اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > فشل النفط في تحقيق الرفاه الاجتماعي في العراق

فشل النفط في تحقيق الرفاه الاجتماعي في العراق

نشر في: 30 يناير, 2024: 10:50 م

بيير جان لويزارد*

ترجمة: عدوية الهلالي

لماذا فشل العراق في إنشاء نظام دولة الرفاه مثل دول الخليج، على الرغم من كونه ثاني أكبر منتج للنفط في العالم؟ ولماذا كان العراق منذ تأسيسه دولة تعمل ضد مجتمعها، وتفتقر إلى عقد اجتماعي؟

مع وفرة النفط والمياه، والديموغرافيا المتوازنة، كانت بلاد ما بين النهرين القديمة تمتلك كل المقومات اللازمة لتصبح دولة غنية وحديثة. فلماذا شهد العراق سلسلة من المآسي منذ تأسيسه كدولة قومية في عام 1920؟

إن الأحداث الحالية تجعلنا ننسى أنه قبل الوضع الحالي، الذي يتسم بفشل الطائفية السياسية غير المعلنة، حيث يتم تخصيص كل منصب حكومي لطائفة معينة، كانت هناك أول حرب طائفية في العالم في أواخر السبعينيات وأعقب ذلك ثماني سنوات من الحرب بين بغداد وطهران (1980-1988)، حيث انخرطت في صراع شرس دفع البلاد إلى حافة الإفلاس. ثم جاءت حرب الخليج الأولى، مع احتلال العراق للكويت (1990-1991)، ثم احتلال القوات الأميركية للبلاد وسقوط نظام صدّام حسين (2003). وفي وقت لاحق، كان هناك انهيار الدولة العراقية الأولى، وإعادة بناء دولة جديدة تحت الاحتلال الأمريكي وكان هناك أيضا التمرد الجهادي السلفي من جانب تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أعلن خلافته باحتلال ثلث الأراضي العراقية (2014-2017). ثم جاءت حرب استعادة الأراضي من تنظيم الدولة الإسلامية، والتي شاركت فيها القوات الأمريكية والميليشيات الشيعية الموالية لإيران ثم انفصلت الدول الراعية (الولايات المتحدة وإيران) عن النظام الجديد القائم، والذي فشل في تحقيق الاستقرار في البلاد، مما زاد من تعقيد التاريخ.فمن المسؤول عن هذا الكابوس الذي يعيشه الشعب العراقي منذ ما يقرب من نصف قرن؟ ومن خلال تهور صدام حسين وتنظيم داعش، فإننا نغفل حقيقة أنهما نتاج نظام سياسي أنشأه المجتمع الدولي في عام 1920 باسم حق الشعب في تقرير المصير. ومن خلال التفويض الذي منحته إياها عصبة الأمم (1920)، كان من المفترض أن تقود بريطانيا الدولة العراقية الجديدة نحو السيادة الكاملة ضمن إطار ديمقراطي.

لقد رأت بريطانيا وفرنسا نفسيهما مكلفتين بمهمة توجيه الشعب المتحرر من الحكم العثماني نحو السيادة. وقد نصبت عصبة الأمم، التي تأسست عام 1920، نفسها كضامن لهذه العملية وتم تعيين حكومة مؤقتة "ذات وجه عربي" في بغداد، فيما اعتلى فيصل، أحد أبناء الشريف حسين، عرش المملكة الهاشمية الجديدة. وكانت إحدى المبادرات الأولى للحكومة العراقية المؤقتة هي إنشاء جيش عام 1921 لمحاربة معارضي العملية الناشئة. وأصبح الجيش العراقي القوة التي اعتمد عليها البريطانيون للدفاع عن ولايتهم. ومنذ بدايتها، شنت حرباً ضد الأكراد في الشمال الشرقي وضد القبائل الشيعية، قبل أن تذبح الأشوريين الكلدانيين في الثلاثينيات.وهكذا برز الجيش كقوة قمعية وفي صراع دائم مع مجتمعه. وأضيف إليه الوافد الجديد: النفط.

وكما قد يتوقع المرء، فإن الموارد الهيدروكربونية تشكل مصدرا مهماً للأنظمة الاستبدادية. إنهم يستمدون الطاقة من هذه الموارد، التي تفشل طبيعتهم الأقلية وافتقارهم إلى المواطنة في توفيرها. وتعتمد العديد من الأنظمة الاستبدادية على الثروة النفطية كوسيلة لتمويل وضعها المحروم من الشرعية. إن الديمقراطيات المنتجة للنفط نادرة، حيث تشكل النرويج استثناءً ملحوظاً، وحيث يعمل النفط على تمكين دولة الرفاهية الاجتماعية ضمن إطار عام واسع النطاق.إن حالة الممالك النفطية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) متميزة، حيث أن إعادة توزيع ريع النفط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتماء القبلي. وفي حين أن إعادة التوزيع قد تبدو سخية، إلا أنه لا يمكن تسميتها بمساحة عامة، حيث يتم استبعاد جزء كبير من السكان، عديمي الجنسية. وهذا هو الحال بالنسبة للقوى العاملة الأجنبية، والتي تشكل الأغلبية إلى حد كبير، وخاصة في قطر.

لقد شهد العراق سلسلة من الانقلابات العسكرية والأنظمة الاستبدادية التي لا يمكن أن تستمر إلا من خلال ريع النفط. وكان هذا هو الحال مع نظام صدام حسين (1979-2003).ولكن، كيف وصل العراق إلى هذا المستوى من التراجع؟ وكيف لعب النفط دوراً حاسماً في المآسي المتلاحقة التي حلت بالبلاد. ان بلاد ما بين النهرين القديمة هي عملاق نفطي، حيث يتم إعادة تقييم احتياطيات النفط باستمرار، وهو ما يمثل أكثر من 10٪ من الاحتياطيات العالمية. وهذا يضع العراق كثاني أكبر مالك للاحتياطيات في العالم، بعد المملكة العربية السعودية فقط، مما قد يجعله أغنى دولة عربية من حيث الهيدروكربونات، وقد تم اكتشاف أول حقل نفط بالقرب من كركوك في 13 أكتوبر 1927 من قبل شركة النفط التركية، ولكن بدأ استغلاله فعلياً في عام 1934. ومنذ ذلك الحين، لعب النفط دوراً مركزياً في الاقتصاد العراقي. ومن المؤكد أن النفط سمح للنظام السياسي العراقي بالاستمرار حتى عام 2003. ومن خلال النزاع النفطي مع الكويت بدأت حرب الخليج الثانية.

إن العراق عملاق نفطي ولكنه يقف على أرض هشة. ومع حرمانها من فوائد موردها الرئيسي بسبب العقوبات، كان من الممكن أن تجد البلاد نفسها عرضة للخطر مثل أكثر دول العالم الثالث تخلفاً فقد أدى وصول النفط بعد قرون من التخلف إلى التخلي عن أي تنمية خارج نطاق النفط. وابتداءً من عام 1930، تخلى العراق، الذي كان آنذاك المصدر الرئيسي للقمح في الشرق الأوسط، عن زراعته للاعتماد فقط على النفط. فبدءاً من كركوك والموصل، بدأ استغلال النفط ينتشر إلى الجنوب بالقرب من الخليج. وفي عام 1953 تم اكتشاف حقل الرميلة الذي يتقاسمه العراق مع الكويت. ومنذ ذلك الحين، أصبح النفط يمثل نصف موارد البلاد. تم تأميم النفط عام 1972 في ظل النظام الذي كان فيه صدام حسين لا يزال الرجل الثاني فقط (1968-1979).. ولكن، أصبح الجيش العراقي الذراع المسلح للقوى الغربية في حرب غير مباشرة ضد الجمهورية الإسلامية الفتية. فقد زودوا بغداد بما هو أكثر بكثير من الأسلحة القتالية البرية الضرورية، مما سمح بالتوصل إلى تسوية سلمية في عام 1988 دون منتصر واضح. وضمنت ثروة العراق النفطية دفع مستحقات موردي الأسلحة على الرغم من ديون بغداد الهائلة، مع تقديم العملات الضرورية من قبل ممالك النفط الخليجية. لقد أظهرت الحرب ضد إيران ضعف دولة غنية بالنفط في مواجهة انقطاع صادراتها النفطية. وكان انخفاض عائداته النفطية هو الذي دفع العراق، بعد الحرب ضد إيران، إلى غزو الكويت.

بلغت الديون مائة مليار دولار! وكان الوفاء بمثل هذه الديون يعني اضطرار العراق إلى استخدام ما يقرب من 80% من عائداته النفطية، وهي لا تزال عند مستوى منخفض، لسداد ديونه لدائنيه على مدى ما يقرب من عقد من الزمان. لقد تم الضغط على النظام حرفياً..

وهكذا عانى العراق عقداً من الزمن خاضعاً لسلسلة من قرارات الأمم المتحدة، مثل قرار "النفط مقابل الغذاء"، الذي سمح للنظام بالبقاء في السلطة من خلال الفساد المستشري. وأصبح النفط موضوعًا للاحتيال المنهجي لصالح مختلف الجهات الفاعلة التي استغلت موارد النفط العراقية وفقًا لمصالحها. لم يبدو المجتمع العراقي مهزومًا إلى هذا الحد من قبل.

والآن، كيف يمكن إعادة بناء دولة في ظل نظام احتلال أجنبي رفضته الغالبية العظمى من السكان؟ اذ لم يتم ذكر الطائفية العرقية والطائفية المنصوص عليها في دستور 2005. وتحت ستار الفيدرالية، استحضروا "التقاليد" (أي ما يعادل نظام المحاصصة الطائفية في لبنان) لإضفاء الشرعية على تقاسم السلطة بين الطوائف.. وبالتالي فإن بناء مؤسسات الدولة في ظل نظام احتلال أجنبي يعد فشلا يدفع العراق ثمنه باهظا فهو ينطوي على انحرافات طائفية يصعب جداً التغلب عليها لأن الطائفية، سواء كانت عرقية أو طائفية في مثل هذا السياق، تعني أن هناك دائماً مجموعة واحدة أو أكثر مستبعدة....

* مدير أبحاث في شؤون الشرق الاوسط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram