اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نحــــو برادايم تنموي عابر

نحــــو برادايم تنموي عابر

نشر في: 4 فبراير, 2024: 09:12 م

ثامر الهيمص

عمليا لا توجد تجربة ناضجة متكاملة تاريخيا، تشكل نموذجا للاستنساخ، من التجارب الدينية في العمل السياسي وصولا لتجربة العولمة اللبرالية مرورا بالتجارب الاشتراكية والديمقراطية، ولكل من هذه التجارب لها يسارها ويمينها او رادكالييها وليبرالييها او متزمتيها والمرنين، حيث لكل تجربة حيثيات مختلفة حتى ضمن تاريخها القريب، اذ المستجدات الداخلية والطبيعية والجيوبولتيكية لها الاثر الحاسم في التجديد والابداع والابتكار، لكي تكتمل شروطها ونجاحها.

ولكن لا يعني هذا عدم الاستفادة من تجارب الاخر سيما اذا كان اقرب جغرافيا وثقافيا اجمالا. اي المستند هو لحد ما على التاريخ المشترك والمعتقدات الاساسية في الاخلاق والدين والتقاليد، تكون انسب واجدر بالمثاقفة والاقتداء بالخطوط العريضة للانتقال لمرحلة التكافئ المستدام كجيران متكافئين متضامنين، رغم سلبيات التراث، حيث جدول المصالح المشتركة اوجب شرعا وعرفا وعقلا.

فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كايقونة للاشتراكية والعدالة الاجتماعية اعيد النظر بهذه التجربة كأي تجربة تعرضت لامراض من داخلها, وهكذا تجارب الاستنساخ اللبرالي غير المتكافئ وغير المتوازن كما هي تجربتنا في(مجلس الحكم) وتبعاتها الكارثية من ليبرالتيها المعولمة بشكل مفرط, ونافذة عملتها المنفتحه باريحية مفرطة, باستنساخ مفروض.

ولكن نجحت تجارب غير اشتراكية او ليست لبرالية متعولمة في منطقتنا, ايران وتركية, وخارج المنطقة الاقليمية مثلا ماليزيا ونمور اسيا ورواندا وجنوب افريقيا. تفوقت لتشكل ركنا و علامة مؤسسة في الوضع الدولي عموما, وفي نطاقها الاقليمي والوطني. كونها دول مؤسسات, ترسخت بفعل جذرها الوطني اولا.

يعزي البعض ان فشل بعض المحاولات من ان الاسلام كان ولا زال يشكل عائقا تنمويا, وهذه حجة لا تنسحب على الدول غير الاسلامية ومع ذلك فشلت تجارب بعضها, فالاسلام له تجربة الان في المصارف الاسلامية التي تختلف في ادائها جوهريا عن المصارف التقليدية, فمبدأ النقود لا تلد النقود في المصارف الاسلامية ومبدأ الغنم بالغرم ومبدأ الشراكة بالمخاطرة هما جوهر الصيرفة الاسلامية على اصولها.

ان الحاجة ليس في زيادة الانفاق (باتفاق الاقتصاديين) وهي ليست بالقطع مشكلة نقدية وانما مشكلة هيكلية فهو ليس الحاجة الى زيادة الانفاق النقدي لكي تخرج من ركودها المزمن وانما في احداث تغيير هيكلي في الهيكلية الانتاجية عن طريق اجتراح تنمية شاملة (اقتصادية واجتماعية في القيمة) اي العمل في رفع درجة استغلال الموارد الانتاجية المتاحة وليس الاعتماد على سعر الفائدة) (ا. د. صادق راشد الشمري / اساسيات التمويل الاسلامي / ص15/ 2021). هذا بايجاز شديد ولمن يريد التوسع يجد مرامه في هذا السفر الوافي للدكتور الشمري. حيث تجربة المصارف التقليدية, لمسناها في تجربة مصرف ليمان براذر في الاسكان عام 2008 اذ وصلت اردتداتها الي دول الخليج واليونان مباشرة مساهمين او مقترضين.

لذلك تسقط المقولات والتنظيرات من ان الاسلام يتقاطع مع التنمية, كجزء من مناهضة الشعوب التي ليس لها غير هذا الجزء الاساس من اطارها العام (البرادايم) تتعكز عليه ليكون بديله الاستنساخ المقترن غالبا بالتبعية العقيمة كما تورطت بها دولا اسلامية وغير اسلامية. لذلك تصبح ذريعة عدم جدوى الاسلمة الاقتصادية جزء اساس من اساليب الهيمنة للراسمالية العالمية المتعولمة, وبشراسة كما جسدتها غزة باجلى صورها كمعيار ومصداق على زيف شعاراتهم المتعولمة.

(يقول مكسيم رودنسون انه رغم ان المصادر الاساسية للاسلام تحوي مبادئ اقتصادية عديدة, فأن اي منها لم يشكل قيدا يذكر على السلوك الاقتصادي. ويؤكد ان المسلمين في الممارسة العملية, كان بوسعهم دائما اختيارما يريدونه من بين المبادئ, اضافة لذلك فقد وجدوا ان من السهل تأويل مبادئ معينة في مواجهة الظروف المتغيرة. (تيمور كوران /الاسلام والثراء الفاحش / ترجمة: منبر الحرية / مراجعة وتدقيق: نوح الهرموزي /ص/ 239/2012).

