هادي عزيز علي

المعاناة التي عاشها شعب جنوب افريقيا في الفصل العنصري والاثار المدمرة باهضة الكلفة جعلته في موقع التوأمة مع الشعب الفلسطيني للسبب ذاته مع ميل واضح الى جانب حقوقه المشروعة والمتبناة من قبل الراحل " نلسون مانديلا "

فضلا عن الموقف النبيل تجاه غزة المنسجم مع الرؤى السياسية لذلك الشعب المناضل والذي تجلى في رفع الدعوى امام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني مطالبين فيها المحكمة المذكورة استعمال السلطة المخولة لها بموجب احكام المادة الثامنة والثلاثون من نظام المحكمة الاساس والتي تنص على ان: (وظيفة المحكمة ان تفصل في المنازعات التي ترفع اليها وفقا لاحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشان: أ - الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعدا معترفا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة. ب – العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال. ج – مبادىء القانون العامة التي اقرتها الامم المتحدة المتمدنة. د – احكام المحاكم ومذاهب كبارالمؤلفين في القانون العام في مختلف الامم... 2 – لا يترتب على النص المتقدم ذكره اي اخلال بما للمحكمة من سلطة للفصل في القضية وفقا لمبادىء العدل والانصاف متى وافق اطراف الدعوى على ذلك).

لائحة الدعوى المكتوبة بحرفية قانونية عالية بخاصة وهي تتناول نصوص (اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية) ابتداء من استخدام مصطلح (الابادة الجماعية) لأول مرة من قبل المحامي البولندي (رافائيل ليمكن) ولغاية اخر تطبيق لها في المحافل الدولية، تلك الحرفية التي ارتقت باللائحة الى مصاف كتابات شراح القانون الدولي. بلغ عدد صفحاتها (84) صفحة تضمنت ارشفة دقيقة لكل اعتداءات الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني بعامة وغزة بصفة خاصة وعلى طول وعرض المساحة المعترف بها دوليا بناء على خط الرابع من حزيران 1967، وفي مقابل – وبمهنية معتدة - تم تكييف وقائع الاعتداءات على وفق احكام النص القانوني الدولي الذي يحكمها، وبذك حمل عن قضاة المحكمة المعاناة والوقت المطلوبين لمهمة التكييف. ومثال على ذلك ان الكيان الصهيوني فشل في منع او معاقبة من قام باعمال وتدابير افضت الى القتل او التسبب بأذى جسدي او عقلي اوبالمعاملة غير الانسانية والمهينة او الاخلاء القسري والتهجير والتدمير الواسع للمنازل وتدمير المؤسسات الصحية وعدم توفير الخدمات الطبية والحيلولة دون وصول الغذاء والمساعدات كيفتها اللائحة باعتبارها انتهاك لاحكام اتفاقية الابادة الجماعية وعلى وجه الخصوص المادة الاولى من الاتفاقية و (الثالثة /أ) و (الثالثة / ب) و (الثالثة / د) و (الثالثة /هـ) والمواد الرابعة والخامسة والسادسة من الاتفاقية المذكورة.

بينت اللائحة ايضا (ان استراتيجية الكيان الصهيوني تتمثل في ايواء سكان غير مرغوب فيهم يبلغ عددهم مليوني فلسطيني لاجل غير مسمى وحصرهم في شريط ساحلي ضيق مصحوب بحصار جوي وبحري وبري الامر الذي دفع "بان كي مون" الامين العام السابق للامم المتحدة ليصرح: (ان هذا الحجر الصحي السياسي هو " عقاب جماعي"). هذا الوضع ادى الى انتهاكات عديدة للقانون الدولي الانساني وافضت الى تشكيل لجان وهيئات ومنتدبين من قبل الامم المتحدة لتقديم تقاريرهم عن تلك الانتهاكات. حرص مقدموا لائحة الدعوى على ارشفة تلك التقارير وتقديمها الى المحكمة كونها جزء من الادلة الثبوتية في الدعوى ولم تكتف بذلك وبغية حشد الجهد الدولي لمناصرة غزة ولكي تضع المحكمة امام الرفض الدولي لجريمة الابادة الجماعية فقد ذكرت رؤساء الدول الذين قالوا ان تصرفت الكيان الصهيوني تشكل ابادة جماعية وهم رؤساء الجزائر، بوليفيا، البرازيل، كولومبيا، كوبا، ايران، تركيا، فنزويلا، واشار ممثلون حكوميون الى ان الابادة الجماعية خطر على غزة وهم ممثلو: بنغلادش، مصر، هنداروس، العراق، الاردن، سوريا، ليبيا، ماليزيا، ناميبيا، باكستان، تونس فضلا عن دول غير اطراف في اتفاقية الابادة الجماعية وهما قطر وموريتانيا.

وبعد ان استكملت اللائحة اسبابها وشروطها القانونية انتهت الى تدوين المطاليب التي طلبت من محكمة العدل الدولية الحكم بمقتضاها والتي جاءت بالصيغة الاتية: (تطلب جنوب افريقيا كدولة طرف في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الابادة الجماعية من المحكمة، كمسالة ذات اهمية قصوى... الى الاجراءات المؤقتة الاتية فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني كمجموعة محمية بموجب الاتفاقية المذكورة باعتبرها مرتبطة مباشرة بالحقوق التي تشكل موضوع النزاع بين جنوب افريقيا والطرف الخصم في الدعوى) وتضمن اللائحة تسعة مطالب مقسمة على طلبين، الطلب الاول – الاجراءات المؤقتة وبينت ان هذه الاجراءات المؤقتة (اوامر ولائية) مرتبطة مباشرة بالحقوق التي تشكل موضوع الدعوى وبخاصة الفقرات الست الاولى وفي مقدمتها التعليق الفوري للعمليات العسكرية في غزة وقبل الدخول في موضوع الدعوى. اما الطلب الثاني فيتضمن الفقرات الثلاثة الاخيرة التي تشكل المطالب الموضوعية المتضمنة الزام الكيان الصهيوني بمجموعة من الاحكام الواجب القيام بها.

في المحاكم الجزائية عندما يتوصل قاضي الموضوع الى ان المادة القانونية المنصوص عليها في القوانين العقابية تنطبق على الفعل المنسوب لمرتكبه فلا مناص والحالة هذه من اصدار الحكم القضائي المناسب والعقوبته المناسبة. لذا فان ما يحسب لصالح لائحة الدعوى هو ان القائمين على تحريرها – وكما ذكرنا - تمكنوا من الوصول الى ان الفعل المنسوب للجناة ينطبق واحكام اتفاقية منع الجريمة الجماعية وبالمواد المؤشرة لها مما يعني لزوم العقاب. ان هذا الجهد المميز لكتبة اللائحة ييسر ويسهل عمل القضاة في محكمة العدل الدولية ويحمل عنهم عبء اجراء المزيد من التحقيقات والتدقيقات في ملف الدعوى والوصول الى مرحلة حسم الدعوى.