اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > جنوب إفريقيا واليوم التأريخي لمحاسبة إسرائيل على جرائم الإبادة

جنوب إفريقيا واليوم التأريخي لمحاسبة إسرائيل على جرائم الإبادة

نشر في: 13 يناير, 2024: 10:08 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن دور جنوب أفريقيا المشرف في فضح جرائم اسرائيل لإبادة الشعب الفلسطيني تجسد في يوم تأريخي بحق 11-1- 2024 على طريق نتأمل أن لايستغرق وقتا طويلا كي تدان اسرائيل في نهايته بجريمة الابادة الجماعية من قبل محكمة العدل الدولية (أحد أهم اجهزة الامم المتحدة) وفقا لقواعد القانون الدولي والقانون الانساني الذي تبلور في أحد عهوده بإتفاقية إيقاف جريمة الابادة الجماعية للعام 1948.

إتساقا مع ضرورة تحميل اسرائيل كافة التعويضات المادية والمعنوية التي يستحقها الشعب الفلسطيني لجرائمها المركبة ضد الانسانية والحروب.

كنت اتصور أن مثل هذا اليوم سيكون من نصيب دولة عربية او اسلامية لريادة مبادرة قوائم الاتهام ضد أنتهاكات اسرائيل لحقوق الانسان وحرياته الاساسية، أما في حالة النكوص أو التردد التوقع أن تستلم دفة القيادة جنوب افريقيا كونها الاجدر بالقيادة من منظور إنساني يؤكد أولوية أحترام حقوق وحريات الانسان الاساسية في فلسطين ممتزجة بالرفض المطلق للاحتلال الاسرائيلي بل وأي احتلال لابد من فضح ممارساته القمعية بالادلة والتفاصيل الدامغة. ضمن هذا السياق لابد من إدانة أنظمة الفصل العنصري الذي عانت منه كثيرا جنوب افريقيا قبل تولي حكم البلاد الرئيس التأريخي الكارزمي الوطني نيلسون مانديلا تماما كما لايزال شعبنا الفلسطيني يعاني منه بقسوة شديدة منذ ما ينيف على 75 عاما عمر الاحتلال الاسرائيلي البغيض لدولة فلسطين منذ 1948 ويعد أخر احتلال في العالم لابد من إزالته كليا.

إن جرائم الابادة تقع في إطار جرائم الحروب وضد الانسانية خبرتها اسرائيل منذ ماقبل مرحلة تأسيسها بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة عبر عقود متتالية شنت خلاله عصاباتها الارهابية مجازر وحشية قتلت الالاف من المدنيين العزل والان تجاوز رقم الشهداء في حرب غزة ما يزيد عن 24 الف مدني و60 الف جريح مايقارب من 70 بالمائة منهم من الاطفال والنساء هذا عدا عن المفقودين وتحت الانقاض. إن رفع الدعوة القانونية بشكل جاد، سريع وذكي من قبل جنوب افريقيا ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية على مساحة 84 صفحة يأتي في مكانه وإتجاهه الصحيح وزمنه المناسب لإنه تعبير واضح عن مدى السخط والغضب الشديد ضد كافة جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبتها اسرائيل عبر مسيرتها الامنية - السياسية بشكل خروق وإنتهاكات صارخة لحقوق الانسان، حرياته وكرامته الانسانية تماما كالتي ارتكبتها من قبل دول استعمارية كبرى في مراحل إحتلالها للدول العربية والاسلامية وغيرها.

المسألة ثبتتها دعوة جنوب افريقيا ليس فقط بالنية المبيتة لإرتكاب الجرم بل وبالفعل الاجرامي في آن واحد بصورة لم تعهد اللهم إلا في الحروب العالمية الكبرى وفي عدد من حروب اقليمية كالتي عانى منها العراق وافغانستان، فلسطين والبوسنة ورواندا وغيرها من مآسي يندى لها جبين الانسانية. علما بإن ما سقط من قنابل امريكية ضد سكان قطاع غزة - لاتتجاوز مساحته 360 كم مربع بعدد سكان ينيف عن 1.2 مليون نسمة - تجاوز ما سقط من حجم تدميري" قنابل نووية امريكية على هيروشيما ونكازاكي ". دمار شامل للبشر، للشجر وللحجر، بدون تمييز بين المحاربين والمدنيين. ما يعني أن عمليات القتل وصلت لحدود مجازر وحشية متعددة لاتبررها أطلاقا إدعاءات اسرائيل بحق الدفاع الشرعي عن النفس إذ لم يسلم منها الاطفال الخدج ولا النساء الحوامل ولا كبار السن. إن ادعاءات السفيرة الاسرائيلية في بريطانيا بإن تحت كل بيت، جامع ومشفى نفق لارهابي حماس حسب قولها وأنه لايوجد خيار آخر أمام اسرائيل سوى دمار غزة مسألة تبين طبيعة النوايا المبيتة لجرائم حرب هدفها إبادة شعب وليس فقط ازالة تنظيم سياسي - عسكري (أي حماس). أن عمليات الابادة غطت فعليا كافة مؤسسات الاقطاع المدنية بشكل وحشي منها مثلا المدارس التي اشرفت عليها الاونروا - منظمة الاغاثة والعمل- إذ أنها دمرت تماما على رؤوس كل من احتمى بها من اللاجئين او النازحين كونها أضحت مراكزا للايواء وليس للتدريس والتعلم. خسارة مادية ومعنوية كبيرة جدا للجيل الجديد من أطفال وشباب. هذا ومن منظور صحي - إنساني مكمل فإن المراكز والمؤسسات الطبية -الصحية في القطاع عملت طواقمها كل ما في وسعها لتقديم العلاج رغم محدودية إمكاناتها المالية سواءا من حيث توافر الاجهزة والكفاءات، أوالمستلزمات الطبية - الصيدلانية الاساسية. حتى الطواقم الطبية والمسعفة للجرحى لم تسلم ابدا من ضربات اسرائيلية مميتة.يضاف لذلك امثلة أخرى تخص تدمير مراكز دينية وثقافية، مايقارب من 385 جامع، و3 كنائس مدمرة وغيرها. ليس هذا فحسب بل أن أكثر من 85% من سكان غزة قد تم تهجيرهم قسرا من مناطق وجودهم في شمال غزة وغيرها مناطق القطاع إلى الجنوب التي ثبت بالادلة القاطعة إنها غير آمنة أطلاقا عكس كل الاضاليل الاسرائيلية التي إدعت بغير ذلك.

إن دور اسرائيل وللمرة الاولى تاريخيا تخضع للمحاسبة القانونية الدولية مظهر يصب اساسا في إطار جريمة الابادة او التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وليس للدفاع عن النفس غير المبرر لدولة محتلة يفترض أن تقدم الحماية للشعب المحتل. علما بإن النية متوافرة لدى اسرائيل لتدمير كل شيء في غزة سياقات مؤكدة من خلال ادلة وشهادات كافة المنظمات الدولية الانسانية ووكالات الامم المتحدة والمنظمات المدنية غير الحكومية الانسانية (اليونسييف، منظمة الصحة العالمية، منظمة الغذاء الدولية, أطباء بلا حدود، منظمات حقوق الانسان كالعفو الدولية، ومنظمات أنسانية غير حكومية أخرى كالهلال والصليب الاحمر). هذا وقد افصح وزراء في قمة الهرم السياسي الاسرائيلي عن نوايا شريرة خطيرة مثل دعوة أحد وزراء حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو صراحة بضرورة الالتجاء لخيار يتجسد في تسوية مدينة غزة الآمنة المسالمة بالارض من خلال استخدام الخيار النووي. أو تصريحات أخرى على ذات النسق كما قال اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيلي سابق في عام 1992" اتمنى ان استيقظ يوما من النوم وأجد غزة قد ابتعلها البحر؟؟ ". مضافا لها تصريح لافت لوزير الدفاع الاسرائيلي الحالي بإن ضرب المدنيين الفلسطينين مسألة جد مقبولة كونهم اي الفلسطينيين يمكن وصفهم بانهم"حيوانات "؟! . تصريح متطرف صادر ولاشك عن شخص جاهل، متعصب وعنصري النزعة. الفلسطينيون انفسهم يؤكدون لكافة وسائل الاعلام بكل صورها معاناتهم التي لاتوصف من إحتلال ظالم حرمهم من الكرامة والعيش الكريم بينما هم شعب كريم وآبي آصيل من حقهم عيش حياة إنسانية بكرامة كبقية شعوب الارض. مطلب بحق شرعي وعادل ومنصف. من بعض نماذج ومظاهر الابادة نزوح أكثر من 95% من الصيادين عن البحر في قطاع غزة إلى جانب تدمير أكثر من 75% من اجهزة ومراكب الصيد ما انهى تقريبا مصادر رزقهم من سمك البحر وغيره من موارد غذائية.

إن حرب الابادة أو " التطهير العرقي " شملت قطاعات متعددة متنوعة من شعب فلسطين وبالتالي عقب مائة يوم من حرب غزة الاخيرة نرى أنهم يواجهون تحديات إنسانية كبرى تنوء بها الجبال بصورة جعلت غزة مدينة " لاتليق بالعيش الانساني " من نتائجها السلبية جدا إستمرار أحوال الفاقة، الجوع المرض مع الاحتمالات المفتوحة لإنتشار كل انواع الاوبئة والامراض الخطيرة التي تفتك بالبشر خاصة وأن لقاحات الاطفال الاساسية هي الاخرى لم تعد كافية وما وجد منها سوى نذر يسير لايلبي الاحتياجات الانسانية الاساسية. إن فرض سلطات الاحتلال الحصار الظالم على قطاع غزة (الاخيرة عرفت أنها بمثابة سجن كبير وحسب قول تعد مقبرة للشهداء) وعلى الضفة الغربية وإن بدرجة اقل نسبيا حدت من وصول الماء الصالح للشرب، الغذاء، الدواء، الوقود والكهرباء بل وحتى الاتصالات الالكترونية قطعت مرارا. غزة تنذر بحدوث مجاعة كبرى نظرا للتقلص الواضح لكمية ونوع المساعدات الانسانية عبر معبر رفح مع مصر. إن وصول الاوضاع لحالة التهجير القسري ستعني إن اجلا او عاجلا حصول نكبة فلسطينية ثانية من الصعب تجسيرها إللهم إلا في حالة توحيد إستراتيجي جاد وفاعل للمواقف وللحقوق الفلسطينية - العربية (قانونيا، سياسيا، أقتصاديا، إجتماعيا، وأمنيا وبيئيا).

لعل من المتوقع وعقب انتهاء المرافعات من قبل طرفي النزاع (جنوب افريقيا واسرائيل) أن تصدر محكمة العدل الدولية قرارا إحترازيا قانونيا - اخلاقيا (في صالح الطرف الفلسطيني) لايقاف القتال الذي لايبدو أن اسرائيل وحليفتها الرئيسة الولايات المتحدة الامريكية مستعدان لقبوله طالما فشلتا في تحقيق الاهداف المرجوة وعلى راسها تدمير حماس كليا وهي مسالة تنبأ بها الرئيس الفرنسي الاسبق نيكولاي سركوزي على انها قد تحدث ولكن ليس قبل" عشرة اعوام في رأيه "مدركا أن منظمة حماس لازالت تتمتع بإمكانية عسكرية كبيرة نسبيا. أدراك ترسخ مؤخرا عند قوى دولية اخرى بضمنها الولايات المتحدة الامريكية. إن القرار الالزامي للمحكمة لايعني ان تنفيذ القرار سيتم بمرحلة زمنية قصيرة قادمة طالما تستمر الولايات المتحدة الامريكية بدعمها لأسرائيل بكل انواع الدعم (الامني/السلاح - الاستخباري - المعلوماتي) وغيره من خلال تكرار اصدار الفيتو على أي مقترح لايقاف إطلاق النار في مجلس الامن. الشيء الواضح ان عدم الالتزام بقرار المحكمة لن يقلل من شأن التطورات والتداعيات المنتظرة ومنها إمكانية أن يتم فرض سياسة عزلة مستحقة على اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية من قبل المجتمع الدولي خاصة إذا عرفنا أن 153 دولة على الاقل وافقت في قرار سابق للجمعية العامة للامم المتحدة على اولوية إيقاف اطلاق النار. من منظور مكمل يمكن ايضا ان توظف الامكانات القانونية للمحكمة الجنائية الدولية في استقدام كل من يثبت إجرامه في الاعتداء على الشعب الفلسطيني لمسرح العدالة الدولية لينال جزائه العادل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. لقمان البرزنجي

    مقال رصين و واقعي و معبر لکن هل تعرف لماذا لم تفعل أي دولة عربية هذا الأمر و اخذو الصمت التام تجاە هذە المذابح لأن للعرب تاريخ طويل من عمليات القتل للاقوام الاخری تارة باسم الاسلام وتارة باسم العروبة الکرد و الامازيغ انموذجا . مودتي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram