المدى/ ذو الفقار يوسف
راح رياض يقلب دفاتر ذكرياته حينما وضع رأسه على الوسادة وهو يدندن بأغنية إيهاب توفيق "الأيام الحلوة". يرسم بأنامله اشكالا على سقف غرفته عن أيام كان قد عاشها بتفاصيلها في ذلك الزمن، طفولة قد ضجت بألوان المرسم الصغير، وسهرة الخميس، والطائرات الورقية، وملابس العيد.
لكن، هناك ضريبة، هذا ما التمسه رياض محمد (34 عاما) حينما وجد نفسه بين جيلين، الأول كان قد سبقه بالعمر ليكون كما يحب في حياته واحلامه، اما الثاني وهو جيل بداية الألفية فقد صغره سنا ليستحوذ على كل الحظوظ، ليعتكف جيل التسعينيات بعد ذلك في اخر الطابور.
استقرار
ولم تكن الفترات الذهبية التي عاصرها جيل التسعينيات هي المكون الأول لهذه الحظوظ، فالارهاصات التي عانى منها جعلته يتحول الى هذا الكائن غير المستقر، وهذا ما بينه احمد هاشم (33 عاما) الذي بدأت حياته في الحرب، فعندما قرر النظام حينها غزو الكويت عام 1990، كانت نتائج هذه الحرب حصارا جعل الناتج المحلي الإجمالي ينخفض في العراق إلى ما لا يزيد على ثلث المستوى الذي بلغه قبل عام 1991، ليدمر البنى التحتية الاقتصادية والصناعية للعراق، وليكون المواطن العراقي آنذاك هو الضحية الاولى لهذه الحرب.
يقول هاشم لـ(المدى)، إن "العديد من الظواهر والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية انبثقت في فترة التسعينيات لتوثر على ذلك الجيل نفسيا ومعنويا، فالحصار اثر على فترة دراسته آنذاك مما جعل العائلة العراقية تجبر اولادها في تلك الفترة على مساعدتهم بالأعمال والمهن وخصوصا الاسر التي تحت مستوى خط الفقر لتحرمهم الحرب من التعليم، وها نحن الان نعيش الامرين عندما يتعلق الامر بكل ما نريده، فاذا أراد احدنا ان يتزوج ويؤسس عائلة، فيجب ان يراعي الفارق العمري الذي يتطلبه الزواج في هذه الفترة، مما يجعل فرصه محدودة في هذا الامر".
بين غياب السلام والتطوع
سلام الدراجي (34 عاما) كان احد هؤلاء، ولأن فرصه في الوظائف قليلة، توجه نحو وزارة الدفاع عسى ولعل ان يجد حظوظه فيها وينظم الى قواتها، فحسب قوله انه قد عاصر الحروب بأشكالها، فمنذ حرب الـ90 الى دخول قوات التحالف الى العراق عام 2003، وحتى حقبة المفخخات اللعينة، لتنتهي بحرب التنظيمات الإرهابية في العراق جعلت قلبه اقوى من الأجيال التي لم تعاصر كل ذلك، يؤكد الدراجي لـ(المدى): "عندما توجهت نحو البوابات الالكترونية التي تطلقها وزارة الدفاع لسحب استمارة التطوع صدمت بشرط أساسي للقبول، وهو شرط العمر، اذ ان الوزارة أعطت الأولوية لمن هم الأصغر سنا مني، لتضيع عليّ الفرصة". يضيف سلام "وكما وزارة الدفاع فستجد هذا الشرط حاجزا امامك في وزارة الداخلية، وحتى في القطاع الخاص فتفضل المؤسسات تشغيل من هم الأصغر سنا". مناشدا المعنيين، بأن "هذا الجيل لديه من الحقوق كما الأجيال الأخرى، ويجب ان تعاملوهم بعدالة لكونهم عانوا الامرين، لذلك يجب على الحكومة ان توفر فرص عمل لهم تعينهم على ما فاتهم من الحياة ليلحقوا بالأجيال البقية".
فيما اوضح الباحث الاجتماعي كامل الغزي، ان "في عصر الأجهزة الذكية والاتمتة الالكترونية تفاجأ جيل التسعينيات بمدى سرعة التطور والتغييرات، فلم يدرك الا القليل، اما جيل بداية الالفية الثانية فقد ولد على هذا التغيير واندمج معه ليواكبه في عمره، فاستثمر هذا التغيير والتطور ليستخدمه في حياته اليومية، بعكس ما نراه في جيل التسعينيات الذي ذاق طعم الحرمان من هذا التطور، فمن أجهزة الكمبيوتر الى الهواتف الذكية التي جعلت اغلب المجتمعات الصناعية تتحول الى معرفية بحته". مبينا، انه "الان يجب عليك ان تكون عالما وعارفا بالتكنولوجيا لتجد فرصة عمل، اذ يرتبط الإنتاج حاليا بما يستطيع العامل فعله من خلال هذه التكنولوجيا".
يضيف الغزي لـ(المدى)، ان "جيل التسعينيات يقبع في ثقب اسود، فهو لم يحسب على جيل الثمانينيات، ولم يحسب أيضاً على جيل نهاية التسعينيات وبداية الألفية، وهذا ما جعلهم محط سخرية للعديد من الافراد بسبب ضياع حقهم في التعيينات بسبب الفارق العمري، فضلا عن عدم استقرار وضعهم الاجتماعي ليكونوا تحت طائلة الباحثين عن الاعجابات والتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي".