اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الرصاصة مقابل الكلمة الحرة

الرصاصة مقابل الكلمة الحرة

نشر في: 24 فبراير, 2024: 10:39 م

معد فياض

لم تكن محاولة اغتيال الكاتب التنويري فخري كريم، مؤسس ومدير عام دار المدى للثقافة والاعلام، مساء يوم الخميس 22 شباط 2024، في حي القادسية وسط بغداد، تستهدفه شخصيا فحسب، فالقتلة الظلاميون استهدفوا من خلاله الثقافة والحركة التنويرية والابداع في العراق.

دار المدى للثقافة والاعلام تأسست عام 1994 في دمشق عندما كان النظام الدكتاتوري يحكم العراق بسلاسل من حديد ونار ولا يسمح بأي مشروع ثقافي حر وديمقراطي شجاع ينير عقول القراء. فاصدرت هذه الدار الالاف من العناوين الروائية والنقدية والفلسفية وكتب السيرة الذاتية لكتاب عراقيين وعرب وعالميين.

واقامت وما تزال العديد من معارض الكتب التي تشارك فيها المئات من دور النشر المحلية والعربية والاجنبية، سواء في بغداد او في اربيل بدعم ورعاية الرئيس مسعود بارزاني، مع ملاحظة ان معرض العراق الدولي للكتاب الذي تنظمه دار المدى، مقام حالياً في العاصمة العراقية. اضافة الى اصدارها صحيفة المدى وتأسيسها لفضائية المدى التي اغلقت لأسباب مالية.

الكاتب فخري كريم قدم من خلال دار المدى، بصورة شخصية الدعم للكثير من الكتاب والشعراء العراقيين وغيرهم سواء كانوا يقيمون داخل البلد او خارجه، عن طريق نشر اعمالهم الرصينة والترويج لها على مدى سنوات طويلة، كما جمع لأكثر من مرة وتحت خيمة ملتقى المدى، الادباء العراقيين الذين يعيشون في المنافي مع زملائهم داخل العراق الذي اقيم في أربيل واحة السلام والمحبة والامان.

الظلاميون تقلقهم مثل هذه المشاريع الثقافية التنويرية، بل تقض مضاجعهم ويعتبرونها مشاريع تهدد خططهم ووجودهم، فيشهرون اسلحتهم القاتلة مقابل اقلام الكتاب المبدعين اصحاب المشاريع التي تنير دروبنا وتؤكد هويتنا الثقافية العراقية، والمعادلة هنا مختلة تماما، الرصاص مقابل الكلمة والبندقة او المسدس الكاتم للصوت امام القلم.

اتذكر عندما تركت بغداد مجبراً ذات ليلة ولجأت الى اربيل السلام والامان بعد تهديدات مباشرة من قبل احدى المليشيات المسلحة، كتب احدهم لي، شاعرا بنشوة النصر الحاقدة وعلانية قائلا: "لقد كسرنا قلمك واجبرناك على ترك بغداد"، بغداد المدينة التي ولدت وترعرعت ودرست بها وحفظت كل شبرا فيها.

هكذا هو تفكيرهم، اعني مليشيات الظلام التي حاصرت امس الكاتب فخري كريم وزوجته غادة العاملي في منطقة القادسية ببغداد المحصنة امنيا وامطروهم بـ 17 رصاصة لكن العناية الالهية حمتهم من الاشرار. وهنا اتساءل كيف استطعت سيارتان (بيك آب) ان تحاصر سيارة كريم في منطقة آمنة وتفتح النار عليهم لو لم يكونوا هؤلاء القتلة محصنين بنفوذ يدعمهم بقوة؟.

الموضوع هنا ليس شخصياً ويهم فخري كريم، بل هذا استهداف للحركة الثقافية ولكل المثقفين العراقيين الذين يقفون بابداعاتهم ضد التخلف والقتلة والمخربين والحادثة جاءت خلال توافد عشرات الالاف من العراقيين على معرض الكتا ب ببغداد الذي تقف وراء تنظيمه ونجاحه دار المدى للثقافة والاعلام برئاسة كريم وفريق من العاملين المخلصين لهذا المشروع. قبل استهداف كريم هناك العشرات، بل المئات من الكتاب والشعراء الذين استهدفهم رصاص المليشيات وتنظيم القاعدة وداعش الارهابيين.

قبل فخري كريم هناك مئات الاسماء من الكتاب والصحفيين، ليس اولهم او آخرهم هشام الهاشمي الذي اغتاله ثلاثة مسلحين بإطلاق النار عليه وهو داخل سيارته امام بيته في منطقة زيونة وسط بغداد مساء 6 تموز 2020، والاجهزة الامنية والقضائية اكدت القاء القبض على قاتله ولم نسمع اية اخبار عن محاكمته، وقبله اغتال مسلحون الكاتب الروائي والباحث علاء مشذوب بالقرب من منزله في مدينة كربلاء، والقائمة تطول.

منذ 2003 حتى اليوم قتل اكثر من 500 كاتب وصحفي، حسب احصائيات نقابة الصحفيين العراقيين. والعراق حلّ بالمرتبة الخامسة على مستوى العالم في مؤشر الإفلات من العقاب، وفق آخر تصنيف للجنة حماية الصحفيين الدولية (مقرها نيويورك) حتى عام 2022. هذا بالاضافة الى الصحفيين والكتاب المغيبين منذ سنوات طويلة. ومع ذلك لم نسمع عن اية جهود لملاحقة القتلة وتقديمهم للعدالة.

الحكومة العراقية بالتأكيد غير مطالبة بتعيين حراس شخصيين لكل صحفي او كاتب، لكن تقع عليها مسؤولية ملاحقة المليشيات والاشخاص المسلحين وسحب السلاح وابقائه بيد الدولة فقط، وكل عام نسمع تصريحات كبار المسؤولين العراقيين عن عزمها بسحب السلاح من الشارع ومن المليشيات المسلحة، لكن هذا لم يتحقق حتى اليوم. لكن هل هذا يعني ان علينا ان نصمت، ان نلوذ بالخوف، ان نخلي الساحة للظلاميين؟ ام ان تصمد الكلمة الحرة الشجاعة امام المخربين والقتلة. من المؤكد ان الكتاب والصحفيين العراقيين الاحرار اتخذوا الخيار الثاني دون رجعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram