طالب عبد العزيز
الكتابة مثل أيِّ غرض في الحياة، تعلكها ماكنة التنميط، وتأكلها الرتابة، وتنوشها يدُ البلى، ولأنه عام جديد، فقد آثرتُ أنْ أكتب شيئاً جديداً! ! هل ثمة جديد في الحياة، التي نخصف نعلها منذ سبعين؟ فتقطعنا السبل والمفازات، ونمضي الى ما لا نبتغيه. هل كتبتُ جديداً؟ أبداً، والله. أنا محكوم بسلطان التفاهة، مصفودٌ مصفدٌ بحديد العادة، كذلك تكون اللغة، وتكون مادتها، ويكون القلق ايضاً.
كان بودي أنْ اكتب في السياسة، لكنَّ رائحتها تزكم الانوف في العراق، وكنت ساكتب في الامن ومستقبل الناس، لكنَّ الدولة ما تزال ممسكةً بغيرهما، فهي تركته الى أقداره، لهذا تغولت فئاتٌ، لا يشغل فكرها إلا أمنها هي، أما أمنُنا فهي تهبه وتمنعه، بحسب مشيئة الحدود، لذا، قررتُ أنْ أكتب في الاقتصاد!هههههههه لكنْ، اين هو؟ لا أعرف كيف ترتسم صورة الحكومة في رأسي قريبة من صورة بائع النفط آنذاك، بعربته التي يجرها الحصان، وبصنبورها النحاس، وبالقمع المعدني الذي لا يصدأ، كيف يصدأ؟ والنفط يشطفه ويغسله في اليوم الواحد أربعاً وعشرين ساعة؟
نعم، الحكومة الفدرالية تبيع النفط، نفط البصرة طبعاً، ورجال الحكومات المحلية، الكردستانية والغربية والوسطية والجنوبية ورجال مجلس الحكم المتقاعدون، الاحياء منهم والميتون، والوزراء، السابقون واللاحقون، وتجار الاسلحة واللصوص والمرابون، الهاربون منهم والمقيمون، واصحاب المصارف والبنوك، الواضحون والوهميون والغامضون، وكل الراقصات في ملاهي أربيل وبغداد، والراقصون في بيروت ودبي وعمان على الحبال الواضحة، والراقصون مع الافاعي، والمتسيدون الخنازير والقردة، والوارثون المورثون. .كلهم يأخذون ويأخذون ويأخذون، ومن نفط البصرة ومجنون. .أما الفقراء بمعامل الطابوق والمزارعون بصحراء الزبير وسفوان والمنتظرون مشاريع المستوصفات والمستشفيات والمدارس، والمتقاعدون العاطلون عن المباهج، والأرامل القاعدات أمام مكاتب الرعاية الاجتماعية وأمثالهم وغيرهم الكثير والكثير فلا تسأل عنهم ولا هم يحزنون.
هل قلتُ جديداً؟ أبداً. هل سأقول؟ مستحيل، هناك شرطي يتربع في الروح، يقول: لا تسمِّ الاشياء، أكتب عن الحكومة والقتلة والاحزاب والخونة واللصوص والقوادين ومالكي البارات ومانعي الخمور في الجنوب وتجار المخدرات الصغار والكبار وكل من تراه بطريقك لكن، إياك أن تسمّي أحداً! . وكن قيد لغتك، لا تأخذك بقدرتها على بلوغ الافكار، ولا تصدق ما حلمته في الليل، فتكتبه في النهار، إياك وإياك فالحمار ليس أنت، ومن الحماقة والجنون ان تدفع رأسك ثمناً، مقابل بضعة دنانير تتقاضاها عن مادتك هذه. ثم،هبْك لبست ثياب البطل الوطني والمناضل العظيم ثم قتلت فلن يقيم أحدٌ لك تمثالاً، ستنكرك الساحات والشوارع والمدارس والجسور ومراكز الشرطة والمستشفيات. . فأنت في نظر الحكومة طارئٌ، وبلا تاريخ هذا إن لم تكن كافراً ومارقاً وزنديقاً، وسيفعلون بك كما فعلوا بسلفك علي بن محمد من قبل.
أنت شاعرٌ إذن! واو، جميل جداً، هذا جميل عندهم. لكنْ، هل القيتَ قصيدةً بمناسبة وطنية، تعبويةً، اجتماعية، دينيةً، طائفيةً، قبلية، عشائريةً.. وهل نصرت المذهب، ومدحت الناصر والمنتصر، والقاتل والمقتولـ، هل وقفت منشداً بين يدي السيد المبجل، والشيخ العظيم، والزعيم الوحيد، وحامي العرض، والذائد عن الدين، وهازم الحشود من الانجليز والروم ووو ستقول: لا. إذن، ما أنت بشاعر. أنت تمتدح البحر، وتؤاخي بين الطعنات، وتبحث في الغصون عن طائر أثقل المطرُ جناحه، وفي الوهاد عن خدن وصنو لك، وعن امرأة لم يحمل أحدٌ عنها حيرتها في المرآة وقد انتصف الليل، وتبعث برسائل الى غرباء لا تعرفهم. . لا، ما أنت بشاعر ابداً، أنت عدو مبين، ولا تستحق الحياة.