طالب عبد العزيز
منذ أن تسلّم برلسكوني رئاسة الوزراء في ايطاليا لم يتوقف عن ترديد جملته" أنا أُنتُخِبتُ ديمقراطياً" وكلنا يعلم أنَّ موسوليني وهتلر وسالازار انتخبوا ديمقراطياً، أيضاً. ولم يكتف برلسكوني بذلك، إنما بدأ بتحويل قواعد الديمقراطية لصالحه، فتمكن من تعديل الدستور، مثلما فعل أوردغان قبل سنوات. يقول انطونيو تابوكي: من الخطأ أنْ نمزح مع الذاكرة".
وبموجب ذلك سيكون العراق قد بلغ مراحل متقدمة في تخطي حدود الدستور وقوانين الديمقراطية، حتى لم تعد أهمية لكثير منها خلال السنوات الاخيرة، ولم تقتصر براهين ذلك على ما تتجاذبه الاطراف السياسية، التي تدير فقراته، بحسب مشيئتها، ومقتضى حالها، بل تعداه الى المشاركة الجماعية في التخطي ذاك، وتم تسويقه الى الجماهير بوصفه الحل الامثل. كل ذلك يتم عبر تفاسير تتحرك في محور لا يتوقف عند الـ 180 درجة، ودونما تقييد من أحد، اللهم إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الكتل مجتمعةً، والتي تأتلف وتفترق بعيداً عن إرادة ومصلحة الشعب.
يُنزل قانون مكافحة الارهاب عقوبة الاعدام بكل من ارتكب – بصفته فاعلا أصليا او شريك عمل، ايَّا من الاعمال الارهابية الواردة بالمادة الثانية والثالثة من هذا القانون، يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكن الارهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الاصلي. وهذه فقرات صريحة وواضحة ولا تستثني أحداً، ولم تنسخ بقانون جديد، ولو تقصينا المشمولين بها لطالت العديد من المشاركين في العملية السياسية، لكنَّ الديمقراطية في العراق لا تقتضي العمل بالقوانين والتشريعات، مهما بلغت درجة فاعليتها، إذا تقاطعت مع مصلحة الكتل السياسية، لكنها قد تتفعل ضدَّ من اجتمعت آراؤهم عليه.
مزاد الاصوات في انتخاب رئيس المجلس كان واضحاً، والاطراف المشاركة حركت المشهد كما أعدَّ له سلفاً، وضمن إطار معلوم في الديمقراطية، فتراجعت خلافات الأعضاء، وأوقفَ العمل باللوائح التي تجرّم وتعاقب، أو في القليل تم تحييدها لأجل يسمّونه، وجرى الانتخاب، فرفع يده من رفع، وأحجم من أحجم، وامتنع من امتنع، وكل ذلك يجري على وفق اصول اللعبة الديمقراطية، التي لم تخرج عن قواعدها، وسيصبح الانتخاب دستورياً، وإنْ اعترض البعضُ، وتقدم به الى المحكمة الاتحادية- صاحبة الفصل الاخير- فلن يؤخذ به، ذلك لأنَّ إرادة الجميع ذهبت بهذا الاتجاه، وبمقتضى الديمقراطية طبعاً، أما فقرات قانون مكافحة الارهاب فقد نُحيَّت جانباً، لأنَّ مصلحة العراق تتقاطع مع تطبيقها، والعملية السياسية التي خير من يتحدث بها رئيس الوزراء الاسبق ستصاب بمقتل إنْ تم تفعيل قانونها.
يبدو أن السياسيين العراقيين ينتفعون من تعطيل القوانين الدولية اليوم، وما يصيب الديمقراطية من هزائم على يد الولايات المتحدة، فمجلس الامن لعبة واضحة بيد القوة الكبرى، والديمقراطية مشيئة أمريكية بحت، وإذا قررت أمريكا ضرب بلاد ما فهي تعمل على وفق قانون مكافحة الارهاب، واسلحة التدمير الشامل، وتضرب أو تحاصر أيَّ نظام تشاء، بحسب ما تشرّع وتسمّي من قوانين، وما نشاهده في غزة لا يشذُّ من حيث المبدأ عن القاعدة هذه. ستكون الديمقراطية أشدَّ خطراً على الانسان من الدكتاتوريات والانظمة المستبدة، لأن امكانية اسقاط الانظمة هذه ممكنة، وقائمة في الذات المقموعة، لكنَّ اسقاط الديمقراطية شبه مستحيل، فهي تضمنُ اسباب بقائها في صندوق الاقتراع، وفي لطخة الحبر البنفسجية.
إذا كانت فكرة الديمقراطيات في العالم قد أقيمت على مبدأ اختيار المرء لممثله في الحكومة، والتعبير الحر عن شكل النظام فالفكرة هذه أخذت مسارها الآخر، وانحرفت مع الزمن عن أصلها، ذلك لأنَّ مبدأ الحكم إنما يقوم داخل الذات الحاكمة على مبدأ ديكارتي صرف، فكل فعل مبرر، وكل غاية تتحقق، وخير من يمثل وجهة النظر هذه هم حكام الشرق الاوسط والعرب وتمنحنا حركة السياسة في العراق الدليل النهائي على ذلك، فهم ديكارتيون وإن لم ينتموا.