اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مِئْذَنَة اَلْجَامِعِ اَلْكَبِيرِ اَلْمَلْوِيَّةِ فِي سَامَرَّاءْ: اَلتَّأْثِير وَالتَّأْوِيلِ

مِئْذَنَة اَلْجَامِعِ اَلْكَبِيرِ اَلْمَلْوِيَّةِ فِي سَامَرَّاءْ: اَلتَّأْثِير وَالتَّأْوِيلِ

نشر في: 3 مارس, 2024: 11:26 م

د. خالد السلطاني

معمار واكاديمي

يصدر قريبا كتاب "سامراء العمرانية: قراءة في عمارة الحاضرة العاسية وتخطيطيها". ادناه مستل من الفصل الخامس من الكتاب المكرس لعمارة المسجد الجامع وملويته الشهيرة.

".. وكما اشرنا سابقاً، فان حدث ابتداع "مئذنة/ ملوية سامراء"، لا تكمن قيمته فقط في انجازه غير المسبوق، على الرغم من تلك الاهمية القصوي التى يتمتع بها ذلك الحدث الفريد؛ وإِنَّمَا امتلاكه لإمكانيات كبيرة وقدرته الحيوية لجهة فتح آفاق واسعة نحو فهم جديد للعمارة واستيلاد وتطوير مقاربات اخرى ذات مفاهيم فكرية مشرعة ومفتوحة على نشاط ابداعي مستقبلي حافل بجملة من التفسيرات والاكتشافات والتأويل. وها نحن شهود على نماذج تصميمية عديدة تعود لمعماريين ذوي خلفيات متنوعة: إثنيا، او ثقافياً، او جغرافياً يسعون وراء إعادة قراءة صنيع الملوية، ويطمحون الى خلق تأويلات مفاهيمية لتشكيلاتها المميزة في سياق مقارباتهم المعمارية. وبالمناسبة فان نُهُوجٌ (جمع نَهج) اولئك المعماريين كانت متنوعة ومختلفة اسلوبيا، وجغرافياً، وزمنياً. فنرى في هذا الكم الواسع من "الموؤلين" والمعجبين في "هيئة" الملوية معماريين يعودون زمنيا الى الحقب الكلاسيكية الماضية، مثلما نرى منهم معماريين ينتمون الى الحداثة، وحتي.. الى ما بعدها، ما يشي بقيمة المجترح واتقانه وجدواه. كما نرى ذلك في نموذج المعمار الايطالي "الباروكي" Baroque، على سبيل المثال: "فرانجيسكو بوروميني" (1599 – 1667) F. Borromini، في تصميم كنيسته "سان ايفو ديللا سابينسا" San Ivo della Sapienza (1642 -1660) في روما بايطاليا، والذي استعار شكل الملوية لقمة مبناه، والاخيرة كانت ملهمة، ايضاً، الى المعمار " لاويتز دي تورا" Lauritz de Thura. في اضافته المميزة سنة 1752 الى قمة كنيسة "مخلّصنا" <Our Saviour> في العاصمة الدانمركية كوبنهاغن. ويمكن ان نشير، ايضاً، الى "نصب الاممية الثالثة" (1919) الشهير، المبتدع من قبل الفنان السوفيتي "فلاديمير تاتلين (1885 -1953) V. Tatlin، (هو الذي أًعتبر من انجازات تيار "الكونستروكتيفزم "Constructivism الطليعي) والذي يمكن ان نلمس بهيئته المميزة، إستحضاراً ذكياً لشكل صنيع المعمار السامرائي البارع. كما ان فيليب جونسون (1906 -2005) Philip Johnson "المعمار الحداثي.. وما بعد الحداثي ايضاً"، استوحى "فورم" الملوية لمشروعه "كنيسة الشكر" (1976) Thanksgiving Church، في دلاس/ تكساس بالولايات المتحدة، وكذلك نرى ذلك بوضوح في قراءة المعمار العالمي الشهير "اي. أم، بي" (1917 – 2019) I M. Pei لشكل الملوية وتوظيف نتائج تلك القراءة في مبناه "متحف الفن الاسلامي" (2008)، بالدوحة بقطر، بالاضافة طبعا الى تأثيرات هيئة الملوية وشكلها النافذ على رؤية فرنك لويد رايت (1867 - 1959) F. L. Wright في اعداد تصميمه الشهير "متحف غوغنهايم" (1943 – 1959) Guggenheim Museum في نيويورك؛ واخيراً المشروع المعد من قبل مكتب "ان بي بي جي" NBBJ الامريكي في سنة 2021، والمخصص للمقر الجديد الى شركة "امازون" في ارلينغتون بولاية فريجينا Amazon’s new Arlington headquarters, Virginia، حيث تحضر تأويلات شكل الملوية في صميم الحل التصميمي لهذا المبنى؛ وغير ذلك من الامثلة التصميمية الاخرى المتأثرة بـ "فورم" الحدث المعماري السامرائي المبهر، والمنتشرة في مناطق عديدة من العالم.

ومع أن تغييرات لافتة حصلت لاحقاً في اساليب تنطيق مفهوم "العمارة التناصية" وفي مقاربات التأويل انطلاقاً من ادبيات النقد الحداثي (..وما بعد الحداثي ايضاً)؛ فان مواكبة تلك المتغييرات افضت الى تنويع الذائقة الفنية والجمالية. ولكن مع هذا يظل شغف استحضار بعض تلك القيم والمبادئ وحتى الذائقة، التى حثت فيما مضى على ظهور وتأسيس الملوية، رائجة في المشهد المعماري، ونراها حاضرة بقوة في تلك النماذج التصميمية، التى تدين بظهورها لتلك الممارسة المميزة والفطنة التى شهدتها عمارة سامراء. جدير بالذكر، ان كثراً من المعماريين او المكاتب الاستشارية، التى تقدم مشاريعها للملأ لا تعترف احيانا (غالباً؟) ولا تشير الى مرجعيتها التصميمية (.. خصوصاً اذا كانت تلك المرجعيات خارج نطاق الثقافة التى ينتمون اليها <حتى لا نقول بان هذا مقتصر على "التمركز الاوربي" لوحده!>). لكن ذلك الانكار والتغييب لا يعنيان شيئأً كثيرا للمعرفة، مثلما لا يمكنهما التقليل من اهمية وقيمة المجترح المرجعي، او بخس اهميته. فما نلاحظه (..ما لاحظته شخصيا) من انتشار "سرديات" الآخرين في هذة الناحية الجزئية، تبدو، في مجمل طروحاتها، غير واقعية ولا موضوعية، تسعى وراء تهميش ما تحقق في سامراء لجهة تكريس ذرائع عديدة تبرر ذلك التغييب وإنكار صلته مع المرجع التصميمي.

ونأمل (.. مثلما نرى) بأن الموضوع التأويلي وإعادة القراءة والاجتهاد في التفسير لمجمل ما تحقق في سامراء، يمكن أن يكون ذات نهايات مفتوحة، بمقدوره أن يستوعب اضافات تأويلية أخرى لم تذكرها الدراسة، ونعول في هذا المجال على مهتمي العمارة الاسلامية ومحبيها في تكريس هذا الجانب التحليلي وتوسيعه ليشمل كافة المجالات. وفي كل الاحوال فليس المطلوب، تصميمياً، إعادة شكل الملوية وتكرار حلولها التكوينية، وإنما المنشود تقصي "جوهر" الابداع الكامن في عمارة الملوية، والحفر عميقا في ماهيتها الخلاقة واستحضار روحها واطيافها القابلة للاستدعاء!"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram