الموصل / سيف الدين العبيدي
منذ سنين طويلة والكثير من التراث غير المادي يعاني الإهمال في أم الربيعين إلى أن أتت نكبة الموصل وزادت الغلة فأصبح التراث بشكل عام مهددا بالاندثار ومنه المقام الموصلي المعروف بهويته الموسيقية الخاصة الذي يختلف عن باقي المقامات العراقية.
وبهدف إنقاذه من الاندثار وترسيخه في أفكار الجيل الحالي والقادم، اُطلق مشروع "مقام الموصل" الذي يقوم على ارشفة وتوثيق المقام الموسيقي، مع صناعة موسيقى جديدة تجمع بين التراث والحداثة، ويعد هذا العمل الاول من نوعه في العراق، وأتى بشعار "نينوى تحفظ تراثها الموسيقي بدعم دولي و خبرات محلية".
المشروع جاء بدعم من المجلس الثقافي البريطاني والجامعة الامريكية في السليمانية وينفذه فريق مكون من ثلاثة اشخاص من المهتمين بالموسيقى التراثية، والعمل سيكون على مدار سنة كاملة وسيشمل الغناء الريفي وغناء المدينة ولكافة القوميات والاطياف من الأغاني العربية، الكردية، المسيحية، التركمانية، الشبكية، والايزيدية؛ اي سيكون لجميع الثقافات الموجودة في نينوى.
ويقول مساعد مدير المشروع محمود جمعة خلال حديث لـ (المدى)، إن "الموصل هي من اوائل من كتب النوتة الموسيقية في الشرق الاوسط ولذلك سنعمل على تأسيس ذاكرة موسيقية لأم الربيعين وأرشفة الاغاني القديمة والتي سرقت بسبب عدم التوثيق خاصة الحان ملا عثمان الموصلي والتي اصبح البعض منها شامية واخرى مصرية"، مبيناً "يتوفر لدى اصحاب المشروع مصادر تاريخية من كتاب عادل البكري الذي يعود تاريخه لـ(70)سنة، يثبت فيه عائدية بعض الالحان الى ملا عثمان".
ويوضح جمعة، أنه "سيستعين في الأرشيف الصوتي المرئي الموجود لدى بعض الأشخاص والمؤسسات الحكومية، وكذلك ما موجود من ارشيف يخص الموصل في الدول المجاورة واقربها هي تركيا وسوريا".
ويؤكد أن عملهم "لن يدخل في نزاع مع من سرق بعض الالحان وإنما سيتم حفظ ما هو متناثر وموجود ولو كانت في السابق ارشفة وتوثيق لما سرقت هذه الالحان، ولذلك من الضرورة هو التوثيق وعدم فسح المجال امام الغير للتجاوز على الخصوصية الثقافية الموسيقية العراقية".
ويتابع مجمود جمعة، أن "جامعة الموصل هي الشريك المحلي في المشروع التي وضعت خدماتها بالكامل لكل ما يحتاجه المشروع سواء من ارشيف المكتبة المركزية او مركز الدراسات او مكان للتصوير او قاعات لعقد المحاضرات".
ويكمل، أن "المشروع سيبدأ بدورة لتعليم المقام ستتضمن 24 محاضرة ستقدم لطلبة كليات الفنون الجميلة وكذلك المعاهد والهواة والموهوبين، وسيكون هناك تركيز على اغاني النساء ايضاً التي كانت تغنى في المناسبات الخاصة او التي تغنى في حمامات النساء واغاني المرأة الفلاحة وسيكون هناك كتاب صوري للاطفال والناشئة الذي يرسخ ثقافة المقام في عقولهم".
ويردف، أن "التراث العراقي مهم ومدرج على لائحة التراث العالمي وام الربيعين لها خصوصية في الغناء لذلك ان المشروع يركز للحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للموسيقى في نينوى، وان اعمال المشروع ستحفظ على المواقع الإلكترونية وتكون متاحة للباحثين والدارسين والمهتمين".
من جانبه، يقول مدير المشروع بريار باجلان في حديثٍ لـ(المدى)، إنه "قبل سنوات عملت مع فريق على مشروع تسجيل ألبوم غنائي كامل من جميع اقضية ونواحي نينوى وحتى مع النازحين في المخيمات، ومازال العمل به مستمرا"، مبيناً أنه "خلال عملية التسجيل لمست لدى الشباب رغبتهم في حفظ التراث الغنائي وان هناك محاولات منهم في عزف المقام ضمن حياتهم اليومية".
وبين بريار باجلان، أن "هناك منح مالية صغيرة للشباب لخلق اعمال جديدة مستوحاة من المقام"، مؤكداً أن "المشروع سيحتضن ايضاً ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير حضانة لأولاد النساء المشاركات في التدريبات".
إلى ذلك، تقول عضوة المشروع تهاني صالح خلال حديث لـ(المدى)، إنه "بعد نكبة الموصل اصبح هناك خوف من اندثار المقام الموصلي، لذلك فأننا كفريق سنعمل على إعادة إحياء الذاكرة الموسيقية خصوصاً في اذهان الجيل الحالي ومنح فرصة لهم للتعرف على هوية تراث الموسيقى في ام الربيعين".
في السياق، رحب قارئ المقام والموشحات الفنان عامر يونس عبر (المدى)، كثيراً بهذه الفكرة وأكد ان "المقام الموصلي بحاجة لهكذا خطوة توثق الاغنية الموصلية وتحميها من التجاوز عليها" مضيفاً أن "العمل سيساهم في تعريف المقام الموصلي وفنانيه على مستوى دولي وكذلك فرصة لخلق جيل جديد يكمل مشواره ومن معه من الفنانين".
ويكمل، أن "معاهد الفنون الحكومية فشلت في تخريج موسيقيين، لذلك أتمنى ان يتم إنشاء معهد خاص لتعليم المقام والتنزيلات والموشحات وسأكون اول المساهمين فيه".
من جانبه، يقول المايسترو محمد محمود خلال حديث لـ(المدى)، إن "المقام العراقي له ثلاثة انواع؛ البغدادي، الموصلي، والكركوكلي"، وبين ان "توثيق المقام مهم جداً ويحتاج الى أكاديميين متخصصين بدراسة الموسيقى النظرية"، وانه سيساهم بهذا "المشروع في كتابة النوتة ليستفيد منها الجيل الحالي والقادم".