اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > جاك بلا منزل آمن.. محنة العبور الى الضفة الاخرى

جاك بلا منزل آمن.. محنة العبور الى الضفة الاخرى

نشر في: 14 فبراير, 2024: 10:56 م

احمد ثامر جهاد

"اللاعقل يتمتع بقوة خفية على الابهار والغواية" ريتشارد وولين.

الاشارات والصور العديدة الملهمة التي حفل بها فيلم (المنزل الذي بناه جاك 2018) للمخرج الدنماركي المثير للجدل "لارس فون ترير" لاسيما في ربعه الاخير ليست فقط تستحوذ على مشاعر المشاهد لما تحمله في طياتها من تأثيرات ورؤى بصرية حادة ومعان عميقة، بل هي تؤسس لغواية لا فكاك منها تستدعي انفتاحا ذهنيا لمحاولة تأويل بعض مقاصدها ومرجعياتها.

على خلفية عزف عبقري البيانو الكندي"كلين غولد" لمقطوعات باخ يمزج هذا العمل السينمائي الصادم وغير المهادن- يظهر للوهلة الاولى اشبه بسيرة قاتل متسلسل- اوجه الفن الخالص(الرسم والموسيقى وفن العمارة) بالأسطورة والدين وبالنزعات الذاتية للمخرج(المعجب بأعمال البرت شبير اشهر مهندسي الرايخ الثالث) والذي لا يتردد كما في سابق افلامه في التعبير بحرية تامة عن هواجسه ومعتقداته حتى وان اتهمه البعض بالوقوع ضحية غرام فكري مع الفاشية(كما حصل معه في احدى دورات مهرجان كان).

الجسر المقطوع الذي لا يؤدي الى الضفة الاخرى هو امر جوهري قد يعيد لنا تفسير مسلسل احداث الفيلم المستفز ويجلى شيئا من الطابع النفسي المركب لشخصية جاك(اداها ببراعة الممثل مات ديلون).

السؤال هو: بعد رحلته الدموية التي اختار لنا منها خمسة فصول على مدى 12 عاما من سيرته، هل كان جاك المهندس المعماري الحالم بالكمال الفني عازما بالفعل على عبور مهلكة الجحيم بغية الوصول الى الضفة الاخرى؟

بعد مهمة العبور بمشهد بارع الجمال يقارب فيه المخرج لوحة ديلاكروا" قارب دانتي" كيف تأتى لجاك بوسواسه القهري الاعتقاد بما يحمله من ارث خطايا كبير انه مؤهل لحظة نزوله الى الجحيم للعبور الى الضفة الآمنة لنهاية آلام البشرية؟ ليس منطقيا ان جاك الذي مع كل خطوة يخطوها يتكثف ظله ويكبر الى ان يختفي ويتحول الى ألم مقيم، كان قد فكر ان يحتال على الرب مثلما احتال على بعض ضحاياه في تلفيقاته الخرقاء الدموية؟ جريمته الاولى لم تكن مدبرة لكنها فاتحة مساره الدموي وربما عمله الابداعي في معمار القتل. لكن في المقابل المغامرة تسكن روح جاك والفضول المعرفي يقود خطاه صوب دروب اجملها الهاوية.

لن يكون الامر بهذه البساطة خاصة ان فيرج(اشارة الى صاحب الانيادة فرجيل الذي قاد دانتي في رحلة الجحيم) رفيق تجواله المعرفي في الجحيم قد ارغمه والاصح اغواه كمحاور ذكي وملهم على الكشف عن ضعفه وسوءاته ناصحا اياه مثل اسقف يستمع بصمت الى خطايا رعيته بمواصلة طريق الاعتراف، رغم انه لم يحاسبه على جرائمه مكتفيا بإسماعه اصوات ضحاياه(وجلهن من النساء)، فهذا هو الجحيم عينه الذي سيجعل جاك يشعر للمرة الاولى بوهنه وخوائه جراء تنامي انين القتلى والانصات لنداء ارواحهم المعذبة، هناك في القعر الملتهب للجحيم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مشهد بصري لشاعر يتلهّى ويستأنس بالكلمات والصُّور الشعرية

الأثر الإبداعي للكتب السينمائية المترجمة ملف "السينمائي" الجديد

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

مقالات ذات صلة

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية
سينما

ياسر كريم: المتلقي العراقي متعطش لأفلام أو دراما غير تقليدية

المدىياسر كريم مخرج شاب يعيش ويعمل حاليا في بغداد، حصل على بكالوريوس علوم الكيمياء من الجامعة المستنصرية. ثم استهوته السينما وحصل علي شهادة الماجستير في الاخراج السينمائي من Kino-eyes, The European movie master من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram