنياتهم وآثارهم في الحياة، ومراكز دراسات تحمل أسماءهم، أو جوائز كبيرة تحمل اسماءهم، أو صورهم في طوابع البريد او العملة الوطنية، أو إقامة ي لهم، وغير ذلك من صور الاستذكار والتكريم.

ما الذي فعلناه نحن لرموزنا، غير جلسات التكريم والاحتفاء والاستذكار وربما التأبين،-لا فرق -والتي لا تسمن ولا تغني عن جوع؟ فإذا كان الكثير منهم قد قضى في مدافن الغربة وقسوة المنفى، في أعوام تسلط الدكتاتورية فإن من يعيش بين ظهرانينا بعد زوالها، مازال يعاني قسوة النسيان وشظف العيش والإهمال المتعمد.

كان على المؤسسات المعنية بثقافة البلد، وبالتحديد وزارة الثقافة ان تتهيأ قبل وقت طويل، وقبل ان تحل علينا ذكرى مئوية السياب، بأن تشهر استعداداتها المختلفة لهذه المناسبة الوطنية الكبيرة، وأن تخصص لها الميزانية المالية التي تستحق، بل وتعلن عن برنامجها، لا أن تعالج هذه المسألة باحتفالات سريعة، لا تظهر الدور الكبير الذي احدثه هذا الرمز للأجيال اللاحقة.

فالسياب ليس شاعرا حسب، وليس أديبا فقط، بل أنه فعل ما لم يفعله الكثير من أقرانه، فهو يتصدر طليعة مؤسسي الشعر الحر في الوطن العربي رفقة نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي، بل يذهب مؤرخو الشعر أن له السبق التاريخي في هذا المجال. الشاعر الذي أصبح الشعر العربي قبل ثورته هذه غير الشعر بعدها، وهذا يكفي إنجازا عظيما له.

وبهذا يمكن ان نقول " انحركة الحداثة في الخمسينات كانت في الجوهرة حركة فنية اجتماعية موضوعية للخروج من اسار الماضي، والانطلاق الى افاق شعرية جديدة، ربما كان السياب هو ربانها الأحمر"، كما يقول الناقد فاضل ثامر.

ألا نستدرك الوقت طالما ان ذكرى ميلاد هي في نهاية العام، لتقوم مؤسساتنا الثقافية والحكومية بشكل عام، بالمباشرة بوضع برامجها بهذا الشأن، كي لا نفقد السياب مرتين، مرة انه رحل بعيدا عن أرض وطنه، وثانية احياء ذكراه المئوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram