ثائر صالح
أثارت كتابتي قبل اسبوعين عن "اقتباس الألحان الشعبية" بعض الحوار مع الأصدقاء، فهناك من أشار بأن الكتابة قصيرة ولا تغطي مختلف جوانب هذا الموضوع المهم، وتطرق آخرون إلى المزيد من الأمثلة والحالات، وهم محقون.
يقول عازف العود والتشيلو الفنان عاصم الجلبي: "من العصور الوسطى، تقتبس الحان من اخرى. مثال ذلك: "Cantus Firmus" هو لحن معين تم استخدامه بشكل متكرر في الموتيت وكذلك القُداس حتى القرن السادس عشر. هناك مصطلحات مختلفة لهذا في علم الموسيقى: الاقتراض، والاقتباس، والذكريات، والمحاكاة الساخرة، والكولاج، والتأثير، والتناص، والتداخل الموسيقي" في تحديد علمي لطبيعة التعامل مع المادة الموسيقية.
الأمثلة على هذه الحالات لا تعد ولا تحصى، وكما ذكرت في كتابتي فإنها موجودة منذ ظهور التدوين الموسيقي قبل ألف سنة تقريباً، لا بل حتى قبل ذلك بالتأكيد. وما كان ينظر إلى هذا الأمر في السابق كسرقة، وحتى مثال إعادة توزيع باخ كونشرتات فيفالدي على الكمان من جديد للهاربسيكورد ينبع من تقديره لها واحترامه لمؤلفها، وهي عملية إعادة انتاج للعمل الإبداعي.
والأمر أبعد من ذلك في الموسيقى الأوروبية، فهناك إلى جانب الألحان الشائعة التي استعملها أكثر من مؤلف، ما يعرف بالتطور الهارموني أو السير الهارموني، وهو سلسلة الكوردات التي ترافق لحن ما. من الأمثلة الشائعة على هذا سلسلة الكوردات المرافقة لعمل يوهان باشلبل الشهير (1653 - 1706) كانون على درجة ره، تتألف من ثمانية كوردات: ره كبير، صول كبير، سي صغير، فا دييز صغير، صول كبير ره كبير، صول كبير ويختتم بكورد لا كبير. استعمل عدد لا يحصى من المؤلفين نفس هذه السلسلة منذ ذلك القرن السابع عشر حتى اليوم، وهي مرغوبة لدى فرق البوب والميتال. فهل يعد ذلك سرقة؟
هنا يتعين التأكيد على التعامل المختلف مع هذه الظواهر في الغرب عن التعامل في الشرق. فقد سمعنا كثيراً عن "سرقة" محمد عبد الوهاب لألحان من تشايكوفسكي أو شوبرت واستعمالها في أغانيه المجددة. وسبق للأستاذ عاصم الجلبي أن فند هذه "السرقة" في دراسة علمية له صدرت قبل أربعة أعوام بالتمام، معززة بالتنويط والتحليل الموسيقي والاستشهاد بتعريف المنصة الدولية للمؤلفين للسرقة الموسيقية القائل: إن عملية نقل أكثر من 4 موازير (خانات) موسيقية كاملة متتالية تكوّن جملة أو نصف جملة موسيقية من لحن ودمجها في لحن آخر، تعتبر عملاً جنائياً يحاسب عليها القانون (المنصة الدولية للمؤلفين هي جزء من المجلس العالمي للموسيقى ومقره باريس). وهذا ما لا ينطبق على عمل عبد الوهاب، مثلما فند اتهام الفنان كاظم الساهر بسرقة النشيد الجمهوري الذي ألفه الفنان العراقي الراحل لويس زنبقة (1928 - 1979) وهو موضوع دراسة الجلبي الرئيسي.
من جانب آخر يجب ألا نهمل ظاهرة ترجمة الأغاني في الشرق، فهناك أغاني اشتهرت وانتشرت عبر القارات من الهند حتى اليونان في حالة الموسيقى الشرقية، مثل بعض أغاني الملا عثمان الموصلي. وسبق لي أن كتبت عن أغاني اليهود "شبه الدينية" التي هي تركيب نص عبري على اغنية عربية شهيرة، مثل رائعة أم كلثوم أنت عمري.