اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > كتابة الرواية بين الموهبة والصنعة

كتابة الرواية بين الموهبة والصنعة

نشر في: 7 يناير, 2024: 09:37 م

كه يلان محمد

يُخيلُ للمتأمل في المشهد الثقافي أنَّ عدد الروائيين يعادلُ نسبة القُراءِ والمتابعين إنْ لم يفقْ عليها.فأصبح تأليف الرواية ضمن مشاريع مستقبلية لكثير من المبدعين والهواة.وماينبئُ بهذا الميل أكثر هو انضمام مزيدٍ من الأسماء إلى نادي الرواية.

وإذا أنت من المُهتمين بقراءة الأعمال الروائية والكتابة عنها يُلقى بسؤالٍ على مسمعك باستمرار لماذا لاتكتبُ روايتك؟ طبعاً يستندُ منطقُ المُتكلم إلى البعد المهني في الكتابة.

وهو لايجانبُ الصواب في افتراضه بأنَّ الرواية مهنةُ يمكنُ اكتسابُ الدراية بمبادئها من خلال القراءة ومن ثمَّ تشرعُ بالمحاولة على الحلبة.لكن هذا المنطق لايكون صحيحاً في مُطلق الأحوال كما أنَّ التمتع بالفرجة على اللعبة لايجعلُ المُشاهدَ لاعباً أو تفوق المدرب لايعني بأنه كان عنصراً فاعلاً داخل المُستطيل الأخضر كذلك الحال بالنسبة للفنون الإبداعية، فإنَّ قراءة الرواية أو الكتابة عنها و التنظير لها نقدياً لايُكسب المرءَ حساً روائياً.الأهمُ في معترك كتابة الرواية هو المكان الذي يستنهضُ بمكوناته طاقة المُخيِّلة، فما يسرده الروائيون في أعمالهم تعودُ جذوره إلى مرحلة الطفولةِ هنا يمكن الإشارة إلى تجربة الروائية السورية مها حسن التي لمحت إلى ما كان يثيره في ذهنها القطارُ الذي يعبرُ القرية مبدلاً أجواءها من المُثقلة بالهدوء الرتيب إلى الحيوية والحركة للحظات.وماتقوله حسن عن ترقبها للقطار الذي يواري بالمسافرين عن الأنظار ويرمي بهم نحو المجهول يعيدُ بالمتلقي إلى رواية "متروحلب" وهاجس بطلتها بانشاء سكة الحديد في مدينتها المنكوبة جراء الحرب ومن البداهات التي قد لاتستدعي التذكير بها،أنَّ مفردة القطار لها مدلول سيمولوجي ومُحايثُ للطاقة الاستيعابية للاختلاف والتنوع.

رحلة الاكتشاف

ولاتغيبُ الطفولة لدى الروائية التركية أليف شافاك إذ تسردُ جانباً من العالم الذي تفتحت فيه مداركها بأهمية القصة ودورها في التخفف من الشعور بالوحدة والعزلة.وهي تعودُ إلى أنقرة برفقة الأم المُطلقة فكانت أجواء المدينة مشحونةً بالتوتر السياسي مايمنعها من الخروج واللعب في الشارع وتعوض حرمانها من كل ذلك بالرحلة في الحكايات الخرافية التي تسمعها من الجدة.فهذه المواد المحكية كانت تزيدُ من زخم التخييل لدى الطفلة،تستعيدُ صاحبة "لقيطة أسطنبول" تجاربها الأولى مع القراءة والكتابة في شهادة منشورة بين دفتي كتاب معنون ب"مهنة الكتابة ماتمنيتُ معرفته في بداياتي " الذي يُثْبَتُ فيه كلامُُ لنخبة من الروائيين الذين لهم بصمة على المستوى العالمي.إلى جانب شافاك التي تعترفُ بأنَّ كتابة القصص كانت بدافع الملل والحياة المُنمطة تقعُ على مايرويهُ بول بيتي الذي كان يشعرُ بالقلق مما يتطلبهُ الانخراط في الكتابة من أن يصبحَ مفهوما ويقولُ مايطيبُ للناس سماعه.ومايعتقدون بأنَّه صحيح وبالتالي عليه تنمية مايسميه جيري ساينفيلد ب"تصفيق الموافقة الجماعية" يعتقدُ بيتي أنَّ درجة المؤلف المنسوبة إليه ليست تتويجاً أو منحةً، بل بقايا العمل الشاق والأمل الذي يخامره باستمرار بأنَّ تكون بصمته في الكتابة والتفكير واضحة ولايشبه غيره في كتابة نصوصه الإبداعية.أما مصدر الإلهام بالنسبة إلى حنيف قريشي هو نجوم موسيقي البوب فكان يشاهد هؤلاء في طفولته بكل الإعجاب وهم يغنون وما لفت انتباه قريشي أنَّ النجوم يُكافَئون مقابل عملٍ يحبونه وهذا يعدُ إحدى أعظم المتع على الأرض.والملمح الصادم في شهادة حنيف قريشي هو قوله بأنَّ الفضائل التي تجعلُ الكاتبَ ناجحاً لايمكن تعليمها.فالمطلوب من الكاتب برأيه هو صياغة قصص جديدة لأناس يعيشون على التكرار.من المعلوم أنَّ الأسلوب يكونُ محكَ لأي كاتب فإذا نجحَ في صك أسلوبه الخاص يحقُ له الانضمام إلى صفوة المبدعين.تؤكدُ الروائية الانجليزية غراهام سويفت على أن الأسلوب ليس نتيجة لقرار مسبق ولا يكمنُ في معرفة جملة من القواعد بل تتبلور قسمات الأسلوب من خلال التجربة والأخطاء والمحاولات الدوؤبة.ومايمكنُ التعويل عليه أكثر هو احساس المؤلف إن خطر لهَ أثناء الكتابة بأنَّ ثمة شيئاً ما يجعل هذه الكلمات تتخلق فهذا مؤشرُ بأنَّه على الطريق الصحيح.واذا توهم بأنَّه يدفع بالكلمات إلى خلق شيء ما فهو مُصاب بسوء الحظ.مايجبُ أن يحافظَ عليه الكاتب بنظر الروائية توفه يانسون هو الهدوء والقدرة على تحويل كل مادة إلى موضوع روائي وتتخيل بأنَّ الكتابة تبدأُ برصد أبسط شيء.كما أنَّ الترويض على الافتراض هو المحرك للكتابة والتبصر بوضعية أدوار الشخصيات، وتذهب الروائية الأمريكية ويلا كاذر إلى أن الرواية أو القصة من الطراز الأول ينبغي أن تمتلك قوةَ دزينة من القصص الجيدة بقدر مقبول أي القصص التي ضحي بهن من أجلها.ومايفهم من كلام كاذر أنَّ الرواية تنشأُ على أكتاف القصة المحملة بعناصر التمدد.والهدف الأول من كتابة الرواية لدي "مارك ليفي " هو الدفع بشخصية مُشتقة من الخيال إلى الواقع. واذا نجح الروائي في منح شخصياته صفاتٍ وأصواتاً واضحة لايصعبُ على القاريء فهم الحوار الذي يدور بينها ويعفي ذلك الكاتبَ من التطويل والتذكير باسم شخصياته الروائية. ويلفتُ ليفي النظر إلى تجنب الإفراط في الإظهار والكشف.ومايشحنُ الرواية بالتشويق ليس الإسهاب في الوصف ولا التعليق على كل شاردة وواردة،بل التفصيلات الصغيرة هي مايمكنُ للروائي أن يراهن عليه لضخ اللغة بالطاقة الإيجائية.والتحدى الأكبر يتمثل في حذف الحشو والتعويض عنه بكلمات قليلة.كما أنَّ الحدث هو ما يكسب الرواية قوة اقناعية.يعترفُ مؤلف رواية "هو وهي" بأنَّه لو كانت هناك خطوات بسيطة أو قواعد للكتابة العظيمة لكان الجميع قد اكتشفوها الآن بحيثُ صار العمل مملاً.ومعنى ذلك أنَّ كتابة الرواية إضافة إلى ضرورة الخلفية المعرفية بخصوصية خطابها تحتاجُ إلى الحس الإبداعي.

النفس الطويل

قد يستفيدُ الكاتبُ المبتديء من تجارب الروائيين الذين أضافوا إلى خارطة هذا الجنس الأدبي وفتحت أعمالهم مجالاً لاختبار أشكال جديدة من الكتابة، لكن الثابت في العملية الإبداعية عموماً والإبداع الروائي على وجه الخصوص. هو أنَّ النفس الطويل يتوجُ المحاولات بالنجاح.يرى نجيب محفوظ بأنَّ الكاتب يجبُ أن يمتلك عناد الثيران.لأنَّ الكتابة كخنجر على حد قول آني آرنو.تبدوُ تجربة الكتابة أصعب لدى أرنست همنغواي إذ ينصحُ صاحب "الشيخ والبحر" من يرغب في اقتحام هذا العالم بأن يشنق نفسه ويتخذ من هذا الحدث منطلقاً للكتابة.والكلام عن همنغواي يعود بنا إلى انتحاره وتفسير القرار بأنَّه كان نتيجة العسرة التي حلت بموهبته.يربطٌ هاروكي موراكامي بين حياة همنغواي الشخصية وما كابده في أواخر أيامه، كانت نصوصمه تستمدُ الزخم والقوة من مُغامرته الحياتية وشغفه بالمصارعة وقنص الحيوانات الضخمة،لكن العمر حرمه بالتدرج من الطاقة التي زودته بالتجارب.على الرغم من أنَّه قد تأخر في نشر روايته الأولى غير أنَّ الكاتب الأمريكي دونالد ري بولوك تراكمت لديه الخبرة بتفاصيل الكتابة لذلك بدوره يبادرُ بتقديم إرشاداتٍه ويوافقُ نجيب محفوظ حول أهمية التحلي بالصبر مضيفاً بأنَّ الكاتبَ لايصحُ أن يشخصن الأمور لأنَّ عالم النشر والكتابة يزدحم بالأصوات الأدبية.وربما الجديد في حديث مؤلف "المائدة الربانية" هو اقتراحه بإعادة كتابة أعمال الآخرين.فهو قد طبع 75 قصة، ولم يكن بولوك استثناء في ذلك فقد نسخ هنتر ت. تومسن رواية "غاتسيبي العظيم" كاملةً. ولايخلو خيار الكتابة من المران لذا فمن الضروري التفرغ لها كل اليوم ولو لدقائق معدودة.يقارن هاروكي موراكامي بين مواد الكتابة ومفاتيح البيانو كما يمكنُ عزف ألحان مختلفة على مفاتيح نفسها كذلك بالنسبة إلى المواد التي تراها مكررة فالاحتمالات بلاحد لاشتقاق صياغات جديدة منها وتصميم أعمال متنوعة.وبرأي مؤلف "شاطيء كافكا أنَّ الأهم ليس جودة المادة بل السحر وإن كان السحرُ حاضراً فيمكنُ تحويل أكثر الأمور اعتيادية في كل يوم وبأسط لغة إلى مصدر للثقافة الرفيعة المُفاجئة.يستعيدُ موراكامي الأجواء التي رافقت كتابة روايته الأولى لافتاً بأنَّه لم يعش تجربة الحرب ولاذاق أي نوع من المُعاملة الوحشية أو العنصرية يمكنه الاتكاء عليها بل عانى من انعدام رغبة أي شيء. إذن الحلُ هو سحبُ كل مايحتفظه صندوق الرأس حتى لو كان لايشبه سوى كومة خردة.والعمل إلى أن يأتي السحرُ.والخيال بنظر موراكامي ليس إلا ذاكرةً تتكون من شذرات عالقة في تلافيف الذهن

بصمة فارقة

توازي الكتابة في تعقيداتها الخلق عند ستيفان زفايغ وهو يتوغلُ في عالم كل من موزارت وبيتهوفن للإبانة عن البصمة الفارقة في النبض الإبداعي.لأنَّ معرفة العمل الفني لاتكتمل برأي زفايغ دون الإحاطة بظروف نشأته.من جانبه يقدم الكاتب الأمريكي رايموند كارفر ورقته بشأن موضوع الإبداع وما يهتم به هو لمسة المبدع ويفاجئك بقوله بأنَّ الموهبة في كل مكانٍ لكن أيَّما كاتب يمتلك طريقة مميزة للتعبير فهو يطأ قدمه في منطقة الخلود.ومايكونُ بمثابة تعويذة في برنامج كارفر هو كلام أيزاك دينسن التي قالت بأنها تكتبُ القليل كل يوم بلا أمل ولا يأس. من المعلوم أنَّ النقاشُ لايزالُ على أشده حول العلاقة بين الإبداع والنقد هل يؤثرُ الأخير على خطوط النص الإبداعي؟ تنفي الكاتبة البريطانية زيدي سميث أن يكون بإمكان الناقد إسداء أي مساعدة للمبدع أثناء الكتابة.برأيها أنَّ النقاد والأكادميين يتفرغون لتحليل الحرفة بعد رؤية النص أما ممارسة المهنة فهي ليست ضمن اهتماماتهم.تتوقف سميث عند تجربتها لقراءة "كيف يعملُ الخيال؟" لجميس وود وما إن تصل في قراءتها إلى فصلٍ يتناول فيه المؤلفُ "الراوي العليم الحميمي" حتي تشعرَ بالصراع بين ذاتها القارئة والأخرى المبدعة فالأولى تعجبها أراء المؤلف السديدة بينما الثانية تريد رمي الكتاب لأنَّ قراءة عن هذا الموضوع تشبه استماع المرء إلى أنفاسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram