ضحى عبدالرؤوف المل
ترتبط لوحات الفنان الاسكندراني" محمود سعيد " المولود في الثامن من نيسان عام 1964 بالنهج السردي بصرياً،
وبالتفكير التكويني فيزيائياً بين الشكل واللون والأبعادالمفتوحة على معنى سردي، وآخر تشكيلي متزن أسلوبيا من حيث المقاييس والإلتزام بمبدأ المثلث، رغم كل الإلتفافات المرتبطة ارتباطا وثيقا بالبحر وتأثره به من حيث التموج وليونة الريشة في مدّ اللون. إلا أنه يجعل من المثلث مبدأ لكل شىء، وهذا يُعتبر من الجوانب المهمة في أسلوبه المعقد رغم منحه المشهد طبيعة سلسة، كما في لوحة المقرىء. فما الذي أراد أن يمنحه " محمود سعيد" للمتلقي في نهج السرد البصري الذي ألتزم به، والأفق القصصي المحسوس في لوحاته تتقاطع فيه التمثيلات الفنية، وينتج عنها مرئيات تثير العديد من الإسئلة التي تتوالد من التحليلات البصرية المتعددة التي تنشأ من قوة ميلان الريشة التي يتميز بها أسلوبه الناشىء عن الطبيعة التي تواجد بها في طفولته وهي البحر والأمواج ما بين ليونة وقسوة تختلط معها الألوان بشفافية مبنية على الهوية الذاتية وارتباطها بالفكر الحداثي في الفن الملتزم بالقضايا المُجتمعية وهويتها الخاصة في عالم الفن التشكيلي دون الانفصال عن الإيمان بقوة البحر الذي ينتج عنه رؤى مختلفة، تتناقض معها المفاهيم المُرتبطة بالمتعة الجمالية من فرد لفرد. فهل قيمة لوحات "محمود سعيد" نشأت من التماهي البيئي، والتكييف مع الجذور دون أي تعارض مع الحداثة المؤمن بها؟ أم هي فلسفة تشكيلية متعالية سردياً ليفرض الأنا الأسكندرانية على لوحاته التي أصبحت نهجاً سردياً بصرياً في الفن المصري الخاص بمحمود سعيد؟
يستقطب الفنان الإسكندراني "محمود سعيد " مفهوم الضوء، ويترك للظل مساحته الخاصة عند الدمج اللوني، وكأنه يتابع حركة الموج عند الفجر أو الغروب، فالتأثر بالليونة اللونية وهدوء الخطوط يتضح في كل لوحة وإن ابتعد فيها عن الشواطىء كلوحة المقرىء وهي اللوحة الأكثر ملامسة لغموض أسلوبه الذي يجذبك مرغماً لتأمل ثنايا الألوان والرؤية التي يفرضها على نفسه قبل المتلقي (العتمة،النور)بمعنى كل ما هو مرتبط بالتعتيم في لوحاته يرتبط بالنور كالذي يتأمل البحر والقمر يرسل أشعته الضوئية المختلفة ومن وجهة نظر منهجية مدروسة جداً مع إدراكه الإختزالي للعديد من النواحي التي يجب أن يتركها للتحليل البصري بسلبياته وغموضه بعيداً عن المعرفة التشكيلية والإسقاطات الأخرى. فهل الهدوء الشديد الذي يميز اللوحة الأكثر ألوانا هي من سيمات شخصيته وغموضها من حيث التزامه بالقواعد الكلاسيكية في الفن والانتفاضة عليها عبر إظهار الرؤى الفنية المستندة على الحداثة؟ أم أنه مارس مفهوم المد والجزر مع ريشة عانقت البحر والسماء وأنتجت فناً سردياً بصرياً ذا ملامح شرقية لا غنى عنها؟ وهل الطبيعة جعلته يمنح للضوء مساحة بارزة ليختبىء الظل في لوحاته وكأنه البطل الأساسي في الكينونة الدرامية تشكيلياً؟
يفك الفنان "محمود سعيد" القيود التشكيلية الأكاديمية ويجعل منها غذاء للوحاته لتكون بمثابة ايديولوجيات تشكيلية لحداثة يدخلها عبر كلاسيكية يتواءم معها استثنائياً. ليوقظ علاقة الفن بالتحديث الواعي عبر نقاطه الأساسية للهيمنة على النموذج الشرقي في الفن وأكبر تحدياته لوحة المقرىء لأنها تمثل المدارس الفنية في لوحة واحدة من التعبيري والزخرفي إلى التصويري وقوة التموجات بين الموج واللباس في الأكمام والكوفية والعمامة إلى الهلال في المقعد وصولا إلى الفن الزخرفي التراثي، وبرؤية فنية هي جزء من كل ليبرهن على تغذية البصر في الشرق الغنية بالكثير من القواعد المرتبطة بالخط ومعناه وقوته، وقدرته على ترجمة حتى المشاعر، وإن بشكل حسي تأثيري إلا أن اللوحة بحق تؤسس لمفهوم جمع المدارس الفنية في لوحة هي اجتماعية بمضمونها. لكنها أسلوبية بصرياً، وتسرد الواقع في مشهد يختزل الكثير من الكلام. فهل يؤثر الفن بصرياً في الذاكرة ويترك فيها ما يمكن تجريده من الرؤية العابرة فنلمس معنى التشكيلي البصري وأهميته في العلوم كافة؟...