اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > خطر الأسلحة النووية وكيفية منع استخدامها

خطر الأسلحة النووية وكيفية منع استخدامها

نشر في: 29 يناير, 2024: 08:12 م

كاظم المقدادي

في ظل استمرار التوتر الدولي وتصاعده، والتدهور العام للوضع الأمني في العالم، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، لم تتوقف الولايات المتحدة وروسيا عن تعزيز ترساناتهما النووية. أكد ذلك معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ((SIPRI في تقريره السنوي الأخير، مشيراً إلى ان المخزون العالمي من الرؤوس الحربية النووية لم ينخفض سوى 200 رأس، حتى بداية عام 2023، بينما ارتفع عدد الأسلحة النووية التشغيلية بمقدار 86 وحدة، ليصل إلى نحو 9576.

وكان العدد الإجمالي للرؤوس الحربية النووية بين القوى النووية التسع: أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان - قد انخفض إلى 12512 في بداية عام 2023 مقابل 12710 في بداية عام 2022 - وفقا لـمعهد ستوكهولم، الذي أوضح رئيسه دان سميث بأن "الاحتياطي يتكون من رؤوس حربية نووية قابلة للاستخدام، وهذه الأرقام بدأت في الزيادة ". وأكدت تقديرات اتحاد العلماء الأمريكيين (FAS) في حزيران/ يونيو 2023، ان مستويات مخزون الرؤوس الحربية النووية حول العالم ما زالت مرتفعة للغاية في ظل ما تمتلكه الدول التسع المالكة للترسانة النووية، أكثر من 12,700 رأس حربي، حتى مطلع عام 2023.

وحسب المُعلن، ما تزال روسيا والولايات المتحدة تمتلكان قرابة 90% من الترسانة النووية العالمية، حيث تملك الولايات المتحدة أكبر ترسانة بـ 7 آلاف قنبلة، تليها روسيا 6500، ثم الصين 460، وبريطانيا 300 وفرنسا 300 وباكستان والهند 150 لكل منهما، وإسرائيل 90، وكوريا الشمالية 20 قنبلة.

وتضم الترسانة النووية الأميركية 1644 رأسا حربيا في وضع الإطلاق الاستراتيجي و 3665 رأسا حربيا في وضع التخزين أو التقاعد. أما الترسانة النووية الروسية فتضم 1588 رأسا حربيا في وضع الإطلاق الاستراتيجي و 4390 رأسا حربيا في وضع التخزين أو التقاعد.

ولفت الخبراء الى أنه يظهر تراجع في المخزون العام للأسلحة النووية، على المستوى العالمي، بيد ان وتيرة التخفيض تباطأت مقارنة بالسنوات الـ 30 الماضية. وعدا ذلك، تتم التخفيضات فقط بالرؤوس الحربية التي تم سحبها من الخدمة سابقًا، والتي ما تزال الولايات المتحدة وروسيا تقومان بتفكيكها.

وأكد معهد ستوكهولم ان الدول النووية في الواقع تواصل عملياً تحديث ترسانتها، بدلا من نزعها، خلافاً لرغبة المجتمع الدولي، وان واشنطن وموسكو منخرطتان في برامج تحديث ضخمة ومكلفة، تستهدف الأنظمة الناقلة والرؤوس النووية وإنتاجها. وهو ما شجع بقية الدول التي تمتلك أسلحة نووية على توسيع ترساناتها.

ولا يقتصر انتشار السلاح النووي على الدول الـ 9 المالكة له، إذ توجد 5 دول أوروبية، لا تملك برنامجا نوويا، لكنها تنشر أسلحة نووية أمريكية على أراضيها في إطار اتفاقية "الناتو". وثمة 23 دولة أخرى أعطت موافقتها بنشر الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها "كوسيلة لتعزيز أمنها القومي". وهناك فئة ثالثة من الدول التي تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية قابلة للتطوير لتصنع قنابل ذرية فتاكة.

أما روسيا، فهي تبرر وجود ترسانتها النووية لـ"حماية أمنها القومي"، ودليلها ان سلاحها النووي "لا يوجد خارج أراضيها"، كما فعلت أمريكا، لكنها "مضطرة أن توجهه نحو أتباع أمريكا، التي انضمت الى حلف الناتو، وأصبحت أداة للسياسة الخارجية الأمريكية". وهي تعتبر "تمدد حلف الناتو الى حدودها، ونشره لصواريخ "باتريوت" في بولونيا ورومانيا وأوكرانيا هو "جزء من الخطة الاستراتيجية الأمريكية لتطويق روسيا بالقواعد العسكرية وبأنظمة الدفاع الصاروخي".

وبذريعة حماية أمنها القومي، صعدت الصين الى المرتبة الثالثة في الترسانة النووية (350 قنبلة)، وتؤكد تسريبات من داخل إسرائيل امتلاكها لـ 90 – 200، وليس 20 رأسا نوويا، وحكومتها لا تنفي ولا تؤكد ذلك.

ومع استمرار سباق التسلح، وتعزيز وتحديث الترسانة النووية، والتهديد بالردع النووي، يتواصل تصعيد التوتر الدولي المهدد للسلم والأمن الدوليين. حيال هذا أعرب الخبراء عن قلقهم البالغ. فقال مات كوردا من معهد ستوكهولم: "معظم الدول المسلحة نووياً تشدد لهجتها حول أهمية الأسلحة النووية، حتى أن بعضها يصدر تهديدات صريحة أو ضمنية بشأن احتمال استخدامها، وقد زادت المنافسة النووية المغالية بشكل كبير من خطر استخدام الأسلحة النووية في حالة الغضب، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية".

عواقب مرعبة

لا يتسع المجال هنا لتفاصيل وافية توضح ما ستحدثه الحرب النووية بالبشرية وبكوكبنا، في ظل تطور وتنوع ترسانة الأسلحة النووية. نكتفي بعدد من الإشارات البليغة، وأولها تحذير العالم البارز في منظمة "أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية (PSR)ستيفن ستار، من أنه بمجرد بدء عملية تبادل نووي بين واشنطن وموسكو، فإن عدد القتلى خلال الساعة الأولى سيكون عشرات الملايين، وستكون هذه مجرد بداية مروعة. وهناك "الشتاء النووي" أحد العواقب البيئية الطويلة الأجل للحرب، حيث ستحجب طبقة الدخان الستراتوسفيرية (اخر طبقات الغلاف الجوي)، التي تولدها العواصف النووية، معظم أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض، وستحدث حالة "طقس العصر الجليدي"، التي ستستمر لمدة 10 سنوات على الأقل. ومن شأن "الشتاء النووي" أن يهدد معظم البشر بالموت بسبب المجاعة وانتشار الأمراض والأوبئة.

وأكد "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"(MIT)، الذي يتعاون على نحو نشط مع البنتاغون، من خلال مقطع فيديو مدته 3 دقائق، نشره في أواخر حزيران 2023، ما يمكن أن يحدثه اندلاع حرب نووية شاملة بين روسيا والولايات المتحدة، مبيناً ان المدن الكبيرة ستكون الهدف الرئيسي للضربات النووية الأولى، بسبب وجود منشآت عسكرية واقتصادية هامة فيها. وسوف لن يتمتع الدفاع الجوي لدى الجانبين المتناحرين، بأية فعالية ملحوظة. وستطير الصواريخ بحرية، وتضرب في كل مكان، ولا مفر ولا خلاص منها. وستسفر الانفجارات النووية الأولى عن موجات كهرومغناطيسية شديدة تعطل عمل كل الاتصالات والمعدات. وفي لحظة الانفجار، تنزل كرات النار مباشرة إلى شوارع المدن الكبيرة، وتكون درجة حرارتها مماثلة لدرجة جرارة أعماق الشمس، ويتحول الأسفلت إلى سائل بحر ساخن يجرف ويذيب كل شيء.

الى هذا، حذر محررو أكثر من 100 مجلة علمية في العالم، في مطلع تشرين الثاني 2023، من إنّ أي استخدام للأسلحة النووية سيكون كارثيّاً على البشرية. فحتى الحرب النووية "المحدودة" التي تشتمل على إستخدام 250 سلاحاً نوويّاً فقط، من أصل 13 ألف في العالم، يمكن أن تقتل 120 مليون شخص على الفور، وتُسبب اضطراباً في المناخ العالمي؛ مما يؤدي إلى مجاعة نووية، وتعريض مليارَي شخص للخطر. وأوضحوا بان نشوب أيّ حرب نووية واسعة النطاق يمكن أن تقتل 200 مليون شخص أو أكثر في فترة وجيزة، ومن المحتمل أن تتسبّب في "شتاء نووي عالمي" قد يقتل ما بين 5 إلى 6 مليارات نسمة، الأمر الذي يهدّد بقاء البشرية.

تحذيرات جدية ومسؤولة

إدراكاً للكوارث الوخيمة التي ستنتجها، نبه الأمين العام للأمم المتحدة إنطونيو غوتيريش، في رسالته الى الاجتماع الأول للدول الأطراف في معاهدة حظر الأسلحة النووية، في فيينا، في 20/ 6/2022، الى أن "الأسلحة النووية هي تذكير قاتل، يُعرقل الدول عن حل المشاكل بالحوار والتعاون". وحثّ المجتمع الدولي على التخلي عن هذه الأسلحة الفتاكة بشكل نهائي. وقال: "دعونا نقضي على هذه الأسلحة قبل أن تقضي علينا". ولفت الى ان: "الدروس المرعبة لهيروشيما وناغازاكي تتلاشى من الذاكرة"، محذرا "مع وجود أكثر من 13 ألف رأس نووي حول العالم، فإن احتمال نشوب نزاع نووي - لم يكن من الممكن تصوره في السابق- قد عاد الآن إلى عالم الاحتمالات. "وأضاف "في عالم تسوده التوترات الجيوسياسية وانعدام الثقة، هذه وصفة للإبادة". واختتم رسالته: "لا يمكننا أن نسمح للأسلحة النووية التي تمتلكها حفنة من الدول بتعريض الحياة على كوكبنا للخطر. يجب أن نتوقف عن طرق باب’ يوم القيامة"!

وفي آب 2022، حذّر غوتيريش من أن العالم الآن يمرّ "في زمن خطر نووي لم نشهده منذ ذروة الحرب الباردة". وقد برز هذا الخطر وتصاعد مع تصاعد التوترات بين العديد من الدول المسلحة نوويّا.

وحذرت المفوضة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، من أن خطر استخدام السلاح النووي وصل إلى أعلى مستوياته منذ انتهاء الحرب الباردة. وقالت خلال اجتماع لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح، في 3/4/2023: أن "المخاطر النووية حقيقية جدا." وأضافت أن "خطر استخدام السلاح النووي بشكل متعمد أو بنتيجة الخطأ أو سوء الفهم، أعلى مما كان في أي وقت منذ الحرب الباردة". ونبهت الى "وجود عوامل كثيرة تزيد من تلك المخاطر".

من جانبه، نبّه قائد الجيش البريطاني، الجنرال نيكولاس كارتر، الى "أن خطر اندلاع حرب بالصدفة بين روسيا والغرب هو حالياً أكبر من أي وقت مضى". وحذر السياسيين من "إثارة التوترات غير الضرورية التي تؤدي الى تصعيد يفضي إلى تقديرات خاطئة ".

ولمثل هذه التحذيرات الجدية والمسؤولة ما يبررها، لا سيما وان التصعيد يأتي في وقت عانت فيه الدبلوماسية النووية من انتكاسات كبيرة منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، وتعليق القيادة الروسية في 2023 "معاهدة ستارت الجديدة لنزع السلاح" مع الولايات المتحدة، وهي المعاهدة الرئيسة الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة النووية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram