اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > نلتقي في أغسطس .. رواية ماركيز الأخيرة المفقودة

نلتقي في أغسطس .. رواية ماركيز الأخيرة المفقودة

نشر في: 10 مارس, 2024: 10:58 م

ترجمة: زهير رضوان

مرة واحدة كل عام، في أغسطس، تسافر امرأة في منتصف العمر الى جزيرة في البحر الكاريبي، لتضع باقة زهور على قبر أمها،

في رحلتها الثامنة ودونما سابق تصميم، تدعو المرأة رجلا، كان مثلها يجلس وحيدا في بار الفندق، الى غرفتها. مارسا الحب. الإثارة التي تحققت لكليهما كان يعكسها طقس هائج: كان ثمة عاصفة رعدية وطيور مالك الحزين تحلق مهتاجة فوق البحيرة الضحلة. عندما استيقظت في الصباح كان الرجل قد مضى. لم تعرف اسمه حتى. بعدها، كل عام، كانت تشرع في إعادة التجربة مع غريب آخر.

هذا بإيجاز بسيط الحبكة في هذه الرواية القصيرة التي آخر ما كتبه غابرييل غارسيا ماركيز لتنشر بعد ما يقرب من عقد على وفاته. لم يدّع أحد، ما عدا الناشرين الذين عملهم فعل ذلك، ان هذه تحفة أدبية، فقدت والآن تم استردادها. ماركيز نفسه أخبر ولديه، بعد أن أدرك انه بدأ يفقد ذاكرته بسبب الخرف، "هذا الكتاب لن ينجح، يجب اتلافه". ولداه، بعد أن ركناها لسنوات، فكرا ثانية وقررا مع انها ليست "بالطبع قصة لامعة كرواياته العظيمة" وبالرغم من"انها نصوص تحضيرية" فبامكانهما "خيانة" والدهما بأن يقدماها الى العالم.

بطلة الرواية، آنا ماغدالينا باخ، كانت مبدئيا سعيدة بمغامراتها. تستيقظ متخيلة انها استمتعت بليلة من اللذة دون مسؤوليات أو عواقب. حتى وجدت ذات ليلة بأن شريكها دس ورقة عشرين دولارا في ثنايا كتابها جانب السرير. صدمت. كانت تظن انها حرة، وهو ظن انها باعت نفسها.

كان ذلك بداية لسلسلة متعاقبة من خيبات الأمل. كل ليلة من ليالي آنا ماغدالينا المتلاحقة على الجزيرة كانت تعرضها للشبهة بطريقة مختلفة. أحد الرجال الذي اختارته تبين انه "محتال يقّود على الأرامل البائسات، ومن المرجح انه قتل اثنتين منهن". في عام آخر، الرجل الوحيد الذي عرض نفسه كان صديقا قديما، عراب ابنتها، ومن غير الوارد ان يتوقف الأمرعلى ليلة واحدة بل أصر على مرافقتها الى العشاء، لذلك لم يتسن لها الوقت للعثور على شريك آخر مناسب.

رجل آخر مهذب لكنه بائع بوليصات تأمين بليد، يحكي نكات بطريقة خرقاء، مع انه كشف فيما بعد بأنه "مبدع على نحو ساحر في الفراش". فنتازيا الجزيرة كحديقة من المبهجات الدنيوية والملذات الحسية وحرية المجهولية كانت قد تآكلت. الفنتازيا الشهوانية تحولت الى شيء أكثر سوداوية.

الوقت يمر، الزيارة الأولى للآنا ماغدالينا للجزيرة كانت رحلة مرعبة استغرقت أربع ساعات عبر بحار هائجة على متن قارب "كانو" بمحرك علوي. العام التالي استقلت قاربا بخاريا مميزا. فيما بعد، استقلت عبارة ترتحل مرتين يوميا من والى مدينتها، (التي لم يذكر اسمها مطلقا) "مع اجهزة تكييف وفرقة موسيقية وفتيات متعة". خلال زياراتها المبكرة صدمها فقر سكان الجزيرة وأفزعها عدد "صيادي السمك السود بأذرعهم المبتورة نتيجة الانفجار المبكر لأصابع الديناميت".

فيما بعد، كانت الفنادق "كمنحدرات صخرية شاهقة" تلقي بظلالها على القرية. وذات عام، وجدت جميع غرف الفنادق محجوزة لوفود مؤتمر سياحة دولي. كان ثمة تغيير لكن دون احراز أي تقدم: ظل السكان المحليين معدمين أبدا. تسرد الرواية ملاحظة كئيبة. في المقبرة حيث دفنت والدتها، نبشت القبور والعظام المنثورة تركت حولها.

عودا الى المدينة، الأمور لم تسر على ما يرام أيضا. في البدء كان زواج آنا ماغدالينا رائعا. كان زوجها وسيما، موسيقيا ومديرا لكونسرفاتور، ماهرا في كل شيء من لعب التنس الى تقديم ألعاب سحرية، الى مستوى رفيع في لعب الشطرنج. كانا يمارسان الجنس مرارا على نحو لذيذ. أولادهما كانوا موهوبين وواثقين من أنفسهم أيضا (بالرغم من انهما كانا قلقين بشأن تصميم ابنتهما على ان تصبح راهبة).

لكن أسرار مغامرات آنا ماغدالينا في الجزيرة أفسدت زواجهما. إن كان باستطاعتها أن لاتكون مخلصة - كما أدركت- لذلك، ربما يكون بمقدوره هو أن يكون كذلك. تداخلت الغيرة. عند نهاية القصة كان الزوج مجرد "ضيف عرضي في فراشها".

اسلوب السرد في الرواية فاتر. نرقب آنا ماغدالينا وهي ترتدي ملابسها، وهي تنادي مستوقفة سيارة أجرة وتحتسي الجن. أطلعتنا على حالتها العاطفية دون أن تستدعينا للشعور بذلك. أخبرتنا الرواية على ما تقرأه: دراكيولا، الغريب، العجوز والبحر، ربما هي دلائل على حالتها الذهنية أو لعلها من ضمن اهتمامات ماركيز، لكنها لم تفسر بسهولة. قراءة الرواية مثل معالجة سينمائية: الكثير من الملاحظات، القليل من الباطنية، مقتصدة لدرجة أن من السهل تحويلها الى فلم سينمائي.

هل كان يتوجب نشرها؟ ثمة أخطاء صغيرة في الترابط. البنية تعوزها البراعة، والأكثر أهمية النثر عادي على نحو مفزع، وبناء الجمل غير دقيق مثل "وجوده برمته يشع هواء مميزا من خلال ماء الكولونيا المنعش" أو "استسلما لهاوية من المتعة". في العمل المترجم، من الصعب معرفة إن كان المؤلف أو المترجم هو المسؤول عن هفوات كهذه، لكن أيا كان الملوم فهذه ليست بالكتابة الجيدة. ليست ثمة طرافة. هناك فقط آثار شاردة لخيال مليئة بالحيوية التي تقدم لنا "ماكوندو" تلك المدينة الخيالية في روايته "مائة عام من العزلة"، مع قاطنيها والتوهج اللغوي الذي يجعلهم أحياء.

"نلتقي في أغسطس" هي مسودة ضبابية ومتدفقة شأنها شأن المسودات بصورة عامة، لكن مسودة من سيد الرواية أمر مرحب به. هذه الرواية القصيرة هي بمثابة ذكرى ذاوية، رثة لكنها نفيسة لارتباطها بالعالم الخيالي الذي استحضره ماركيز في أولى رواياته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram