اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > عن المحركات المضادة لطريق التنمية

عن المحركات المضادة لطريق التنمية

نشر في: 21 فبراير, 2024: 11:35 م

ثامر الهيمص

ان الاحساس بالحرمان الطائفي قبل 2003 كان موجودا ولم يأت من فراغ. لكن ما اطرحه هو ضرورة ادراك المحرك الاساسي لهذا التمييز. هل هي اعتبارات طائفية بالاساس ام هي اعتبارات مناطقية وعشائرية وعائلية؟! من وجهة نظري ان المحرك الطائفي كان موجودا، لكنه كان ثانويا اما المحرك الاساسي فكان المناطقية والعشائرية.

(د. فنر حداد / مجلة الثقافة الجديدة عدد/442/2024). نعم واقعيا ان المناطقية والعشائرية وصلت لمرحلة الطائرات المسيرة بعد اجتياز التسلح الساند من المتوسط الى الخفيف والقنابل اليدوية, لتحاول الحكومة شراء هذه الاسلحة كون السلاح المنفلت معرقلا اساسيا للاستثمار، فالطائفية المجردة لا تملك الاسلحة من هذا النوع’ رغم انهم اي فرسان العشائرفي سلوكهم نتيجة طبيعية لغياب القانون الصارم، و في ظل التقسيم الثلاثي ايضا، كلا حسب قوته البرلمانية، وان هذا التغول ليس بعيدا عن الخلاف وليس الاختلاف بين الاطراف الساندة عرفا وتوافقا ضمن السقوف المتفق عليها.

فالطائفية والقومية العابرة للحدود الوطنية موجودة عالميا واقليميا, قد تستخدم كورقة سياسية في ظل مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير وحقوق الانسان, سيما اذا كانت الهوية الوطنية غير كافية لتوطيد حقوق الانسان اي انها لم تأخذ او تشغل مكانها الحقيقي, والمثال السويسري لا زال ماثلا ناضجا وبقوة القانون فقط، كونه نموذجا مثاليا للوحدة الوطنية الخالصة.

كبنية تحتية للحقوق محمية بالقانون الصارم للعدالة بغض النظر عن اي هوية فرعية, خصوصا القابلة للتسيس والتأسيس. من هنا لا يمكن اغفال العامل الخارجي الاقليمي او الدولي كما لعب الاخير بعد ثورة العشرين، وابان و مابعد 2003 ليتقاطعا مع الهوية الوطنية.

فالرهان على الهوية الفرعية اولا كان ولا زال رهانا قصير النظر، مادامت الاولوية للهوية الفرعية اساسا. لان هذه المراهنة الخاطئة والخاسرة والمضرة دفعت كل طرف طائفي (قومي او ديني او مذهبي)، للبحث عن حلفاء خارجيين من قوميته او دينه او مذهبه, فانفتحت ابواب العراق واسعة امام التدخلات الاقليمية والدولية، بحجة حماية حقوق الانسان عامة، او حماية حقوق هذه الطائفة او تلك خاصة. لأن هذه المراهنة الخاطئة والخاسرة والمضرة انتجت دستورا دائما قيل في قدحه اكثر ما قيل في مدحه ومشكلاته اكثر من منجزاته، ونقده عند واضعيه مقارب لنقده عند معارضيه. (د. علي عباس مراد / مجلة الثقافة الجديدة / العدد 435/2023). لذا تصبح الهوية الوطنية مرجعا اوليا وبنية تحتية لتأتي بعده الهويات الفرعية بقانون موحد وطني عام شامل يكون تنفيذه سيد المشهد الاقتصادي و السياسي والاجتماعي. فالهويات الفرعية امر واقع، ولكن تسيسها على حساب مواطنة الاخرين فهذا التحدي الاخطر والاكبر والرهان الاخير للوحدة الوطنية. في هذه الحالة ينبغي البحث عن المعوقات التي تحول دون الانجاز الوطني عموما.

لا شك اننا ورثنا الكثير من هوياتنا الفرعية والان, مبدأ الولاء قبل الكفاءة المهنية الاحترافية المخلصة كنتيجة منطقية, سيما في ظل المناطقية والعشائرية السائدة الان بعد تشرذم يتناسل في المذاهب والقومية كما نلمسها يوميا ومحتدمة لينتقل الحوار من الطوائف والقومية الى الحوارات بين العشائر والعوائل, ولكن عامل الكفاءة والمهنية رهان يستحق الاولوية, ولعله من ابرز تحديات الانجاز الحقيقي, فكثرة المستشارين تعبر عن ذلك قلة كفاءة المتصدي وعملية تشريفية لدين سابق على المتصدي او ورقة مقايضة تتم في سياقات التحالفات غير الستراتيجية عادة.

ولذلك سيبقى كل قرار يراوح بين الهشاشة والتأجيل كما نراه في قانون النفط والغاز السيد المطلق للاقتصاد العراقي الجزئي والكلي وما دام الاقتصاد احادي الجانب مرتعا مريحا لرعاته, وما دامت المعارضة البرلمانية ديكورا لا يقدم ولا يؤخر، و مادامت الحلبة واحدة في ادارة المصالح الفئوية لاحزاب لا زالت بدون برامج الحد الادنى ولا ديمقراطية كاحزاب بداخلها في وسط ديمقراطي’ بل مجرد ولاأت سائبة سائلة.

ولهذا كان ولا زال العامل الخارجي متناغما تنافسيا كلا له لاعبيه يستقوي بهم ويستقوون به، لنصبح مجرد ساحة تصفيات امنية وسياسية. ليكون الفساد قاسما مشتركا الا ما رحم ربي, فالمستفيد هو احيانا يكون شماعة للمضي في تحالفات مرنة جدا سائلة, اذ الكل ضد الكل, لتصبح الغاية تبرر الوسيلة دائما اداة وحيدة في العمل السياسي بروح برغماتية ميكافيلية وما تكتنفه من انتهازية ترسخت كعرف وتوافقات حتى خارج الدستور.

في ضوء ما تقدم وكحصيلة له، ظهرت العاهات التي تتفاقم وتتلون وتستعصي، رغم جهود استثنائية من قبل الاجهزة ذات العلاقة, ولكن الاستثناء احيانا يكرس القاعدة اذا بات مجرد مواكبا بدون التفتيش عن المستفيد الاساس. فقد نقل المتحدث بأسم قناة الجزيرة قولها, ان 20% من الرواتب في العراق, اي ما مجموعه 10 مليار دولار سنويا تذهب الى موظفين وهميين، وهو الرقم الذي ارتفع, في خبر مماثل. وبنفس الصحيفة ليوم 13/حزيران /2023من ان مبالغ السلف المقدمة لمؤسسات الدولة تقدر بأكثر من 160 ترليون دينار عراقي منذ 2004 وان اطفاء السلف كما يضيف الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني من خلال التصويت على المادة 16 من قانون الموازنة يعني شرعنة الفساد وقدر من الاموال الممنوحة لمؤسسات الدولة ذهبت لجيوب الفاسدين بمقدار 130 ترليون دينار.

وان 44% فقط من الاستيرادات كانت من المنافذ الرسمية كما جاء بنفس الصحيفة ليوم 26/تشرين اثاني / 2023. هذا غيض من فيض اذا تطرقنا لسرقة القرن واخواتها. لتبقى الجهات والاجهزة المعنية تدور في حلقة مفرغة ما دامت الحدود ليست مشرعنة كمركيا فحسب، لنصل الى الاف تجار المخدرات واستعصاء الدولار الموازي, وليصبح(رقم 1/بغداد خصوصي) بسبعة ملايين دولار حسب جريدة الصباح. وهذا غالبا من بذخ المليارديرية الجدد.

ولكن ثمة ضوء نهاية النفق، فنحن امام مشروع يخرجنا من لعنة النفط واقتصاده احادي الجانب، فالعراق رغم ثرواته التي اسيئ استخدامها وتوزيعها وحتى تبذيرها، ليأتي البديل الذي يطل برأسه نحو اهله، وخارج احتكار السلطات الرسمية حيث انه على الاقل مرتبط بعمالة اكثر بمئات المرات من عمالة النفط رغم انه اي مشروعنا في طريق التنمية هو الاقل في مراحله الاولى ولكن الاكثر استدامة والاشد ارتباطا بقاعدته الشعبية الشرعية فثرواتنا داخل الارض لم تبني اقتصادا مستداما عادلا, واصبحنا عمليا خارج الاقتصاد الحقيقي, بل افواه وارانب نراهن فقط على الصرف لاعتبارات انتخابية من خزينة النفط الحكومية المرتهنه الان والمحجوزة لحين اقرار قانون النفط والغاز اساس الاسس للعلاقة المستقره بين المتغانمين المتخادمين.

فطريق التنمية يربط الشرق بالغرب والشمال والجنوب عالميا برا, الذي يعتبر الاقل كلفة من النقل البحري والجوي بفضل موقعنا الجغرافي وليس بفضل احد’ ليقطر اقتصادنا الحقيقي زراعة وصناعة بعد او اثناء تراجع دور النفط وسماسرته التاريخيين, سيما تغيرات اوبك بلص والتوجه بغالب مبيعاتنا النفطية شرقا ببركات انحراف وفشل العولمة ذات الدفة الغربية الامريكية التي تتراجع كما مؤمل بعد حصاد غزه’ لصالح شعوب المنطقة بدماء بعض ابنائها. ولكي لا ينعطف بنا لنكون مجرد محطات ترانزيت ولكي لا نسقط في احادية المورد الاقتصادي مرة ثانية’ يتوجب على الجميع ان تكون رافعتنا الام هي المواطنة والوطنية المصادق عليها عمليا بدستور دائم سداه ولحمتة القانون و بمعارضة حقيقية وليست للايجار, ولدينا تجارب من الماضي في المواطنة قبل ان تبتلعتها الان المناطقية والعشائرية حيث لم تصمد امامها حقوق الانسان وحماية الهويات الفرعية, اذ سرعان ما تهاوت بفقدان البنية التحتية الوطنية الارض الصلبة الوحيدة كما نلمس في النشاط العشائري المسلح المتناغم المتخادم. فطريق التنمية قاطرة لاقتصاد وطني حقيقي بصناعة نفطية وغازيه وكيمياوية, ولكي لا يشكو مستشار وزارة الزراعة من المنافذ غير الرسمية وهكذا جميع الصناعات الغذائية منها ومن المرض الهولندي الذي اصابنا نتيجة هيمنة الاقتصاد الريعي على المشهد العراقي اجتماعيا وسياسيا وتنمويا وكان ما كان من تجربة 20 عام, حيث كانت كلفة الانتاج باهضة نتيجة (عار الكهرباء) اولا كحصيلة منطقية من احتلال متحالف مؤثر, وثغرات كمركية غير رسمية لاغراق السوق العراقية من منافذ مخرومة مع غياب سيطرة نوعية وصلت للدواء والغذاء بشكل مخيف.

فطريق التنمية ليس مجرد مشروع لتنمية مستدامة بل انه عراق جديد في كل ابعاده, متخطيا مفارقات تاريخية نادرة فليس التشرذم السياسي بدون طعم ولا لون بل اوشكنا على الصوملة او السودنة او اللبننة في ظل فساد شرس بانياب, فلتكن نماذج جنوب افريقيا والنسيان الاسباني (بعد حربهم الاهلية) منارا يهدي للتي هي اقوم, باقامة مشروعنا التاريخي, الذي سينعطف بنا من عصر الاقتصاد الريعي احادي الجانب الى اقتصاد التنوع المترابط صناعيا وزراعيا وخدميا وماليا ونقديا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram