اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلام غير عادي: حسابٌ مصرفي

كلام غير عادي: حسابٌ مصرفي

نشر في: 23 يناير, 2024: 10:17 م

 حيدر المحسن

لا أحد يودّ المجيء إلى حارة الأدب، ويؤدي في نفس الوقت دور المهرّج أو المشعوذ أو المجنون ممزّق الثياب، ويحلو له أن يتشقلب في شوارع الحارة دون أن يُفتح له باب، ويظلّ مشرّدا في أزّقة الحيّ طوال الليل، وتشرق الشمس عليه وقد شمله اليأس من السكن في الحيّ، ويشدّ الرحال عائدا إلى دياره، دون وداع من أحد.

في كتابه "تاريخ النقد الأدبي" يضع طه أحمد إبراهيم حدّا بين مَلَكَة الناقد العلميّة والأدبيّة؛ الأولى مكتسبة والثانية من عمل الطبيعة، وهي الأهمّ، لأنها "توجد لنفسها قواعد ولا توجدها قواعد". أحد أصدقائي يحملُ اسما مرموقا في النقد الأدبي، وسألته عن رأيه بالأعمال الأخيرة للروائية فرجينيا وولف. أجابني:

- من هي فرجينيا وولف؟

من الصعب ألّا نستنتج من هذا (الجواب – السؤال) أن الكثير ممن يتعاطون النقد الأدبي في بلداننا لا يرونه عِلما مبجّلا، يتطلّب أن يفرش الناقد أيّام وليالي عمره مائدة يطعم منها العلوم باختلافها، والأدب أولّها، وثلاثة أرباع الأدب اليوم الرواية. القراءة تعطينا مَلَكة اللغة، وتعِدُنا هذه بالدخول إلى فردوس الفنّ، مع القدرة على التجريد والاستقراء والتأمّل، وهذا تعريف للنقد وليس وصفا له. لكن الافتتان بالنقد الأدبيّ لا يتمّ بالقراءة فحسب، ويحتاج إلى الموهبة والدراية وحُسن التفكّر والذوق، وإتقان مبادئ الاختيار والاستبعاد والحذف. عندما تغيب الموهبة يتوه الناقد عن الدرب، ويقود في طريقه رهطا من المتأدّبين والجمهور، ويقع في هذا الصنف كثير من البحوث التي تتناول أدبنا العراقي.

تجريف الثلج الثقافي

في رواية "الرقص الرقص الرقص" لهاروكي موراكامي، التي نُشرت بالإنكليزية عام 1995، وتُرجمت إلى جميع اللغات، يشرح الروائي وظيفة النقد بهذه الصورة:

"الطريقة التي أرى بها الأمر، هي مثل تجريف الثلج. أنت تفعل ذلك لأنه يجب على شخص ما أن يفعل ذلك، وليس لأنه ممتع". قلت: حسنًا، ويمكن قول الشيء نفسه عن دفن الموتى. لا يهمّ ما إذا كنت ترغب في ذلك أم لا - الوظيفة هي الوظيفة.

بين الضحالة والسطحيّة، والغموض المضطرب والزائد عن اللزوم ينتشر أكثر الأدب اليوم، ويضيع. بعبارة أخرى فإن هناك من يمسك بممحاة اسمها السذاجة يلغي بها الروح من النصّ، وآخر بيده قلم يخطّ به جملا صعبة لا يفهمها أحد، ثم يأتي ناقد واهم يقف خلف الاثنين، ويخدّرهما بآراء وفلسفة وتنظير مما قرأه في الكتب، ويدعم هؤلاء جمهورٌ بالطبل والأجراس، لكي تكتمل السبحة.

قسم آخر من الكتّاب يظنّ أن ما يأتي منه يقوم على اسمه الذي كان حيّا في الزمن الماضي، وأصبح الآن أثرا بعد عَيْن. إنّ مجدَ الإبداع ليس حسابا في المصرف تأخذ منه ما تشاء يا أخي، ولا ينتهي الرصيد إلى الأبد. شبّه علي جواد الطاهر هذا النوع من الكتّاب بأن موهبتهم "سيجارة" يدخّنونها ثم تصل إلى العَقِب، ويبقى المدخّن قاضما عليه بين أسنانه، رغم أن ما يأتيه منها الرماد، لا شذى لفائف السيجار.

قال صاحب المثل: "إذا ابتُليتُم فاستتروا". طارقةٌ جديدة دهمتْ عالمَنا هذه السنين، وهي الجوائز. لا تفيد الهِباتُ الممنوحة الأدبَ عندنا، وضررها أكثر وأعمّ، ويحتاج هذا الكلام إلى تفصيل ربّما قام به أحدٌ ذات يوم، لأن ليس كلّ ما يُعرف يُقال...

دراسة الادب تتطلّب فحص النصّ أولا، وأكثر ما يُكتب الآن من نقد يتناول رواياتٍ وأشعارا لا تملك الاستقامة في اللغة، وليس فيها من التأليف الأدبي شيء، فكيف صارت في غربال الناقد وهي مثل كائن بجسد هالك وروح ميتة؟ لقد دفعتَ بها ثمنا عظيما، وسِعرها لا يُعادلُ شَرْوَى نقير. أنت تطرد العملة الجيّدة بالرديئة، لا حال أسوأ من حالك يا صاحبي...

تعلو نفسُ الناقد ويتسامى حسّه بواسطة الأدباء الذين يتناولهم بالبحث. إنهم مرايا تعكس موهبته وذاته، ويكتب بواسطة أقلامهم حياته. لنزار قباني قول شهير عندما قام مارون عبود بدراسته: "أنا سعيدُ الحظّ لأني وُلِدتُ في عصر مارون عبّود"، وكان الأحرى أن يكون قائل هذا الكلام الناقد لا الشاعر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram