اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: المرحاض قديما وحاضرا

قناطر: المرحاض قديما وحاضرا

نشر في: 27 يناير, 2024: 09:49 م

طالب عبد العزيز

مع أنَّ العرب لم يعرفوا بناء دورات المياه(المراحيض) إلا متاخرين، إلا أنَّهم بالغوا بتسمياته فهو:(بيت الراحة، الادب، الكنيف، المرحاض، W.C)هذا المبنى الصغيرلم يحظّ بعنايتهم في البيوت والمساجد والاسواق على الوجهة التي نعرفها اليوم، ويدلنا الحديث الذي ترويه السيدة عائشة في قصة الإفك، على جهلهم به في قولها:

" فخرجتُ أنا وأمُّ مَسطّحْ قبل المناصع مُتبَرَّزَنا، لا نخرجُ إلا ليلاً إلى ليل، وأمرُنا أمرُ العربِ الأوُل في البريّة والتنزه".وهو اشارة واضحة عدم وجود المرحاض في البيت. ونقرأ في سنن البيهقي/شعب الإيمان: أنَّ النبي قال: "لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية، فوالذي نفسي بيده لمَا يدحّرجُ الجُعَّلُ بأنفه خير من آبائكم.. ". وفيه اشارة الى أنَّ التغوط إنّما يتم خارج محيط المدينة، وفي الوهاد أو خلف الآجام، وهذه قضية كانت لهم قبل الاسلام.

لكنَّ المراحيض بنيت ببلاد فارس في حقبة ما قبل التاريخ، بالقرب من مدينة زابول، حيث استُخدمت القنوات الفارسية وخزانات المياه لإمدادات المياه والتبريد، ويبدو أنَّ العرب المسلمين أخذوا ذلك عنها، بعد دخولهم في العام 14 هجرية. غير أنَّ أوربا لم تعرف المراحيض حتى عصورها الوسطى، وما فكرة العطور التي ازدهرت بفرنسا إلا ردة الفعل على القذارة، التي كانت شائعة في الشوارع والاسواق حتى العام 1400 ميلادي، ومعلوم أنهم أخذوا فكرة بناء المراحيض عن العرب المسلمين في فترات ازدهار الحضارة العربية الاسلامية.

ساهمت اشتراطات الطهارة في الصلاة عند المسلمين ببناء المراحيض، والتوسعة فيها، فيذكر البلاذري بأنَّ الحمامات المبرزة في البصرة بلغت في عهد زياد ابن أبيه وابنه عبيد الله تسعة، ثلاثة منها يملكها نساء، وكان الأول منها لعبد الله بن عثمان بن أبي العاص، والثاني لفيل، مولى وحاجب زياد ابن أبيه، والثالث لمسلم ابن أبي بكرة. وفي كتابه(سفر نامة) الذي خطه سنة 437 هجرية يتحدث الرحالة ناصر خسروعن حمامات البصرة بما لانتصوره اليوم، فهي كثيرة ومنظمة ونظيفة جداً، تباع العطور عند مداخلها، ولا تقبل دخول المجانين والمشردين.

ومع قدم فكرة المرحاض والتصريف الصحي للمياه المستخدمة في البيوت والاسواق في ثقافتنا العربية الاسلامية، في العراق ومعظم بلاد العربية إلا أننا مازلنا غير مبالين بها، وتعدُّ ثانويةً في تخطيطنا العمراني، بل وهناك قذارة واضحة نشاهدها في مراحيض المطارات ونقاط الحدود والمساجد والحسينيات وبعض البيوت ايضاً، وبما يوحي الى اهمال وقبول بالحال الغريب هذا. هناك حكمة تقول بأنَّ زائر البيت يكتشف نظافة اهله بدخوله المرحاض والمطبخ، ولعل اسوأ ما يمكن معاينته في بلادنا هي المرافق (الصحية)العامة، التي نضطر الى دخولها أحياناً، وما المقاهي الشعبية والنوادي الليلية والرياضية بافضل حال من بعضها، فهي دليل آخر على وعي صحي متدن، إن لم تكن إصرارا على القبول بالحال السيء هذا. ليست الحضارة أنْ تبني معلماً جميلاً حسب إنما كيف تحافظ على نظافته.

في زيارتي الاخيرة الى المتحف البغدادي اضطرتني الحاجة الى المرحاض فلم استطع الدخول بسبب الازدحام، وحين القيت نظرة باتجاهه لم يكن بأفضل حال من مراحيض أسواقنا العامة. وفي العام 2006 سافرت الى صنعاء، وحين زرتُ باب اليمن، العلامة الأشهر في الارث العربي القديم، فوجئت برائحة البول عند البوابة تلك، ورأيت ما هو أكثر من ذلك، فالبعض يقضي حاجته كاملة على مقربة منها، خلف حجارة أو تحت شجرة. لا اريد أن أتحدث عن ذلك في بابل وذي قار وعقرقوف وبيت السياب وقاعات الاحتفالات واندية الثقافة فهي الاخرى لا تسرُّ أحداً.

معلوم أنَّ شارع الكورنيش، على ضفة شط العرب، من أجمل المعالم الترفيهية في البصرة، واكثرها ازدحاماً بالناس، في معظم الاوقات، وهو متنفس لأبناء المدينة التي يربو عدد سكانها على الاربعة مليون انسان لكننا لا نجد مرفقاً صحياً واحداً فيه، وهذا سوء تخطيط وتنفيذ من الشركة التي انشأته، أو لنقل بأن الجهة المستفيدة لم تحسب لذلك حساباً، هل نقول بأن فكرة المرحاض لم تقم في وعينا بعد؟ مع أنًّ المرفق هذا لا يكلف إلا دنانير قليلة، ولا يحتاج إلا الى عامل(بنغالي) واحد في إدارته.

حرارة ورطوبة الجو في البصرة والزيادة في عدد سكانها يستدعي من القائمين على امرها العناية الفائقة بهذا الجانب. أذكر أنّ شاعراً شعبياً، لعله ملا عبود الكرخي، كان قد زار البصرة، قبل قرن من الزمان وصادف أنه مرَّ بمكب النفايات الذي كان يقع على اطراف بلدة الزبير، فكره الرائحة التي تنبعث منه، ثم وصفها بقوله:" ولو صار الهوا شرجي يكتل أهل الناصرية " لكأنه يحيلنا الى وصف ابن لنكك توفي 360 هجرية، الذي قال فيها:

نحن بالبصرة في لو... ن من العيش ظريف

نحن، ما هبّت شمال،... بين جنّات وريف

فإذا هبّت جنوب،... فكأنّا في كنيف*

* الكنيف: المرحاض

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram