د. فالح الحمـراني
يطرح الباحث السياسي الروسي المهتم بشؤون الشرق الأوسط ألكسندر كوزنيتسوف وهو يقرأ النتائج الأولية للحرب الإسرائيلية على غزة التي اكتسبت طابع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، عدة أسئلة جوهرية في صدارتها: هل تمكن الجيش الإسرائيلي من إلحاق هزيمة عسكرية بحماس؟،
ويليها هل من الممكن للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن ينتشر إلى بلدان ثالثة؟، ولا سيما في لبنان، كما حدث بالفعل في 1978-2000، ويتساءل أيضا عن الدور الذي تضطلع به إيران في هذه النزاعات في الشرق الأوسط، وما إذا ستتحول المواجهة بين طهران وتل أبيب إلى نزاع عسكري إقليمي مدمر واسع النطاق؟. وما هي تداعيات المزيد من التصعيد على الولايات المتحدة التي دعمت بصورة سافرة إسرائيل بحملتها الدموية؟، وإلى جانب كل ذلك ثمة سؤال هام عن دور الحوثين اليمنيين في النزاع العربي الإسرائيلي الحالي؟ الذي وفق تقويم كوزنيتسوف يعد عاملا جديدا تماما في المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، وماذا يمكن أن نتوقع من هذا.
بادئ ذي بدء، والكلام وما سوف يليه عرض لقراءة السيد كوزنيتسوف التي نشرها معهد الشرق الأوسط: من الضروري الإجابة على سؤال يتمحور حول مدى تحقيق إسرائيل أهدافها العسكرية المعلنة. ووفقا لرئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، أدى الغزو الإسرائيلي إلى تصفية 10؟ فقط من القدرات العسكرية لحماس. ويقدر الخبراء العسكريون الأمريكيون النتائج بشكل أكثر تفاؤلا بالنسبة لإسرائيل- 25-30؟ ومع ذلك، وحتى لو تم تدمير ربع قدرات حماس العسكرية فإن هذا لا يبرر نطاق العملية العسكرية أو الوقت الذي استغرقته حتى الآن. وفي الواقع، لم يتم فرض سيطرة مزعومة إلا على الجزء الشمالي من قطاع غزة. ودخل الجيش الإسرائيلي العملية العسكرية بأكثر القدرات تقدما أتاحت له التعرف على الأنفاق تحت الأرض التي بناها مقاتلو حماس ورسم خرائط لها وسعى لتدميرها طوال سنوات.
ومع ذلك، فإن الإجراءات للقضاء على هذه الأنفاق لم تلب التوقعات. وكتبت دافني ريتشموند باراك، الأستاذة في كلية لدور للإدارة والدبلوماسية بجامعة ليتشمان في تل أبيب، في مجلة فورين أفيرز: "لقد كشفت وحدات الجيش الإسرائيلي جيلا جديدا من أنفاق حماس في غزة. وكان قد تم تعزيز الهياكل البدائية للهياكل تحت الأرض في أوائل عام 2000 بألواح خشبية. أما الإنفاق الحالية فهي أعمق وأفضل حماية، تذكرنا بنظيراتها في كوريا الشمالية. واستخدمت حماس التكنولوجيا المتقدمة لحفرها، ورفعت الأنفاق إلى مستوى جديد.
لقد تكلل بالنجاح اعتماد حماس المتزايد على الإنفاق والجهود المبذولة لإنشائها. لم يحدث من قبل في تاريخ الهندسة العسكرية أن تمكن المدافع من البقاء في مكان ضيق لعدة أشهر. والأساليب المبتكرة التي استخدمتها حماس لإنشاء هذه الأنفاق وبقاء الحركة تحت الأرض لم يسبق لها مثيل.". ونعيد للأذهان أن قصف تل أبيب بالصواريخ الفلسطينية عشية رأس السنة الجديدة يشهد مرة أخرى على الحفاظ على البنية التحتية العسكرية لحماس. كما أن الإصابات بين أفراد الجيش الإسرائيلي لم يسبق لها مثيل. وبعد تقارير عديدة عن إصابات بين الجنود والضباط الإسرائيليين، نشر الجيش الإسرائيلي رسالة على صفحته على الإنترنت حول 186 قتيلا و 2500 جريح (البيانات حتى 1 يناير/ كانون الثاني 2024). والصورة الحقيقية، في غضون ذلك، أسوأ بكثير. وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن ما لا يقل عن 12500 جندي أصيبوا أو شوهوا، مما منعهم من مواصلة القتال. وتعتقد شركة استأجرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية.... الإسرائيلية لتقدير الخسائر أن هذا الرقم متحفظ للغاية.
ووفقا لها، أن عدد الأفراد العسكريين المعوقين يصل إلى 20 ألف شخص. ويخضع 60 ألف جندي وضابط آخر لإعادة التأهيل. إن استمرار الحرب في غزة دون آفاق واضحة يهدد بخلق انقسام في صفوف المؤسسة السياسية الإسرائيلية. بالنظر إلى اهتزاز المواقف السياسية الداخلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعلى خلفية خشيته من إرغامه على ترك منصب رئيس الحكومة، فقد كان الصراع في غزة بمثابة هدية ذهبية له، ودفع جانب كل الخلافات السياسية الداخلية لفترة من الوقت. ومع ذلك، فإن التناقضات بين نتنياهو والحزب الحاكم من جهة، والقيادة العسكرية من جهة أخرى، باتت أكثر وضوحا في الآونة الأخيرة. واقترح رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي في 9 يناير/ كانون الثاني، تشكيل لجنة للتحقيق في إخفاقات وحسابات الحكومة وأجهزة المخابرات التي ساهمت في هجوم مقاتلي حماس للمستوطنات الإسرائيلية.
إن هاليفي مقتنع بضرورة تحليل الإخفاقات في الظروف التي قد تواجه فيها إسرائيل عملية عسكرية أكبر بكثير في لبنان. وأثار هذا الاقتراح معارضة حادة من الوزراء اليمينيين في حكومة نتنياهو، مثل زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، وزعيم حزب أوتزما يهوديت، إيتمار بن غفير. وبشكل احتج نواب الكنيست اليمينيون على اقتراح تعيين رئيس للجنة وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز المتهم بالانسحاب الأحادي للقوات الإسرائيلية من غزة في عام 2005.
وفي الوقت نفسه، تلقى هذا الاقتراح دعما قويا من وزير الدفاع الحالي يواف جالانت وعضو مجلس الوزراء للطوارئ، بني غانتس، الذي يعتبر الخصم السياسي الرئيسي لبنيامين نتنياهو. ويعتبر أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو هذا التحقيق أداة لتقويض الحكومة الهشة القائمة. ويعترفون بأن نتائج تحقيق اللجنة يمكن أن تكون كارثية بالنسبة للحكومة اليمينية القائمة، التي اتبعت نهجا معاديا للفلسطينيين منذ تشكيلها. ولا يريد رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال هاليفي، في تنسيق مستمر مع الإدارة الأمريكية أن يكون مسؤولا عن الأخطاء السياسية التي أدت إلى هجوم حماس. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو عدم وجود رؤية مشتركة وملموسة بين الجيش الإسرائيلي والحكومة لأهداف العملية العسكرية في غزة. ويشير الصحفي والباحث الإسرائيلي ميرون رابابورت، متحدثا مع "ميدل إيست آي"، إلى أن "نتنياهو مصمم على منع إقامة دولة فلسطينية، ولهذا يرى أن عليه أن يسيطر على غزة بالكامل. وإذا تم السير وفق خطته، فيمكن ألا تكون نهاية للحرب.
أما بالنسبة لقيادة الجيش، فلا توجد وحدة فيما بينها حول ما إذا كان يمكن إقامة دولة فلسطينية، وما إذا كان ينبغي إعطاء غزة تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، بعد النزاع. ومع ذلك، سيكون الجنرالات ضد السيطرة على ممر فيلادلفيا ونقطة تفتيش رفح، لأن هذا يعني احتلال غزة إلى أجل غير مسمى مع خسائر فادحة بين الجيش الإسرائيلي. والجيش مهتم أكثر باستعادة هيبته التي اهتزت بعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول واستعادة قدرة إسرائيل على الدفاع والردع. ومع ذلك، يعتزم كل من الجيش ونتنياهو مواصلة الحرب حتى إحراز ما يصفونه بالنصر الكامل! ويتفاقم الوضع بسبب أن رئيس الأركان هاليفي والجنرال بيني غانتس يتمتعان بدعم واضح من الولايات المتحدة، وواشنطن لا تعارض استبدال نتنياهو بغانتس.