هذا الركن الاساس في البردايم او ما سمي بالاصالة الحقيقية والامتداد غير المنقطع, فها هي دول جنوب شرق اسيا بما فيها الصين وماليزيا, تعود لتراثها في الاسلام والكونفوشوسية, اذ ليس لها بديل الا استنساخ عقيم مشوه لثقافة الاخر, ولذلك كما ورد في القران الكريم بسم الله الرحمن الرحيم: (لكل جعلنا شرعة ومنهاجا) صدق الله العظيم.

فالتجربة الصينية الشاخصة الفريدة التي تحولت لاكبررأسمالية بقيادة حزب شيوعي, ربما كبديل عن كونفوشيوس.

فالصين رغم هذا التحول والانعطاف الباهر في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة, والتفاعل الخلاق عالميا بعد ان خرجت من دائرة التطرفات وتحررت من القناعات المسبقة (رغم تغير عواملها). لذلك وكما قيل: صحيح انه اينما تسير الصين يسير العالم, لكن ما يحدث في الصين يتأثر ما يحدث بعمق بافعال البلدان الاخرى, وخصوصا الولايات المتحدة. ويمكن القول بالمثل انه اينما يسير المستهلك الامريكي يسير المستهلك الصيني والعالم. وفي النهاية كيف يمكننا ان نتوقع ان تقدم الصين على اختيارات صعبة هناك فيما لا نستطيع نحن ذلك هنا؟ اذن فلعل ما نحتاج اليه هو قاعدة ذهبية جديدة تقول: استهلك كما تحب ان يستهلك الصينيون. (كارل غيرث /على خطا الصين يسير العالم /ص214/2011).

ورغم النجاح منقطع النظير لم يكتف قادة الصين بذلك من خلال وقفة تأمل للما بعد بابعاد ستراتيجية تمهد الطريق لنجاحات اكبر واسلم, من خلال بردايم ذو ابعاد ثلاثة وهي: (مواصلة برامج التحديث, وانجاز توحيد الصين, صيانة السلم العالمي). (محمد خير الوادي / تجارب الصين... من التطرف الى الاعتدال / ص149 / 2008/ دار الفارابي).

من خلال العلامات المضيئة في تجربة الاسلام عمليا والناجحة كما هي تجربة ايران وتركيا وماليزيا, التي وضعت خطوطها الستراتيجية العريضة في الاستقلال المتكافئ والتنمية المستدامة التي تديم الاستقلال والتقدم.

وبما ان التجربة اللبرالية المتعولمة التي خضناها للعشرين عاما الاخيرة, وتجربة هيمنة القطاع العام فقط كتطبيق لما سموه بالاشتراكية, فكل منهما لم يصل للاستقلال او التنمية المستدامة, وانما كان زمام الحكمين للفترتين يقود الى تكريس الاقتصاد الريعي, الذي افلس تنمويا ولم يستقل العراق اقتصاديا, بل مجرد زمام قاد ويقاد من خلال دولته العميقة الى التبعية بمختلف الهويات الفرعية’ وصولا للتحاصص الحاكم, وما اكتنفه من سوء اداء مقترن بفساد مدمر.

لذلك علينا واعتزازا بتراثنا الاقتصادي والشرعي والاجتماعي ليكن اقتصادنا النقدي في هذه الحالة’ ومن خلال عالم المصارف ودورها في التنمية المستدامة، لتكون المصارف الاسلامية هي المحور الموجة للعمل المصرفي, نظرا لفشل النظام المصرفي التقليدي من اعلى تشكيلاته الى صيرفاته’ وهذة الريادة للعمل المصرفي المستنسخ ودائم الترابط مع صندوق النقد الدولي كموجه اساس, رغم انه لا يعمل لوجه الله الذي اوصلنا ما اوصلنا اليه, وهذا طبيعي ان يخدم الدول المؤسسة وذات الاسهم الاكبر’ ليوجه العراق كبلد مقترض.

فتراثنا عريق في الاقتصاد الاسلامي حسب معطيات معروفة ولدينا منظرين من الطراز الاول عربيا واسلاميا وعراقيا وفي حدود معرفتي عراقيا تمتد من الشهيد محمد باقر الصدر (قد س سره) وصولا للاستاذ الدكتور صادق الشمري لما وضعه من دراسات عملية ونظرية تصلح مرشدا ومرجعا لاقتصاد تنموي, نظرا لما ابدع الاقتصاد الاسلامي في موضوع عنصر المخاطرة كبديل عن الربا الشايلوكي, اذ لا زال اغلب المسلمين يتوجس شرعا منه’ وهذا ما يعزز ويؤكد سر الاكتناز الهائل الذي يقدر (ما تحت المخدة) باكثر من ثلثي الكتلة النقدية’ ككنوز تغني العراق من قروض مذلة. ولكن هذا التنظير لم يلتفت عليه كاستحقاق نظري اكاديمي, في الاعلام اللبرالي والتهريج الثقافي الطاغي في ظل الهيمنة الغربية والامريكية, بدوافع ممنهجة ومعروفة المصالح.

نستطيع بموجبها ومن خلال ازاحة عدم الثقة الحالية بمبدأ المخاطرة المشتركة’ لنؤسس مشاريعنا المتلكئة من خلال بناء الثقة بالمصرف الاسلامي الذي طغت عليه الاساليب المصرفية باضيق نظرتها للاقتصاد الكلي والجزئي, وربما تلوث البعض مع الاسف.

فمن خلال التجارب الصينية والايرانية والتركية نستطيع مغادرة خانة صندوق النقد الدولي’ الذي اوصلنا ما اوصلنا’ اذ بتنا في هلع على اموالنا في الفدرالي الامريكي والسير بموكب عقوباته التي تخدم سياسات لسنا بعلاقة معها اقتصاديا على الاقل, لدرجة ان الهلع يهدد رواتب 14 مليون عائلة من مستخدمي الدولة الرعاية والتقاعد, ولا نرى خطة او سقف زمني ننتظره.

ونحن نستقبل قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص الذي يراوح منذ عام 2019 تقريبا منافسا شقيقه قانون النفط والغاز, نأمل ان تكون المثابات الاسلامية والآسيوية محل اقتداء في خطوطها العريضة وخصوصا ارادتها الوطنية الطاهرة من رجس الهويات الفرعية اي جانبه الذي يجعلها قبل المواطنة والوطنية.

فلدينا قطاع مختلط عريق تمتد جذوره الى عشرات السنين منذ تأسيس شركة السمنت بدعم من المصرف الزراعي, وكان السبب عدم قدرة القطاع الخاص على تنفيذ المشاريع الكبرى ومن المعروف ان عدد مشاريع القطاع المختلط 42 شركة ابرزهاعلى سبيل المثال شركة الصناعات الالكترونية وشركة الصناعات الخفيفة وشركة الهلال الصناعية والشركة الوطنية للصناعات الكيمياوية والبلاستيكية وغيرها. (ابراهيم المشهداني / طريق الشعب /ليوم 25/1/ 2024). فما المانع من ازدهار الصناعات الكيمياوية مع مجمع النبراسة الكيمياوي؟ وما الذي يحول بين الصناعات الالكترونية وبرنامج الحكومة في الحكومة الالكترونية, وهكذا بقية الصناعات في تكامل وتنسيق؟

من هنا ننطلق اولا عارضين هذة المصانع كنموذج لتعانق القطاعين العام والخاص كنماذج ناجحة في احلك ظروف البلد امام القطاع المصرفي الاسلامي وامام القطاع الخاص عموما من حيث المبدأ ولكن بعد تسديد مستحقات مالكيها التي بذمة الحكومة السابقة لعام 2003’ وبدون تلكأ. بعد ان تسعى المصارف الاسلامية والتقليدية في طمئنة ذوي العلاقة لتعزيز السيطرة على عنصر المخاطرة, من خلال خلق لوبي برلماني حقيقي يمثل المساهمين بقطع دابر الاستيراد غير البناء الذي يعرقل مسيرة الانتاج على الاقل في المرحلة التأسيسية والوقوف على ارجل عراقية, ربما يكون تفعيل الغرفة الثانية للبرلمان كساند لحكومة تتعرض لمراجعات السنوات الاربع بتراجعات وتلكآت وانعطافات.

فالقطاع المختلط (سيف مجرب) لذلك يستحق الاولوية في قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص, من هنا نستطيع القول بتفعيل الصناديق السيادية التقاعد والضمان الاجتماعي تعزيز للوبي البرلماني والاجتماعي للحد عمليا من غزو الاستيراد الذي كان دوره مشهودا للسنوات العشرين في التدمير الممنهج من خلال الاغراق السلعي ومارافقه من غسيل اموال وتهريب الذي لا يحتاج الى برهان كما جسدته حصة الواردات غير البترولية في كافة موازناتنا, وكما تقدم لنا هيئة النزاهة من عينات لا نحسد عليها في غالب سلالم وهرم الوظيفة العامة. نخلص في الختام من الاطار العام البردايم العراقي, لكي ينتقل نوعيا وتنمويا ان تكون له جدول اولويات باطار عام, تنموي مستدام وعابر لهوياته الفرعية, التي فشلت جميع المحاولات لردم فجواته كونه منفتح كاقتصاد ليكون مدخلا وثغرة لتدخل خارجي غير متكافئ.

فالتنمية المستدامة لا تتم الا من خلال جدولة وطنية في الشراكة بين القطاعين تبدأ معززة مطورة لتجربة القطاع المختلط في كافة مشاريع الاقتصاد الحقيقي والخدمات. لكي نعبر فوق جثة الفشل التنموي والسياسي، وليصبح الباب مفتوحا لانجاز كافة المشاريع المزمعة والمتلكئة باطار وطني سيادي. ومن الله التوفيق. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram