طالب عبد العزيز
العالم ينحدر اخلاقياً، ويوماً اثر آخر تتكشف عورةُ النظم(الديمقراطية)أو عورة الغرب الليبرالي(راعي الأخلاق والمُثل عند البعض) أو كما تسلمناه، نحن في الشرق العربي، عبر أداتي الكتاب والسينما، ولسنا في وارد الحديث عن التشريعات الاخيرة الخاصة بالمثلية والجندر والحقوق الاجتماعية المنحرفة،
كما لسنا في وارد تأكيد ذلك أو التحقق منه، إنما، بصدد سبر غور تأثير ذلك علينا، نحن الذين تفككت أسوارنا، وبتنا بلا موانع اجتماعية او دينية او ثقافية، نحن الذين خُدعنا به، والذين لا نملك اليوم إلا همومنا بالتخلص من أخلاقياته وديمقراطيته، التي سوّقت الينا بوصفها المثال والخلاصة.
ابتدع الغربُ الليبرالي الديمقراطية، بوصفها النظام الامثل في الحكم، وسادت دوله بموجبها، فصرنا، نحن في الشرق نلهث وراءها، ناقمين على مؤسساتنا كلها، لأنها لا تريده لنا، وابتدع عصبة الامم، والامم المتحدة والمنظمات الملحقة بها، وسوقها لنا بوصفها المرجع الوحيد للحريات، وتحقيق العدالة، وحقوق الانسان والشعوب، في تقرير المصير، فعصبنا برأسها آمالنا وطموحاتنا في التحرر والعيش الكريم، وبنى الجيوش العظيمة، وصنع الاسلحة الفتاكة، وابتكر التكنولوجيا، فتعلقت حياتُنا وديمومتُها بهذه وتلك، مما صنع، وتسلح، وابتكر، حتى اعتقدنا بانه لا يبخل علينا بمعلومة، ولا يتوانى عن حمايتنا بشيء، وأننا سنغدو يوما مثله.
اليوم، وبعد أحداث غزة وانكشاف لعبة الديمقراطية وحقوق الشعوب في تقرير المصير، وتعري انظمته أمام الشعوب الاوربية قبل غيرها، وخروج الملايين منهم لنصرة غزة والقضية الفلسطينية والحق العربي، نجد انفسنا أمام نقطة فارقة ومفصلية في مستقبلنا مع العالم كله، إذْ تقف شعوبنا في الشرق العربي الاسلامي متفرجةً، كأنها لم تحسم أمرها بعد، وأنَّ اسطورة الديمقراطية والحريات مازالت قائمة في رؤوسنا حتى اللحظة تلك. وفي مقارنة بين زحف شعوب أوربا لنصرة غزة وصمت الشارع العربي المسلم نشعر بأننا أفرغنا تماماً من شحناتنا في الانتماء الوطني والدينيي والثقافي والانساني والتصدي، وأنَّ قيوداً لا فكاك منها تكبلنا، ولن نقوى على الخلاص منها، ما أوتينا من قوة، ولوبحثنا في الاسباب لوجدنا العشرات منها ليس أقلها الاعتقاد بديمقراطية الغرب الليبرالي.
ترى، هل في ذلك حنين الى الديكتاتورية؟ وهل في ذلك جلد للذات؟ بعد الاحداث التي تلت نهاية نظام حكم صدام حسين وظهور القاعدة والمليشيات المسلحة وتعدد الاحزاب وكثرة زعماء الطوائف وما اعقب ذلك من قتل وسرقات وخيانات وتفتيت للحمة الوطن وتمزيق الهويات وو.. سمعت سرمد الطائي يقول: يبدو أننا بحاجة الى دكتاتورية حميدة! جملة حادة جداً. لكن، حين نتصفح تاريخنا العربي الاسلامي نقع على ما يشبه التوصيف هذا، وحين نستعرض الانظمة، غير الديمقراطية في بعض الدول اليوم نقف على بعض ضالتنا. الآن، وبعد أكثر من عشرين سنة على هبة أمريكا للعراق بأن يصبح دولة ديمقراطية، وبعد كل ما حصل وتاسس وتفاقم وانفجر واتى بخرابه على الجميع.. هل نقول بأنَّ ما كنا نحلم به وناضلنا من أجله وتطلعنا اليه كان يصبُّ في صالحنا، كشعب وأمة، أم أنَّ دكتاتورية حميدة خير من ديمقراطية غربية؟
لا أريد أن أمتدح الاسس والقواعد التي قامت عليها الانظمة في العراق والشرق، فهي معلومة بسوئها لدى الجميع، ولم أجد في ديمقراطية الغرب الليبرالي المثال والطموح ايضاً، لكنني، ربما وجدتُ في حكومة ابو جعفر المنصور وهرون الرشيد ونوري السعيد، وفي عبد الكريم قاسم، والحبيب ابو رقيبة وحافظ الاسد والملك الحسين وصدام حسين ربما، ومحمد بن راشد، ومحمد بن سلمان، والكزاندر بوتين واوردغان وآخرين في بقاع المعمورة ما هو افضل من كذبة ديمقراطية الغرب الليبرالي.