اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > منطق آلية التطابق والتضاد في الرؤية التشكيلية

منطق آلية التطابق والتضاد في الرؤية التشكيلية

نشر في: 14 يناير, 2024: 10:37 م

ضحى عبدالرؤوف المل

يميل الفنان "جبران طرزي " نحو منطق آلية التطابق والتضاد في الرؤية التشكيلية، كعلم ينشأ عنه تطورات تفاعلية تتغذى جزئيا من العلاقات بين الخطوط والألوان والأشكال،

لتُشكل نوعا من الروابط البصرية التي تتغذى على فهم قيمة الأكوان التأملية في ترحال ذهني يمارسه بعيداً عن الفوضويات من حولنا، لتكون مفعمة بما يثير الدهشة حيث يتلاعب طرزي بالخطوط، لفتح الأبعاد وايجاد معادلات الفراغ والإمتلاء، وبما يجعل اللوحة تتصف بمتناقضات تعصف بالذهن من خلال المحاكاة الهندسية عبر الأحجام المختلفة والإيقاعات المتناغمة تشكيلياً، وفق المنفصل والمتصل، والتسلسل القائم على فكرة اللانهائية، والتوالد والتجدد والتطور المستمر في كل فكرة يطرحها عبر أسلوبه الفني بنسبه فنية غير المقيدة بالأوزان والخطوطط الحادة، رغم أن اسلوبه قائم على المغلق والمفتوح، وبمعنى آخر على كل فعل رد فعل، وبما يتوافق أو يتعاكس مع قيمة الخط واللون وبمنطق الغموض في خوارزمياته الأرابيسكية، لإدراك الخواص الهندسية في مفاهيمه التي يؤمن بها ضمن فلسفة الجمال التشكيلي وجودة تذوقه بصريا، وبما يستمده من الإلتزام بطابع فني هو بصمة طرزية ينتج عنها رؤية في الثقل الهندسي عبر خطوط لها انفعلات ومؤثرات وظفها للتعمق والإدراك معتمداً على فكرة التكافؤ التشكيلي أو الترابط بين شكل وشكل آخر لخلق ازدواجيات تتنوع خصائصها من حيث رؤية العمق والتسطيح والتوازنات البسيطة والمعقدة حدسيا قبل حسياً. فهل من معرفة ذاتية مارسها في لوحاته لتكون ضمن المعاني الهندسية في تجريد يفتحه على عدة تخيلات جمالية؟ أم هو انعكاسات لأشكال تتجدد عبر الأبعاد بعيداً عن فكرة الزمان والمكان؟ وهل خطوط لوحاته تؤثر بصريا على فكرة التضاد في الفن التشكيلي لخلق حالة من النشوة الإستكشافية في الأبعاد التجريدية هندسيا؟

يُشكل التشابك الزخرفي رؤية ربطها طرزي بالمبدأ الأرابيسكي وتطوراته القائمة على ما هو مستوحى من الفكرة الهندسية للشكل الخاضع لصرامة الفنان خاصة أو بمعنى آخر لقواعده بمحاورها التجريدية الأساسية، وبما هو متجه رأسيا أو افقيا أو في منحني يقود التفاصيل الأخرى إلى تشكلات بين الأضلاع كافة بمعنى حسي كفكرة التوالد والتآخي، والترابط والتداخل بعيداً عن تشظيات الألوان وتمددها أو تقلصها تبعاً للسماكة والشفافية وضمن متغايرات مرنة تكرر نفسها إلى ما لانهاية بعيداً عن المساحة الملموسة، فهو يفتح المخيلة على شريط ولادة الإنسان عبر الأجيال التي تكرر نفسها جينياً، وبما هو بمستوحى من تتابع الأجيال الإنسانية من الأصغر إلى الأكبر وبالعكس. فهل ينغلق الفنان على نفسه من خلال ما يتشكل أمامه من أشكال تولد تلقائيا وهو يرسم الشكل الذي يفرض شكلا آخر؟ أم هي فلسفة الولادة والموت ورحلة النفس في الأبعاد التي تنغلق وتُفتح تلقائياً وكأن الخروج من مادة اللون هي رحلة أخرى عبر الخط بمختلف مقاساته وما تمثله المربعات والمستطيلات والدوائر وما إلى ذلك من أشكال؟ وهل الابتعاد عن التشخيص في هذا الفن هو نوع من معرفة الذات عبر القدرة على تطوير الأنماط التجريدية؟

يُجرد "جبران طرزي" رسوماته من أي مظهر خارجي تقليدي ليحاكي ما ورائيا ما هو مخفي في الأشكال كافة، أو ما تحتويه من تشكيلات هندسية مبنية على معنى التآلف الروحي فلسفيا في الماورائيات، وهي غيبية معنى الوجود الروحاني للنفس التي ينبث عنها جميع الأنفس بتسلسل حياتي يرمز الى متانة الخطوط التي تتكاثر وتتزايد أو تنقص تخيلياً، وتتقطع أحيانا أخرى بغموض ينم عن تساؤلات هي تكوينات تعتمد على ما يراه كل متلقي بشكل فردي، فكل بصيرة تعتمد على تحليل صممه طرزي ضمنياً لفهم الحقائق الكونية في الخلق، وكأنها بوابات النور والضوء للدخول في الأبعاد الهندسية التجريدية التي تتشكل تبعا لمفهوم الجمال والاستمتاع بصريا، بما نستقرأة في كل لوحة تمثل استمرارية لهذا الفن المشبع بروح العصر المتجدد من تلقاء نفسه عبر الأشكال التي تتوالد وينبثق عنها العديد من الأشكال الفنية التي تتراءى وتعكس معطيات هذا الفن بكافة ولاداته عبر تاريخه وصولا الى الفن المغربي ومفهوم الوحدة والانتظام والايقاع. إلا أن طرزي برع في تحديد مفهوم التجريد والقدرة على استقراء الأشكال الهندسية التي تنتج عنه، وبتسلسل تترابط معه فكرة المحاكاة والأساسيات التي نشأ منها هذا الفن عبر التاريخ، وبطابعه الحي الذي يًجدد نفسه بنفسه من خلال الخوارزميات الخاصة به بعيداً عن تقليدياته، فالمعالم التكوينية في اللوحات غير المقيدة بنظام محدود هي لا نهائيات مفتوحة على لوحات أخرى تُشكل مفاتيحها نوعا من التجدد المحصور بالفكرة التي انطلق منها. ليتميز بذلك عن الفن الأرابيسكي التقليدي من خلال مستويات الفهم للابعاد التي يختزل من خلالها الأفكار التشكيلية التي تكمن بين المسارات والتطورات البصرية التي تسمح بتحديث نفسها بنفسها في مخيلة المتلقي. فهل نظام هذا الفن يوحي بتطور المجتمعات أو النشاط البشري بشكل عام؟ أم مستويات قراءة هذا الفن بصريا تختلف تبعا للخلفيات الاساسية التي يقوم عليها؟ وهل احتفظ طرزي بأساسيات رؤيته في هذا الفن عبر اللوحات التي قدمها كنماذج تفنية تساعد على تطوره؟

لا يمكن تسمية هذا النوع من الفن بالعربي الخالص رغم أنه مشرقي الرؤية في الأبعاد الفلسفية جماليا، وبما هو راسخ اسلوبيا في معطياته بعيداً عن التقاليد اليونانية والرومانية، والبزنطية عبر التاريخ، ومغربيا في العصور الحديثة لما احدثه هذا النوع من الرسم من الانفتاح والفهم لقيمة الابعاد المخفية فيه. إذ تُمثل التنوعات والتدخلات التشكيلية في أعمال طرزي رؤية ذات متعة ذهنية حافظ عليها من خلال ربط حركته اثناء الرسم بحركة الأشكال عبر اساسيات الإدراك المتوجه بها للمتلقي، لفتح المخيلة على التفكر في مختلف الإتجاهات، وللربط بين العناصر من خلال قوة العلاقات بين الاشكال نفسها. لفهم الأبعاد الخفية أو بمعنى آخر البُعد الذي يتشكل عبر ما ورائيات هذا الفن وأهميته، لاكتساب القدرة على فهم الأشياء المستوحاة من اسياسيات الشكل، وما يفرضه من تأملات غير محصورة بالتصورات المجسدة غير المجردة وخصائصها من حيث السياق الهندسي والرياضي وتبلورات بنية الأشكال التي تؤدي الى اكتساب طرق تجريدية مختلفة لكل منها بياناتها الحساسة في اللوحة. فهل لوحات طرزي تسمح بالتلاعب الواعي فكريا في عناصر هذا الفن؟ أم يتبع طرزي احساسه بالوجود كمصدر الهام فني ينتج عنه تطورات في الشكل غير المحصور بالزخارف فقط لأنه يشكل نوعا من المحاكاة الغيبية للوعي الإنساني؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram