TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ما وراء السطحية: الكشف عن هشاشة معتقداتنا

ما وراء السطحية: الكشف عن هشاشة معتقداتنا

نشر في: 24 مارس, 2024: 10:55 م

د. فاطمة الثابت

"تبدأ معرفة الله بمعرفة النفس ومكانها الادنى وهذا هو الطريق.. والصراط.. والمعراج الذي يبدأ منه عروج السالكين في هجرتهم الكبرى إلى الحق "مصطفى محمود..

بينما نبحر في تعقيدات الإيمان في عصر يتسم بالتنوع والانحرافات المجتمعية، يصبح من الضروري بشكل متزايد الشروع في رحلة من التأمل والاستقصاء، من خلال استكشاف تقاطع الإيمان والعلم والمعتقد من خلال عدسة علم الدين المعرفي وسوسيولوجيا الدين، يمكننا الكشف عن رؤى عميقة تعمق فهمنا للروحانية وترشدنا للكشف عن سبر غور تجربتنا الدينية.

حيث يشير كيلي جيمس كلارك في كتابه " الله والدماغ: عقلانية الاعتقاد" من خلال "قراءة لتجارب الاقتراب من الموت، مروراً بالجين المسؤول عن الدين، ووصولاً إلى ما سمي بخوذة الله، يتتبع الكاتب، تطور البحوث العلمية فيما يتعلق بالاعتقاد، كما أنه يقف مع التفسير التطوري لنشوء المعتقد الديني، ويكشف قصور كل ذلك، سواء فيما يتعلق بنظرية التطور، أو بعض النظريات الفلسفية التي كانت بمثابة سند لتلك النظرية، ويركز دوماً على مسألة مهمة، وهي من الذي يسبق دوماً، الدليل أم الإيمان؟ بمعنى هل جميع المعتقدات التي نمتلكها، والمعلومات سواء فيما يتعلق بالكون، بالناس من حولنا، بالعالم الشاسع، بكمية هؤلاء الناس، هل كل هذا نملك عليه حججاً قاطعة، أم أننا في جزء كبير من كل ذلك نعتمد على التصديق فقط، من غير دليل، وهذا التصديق مبني على مسألة أساسية وهي الثقة"، يهدف هذا العنوان والهيكل إلى التقاط جوهر استكشافك للعلاقة بين الدين والمعتقد والبحث العلمي، ويقدم رؤى وإرشادات مثيرة للتفكير للتغلب على تعقيدات الإيمان في العالم الحديث، تجبرنا رؤيته على مواجهة محدودية معرفتنا وهشاشة يقيننا، وتحثنا على اعتناق غموض الإيمان بينما نبحر في مياه الحداثة المضطربة.

عندما نتأمل كلمات كلارك والأسئلة العميقة التي يثيرها، نتذكر التشابك المعقد بين العقل والوحي، والدليل والحدس، في هذا المشهد المتغير باستمرار من الإيمان والفهم، نحن مدعوون للشروع في رحلة اكتشاف الذات والبحث - رحلة تبدأ بمعرفة الذات وأدنى مكان لها، وتصعد نحو الحقائق المتعالية التي تغرينا في طريقنا الى الهجرة الكبرى إلى الحقيقة.

وفي هذا الصدد نعود لنتفحص صدى السلوكيات الاجتماعية والروحية التي تعكسها مواقع التواصل الاجتماعي في شهر رمضان وهيكلية المعتقد الديني، حيث تبرز لنا " أزمة الاعتقاد " كيف أفرغ هذا الطقس الروحي من محتواه وملئ بسباق درامي واستعراضي مقيت حيث الدراما الرمضانية المدجنة بسيناريوهات تعبر عن تفاعل معقد بين الرموز الدينية والتوترات السياسية والاعتبارات القانونية ومع ذلك، مع تشابك هذه العناصر بشكل متزايد، أصبح التمييز غير واضح، مما تركنا مشوشين والتي لاتقل مقتاُ عن الطقوس الفيسبوكية والاستعراض بالشهر الكريم، وهذا يدعونا لتفحص مسائل الاعتقاد وفروض الايمان، خاصة بعد عن عرج المسجد كمؤسسة دينية رمزية عن تشكيل دور مؤثر في هذه الاجواء الروحانية ليتحول المشهد برمته الى مجالس للطعام والبذخ والاستعراض.

ومن منظور اجتماعي، يعكس هذا الاتجاه تحولات أوسع في القيم المجتمعية وتسليع الالتزام الديني، ويؤدي تآكل الهياكل الدينية التقليدية إلى ظهور أشكال جديدة من التعبير والجماعات، وغالباً ما يتم ذلك عبر المنصات الرقمية ومع ذلك، فإنه يثير أيضًا تساؤلات حول صحة وعمق التجربة الدينية في مجتمع يزداد سطحية ويحركه الاستهلاك.

فإن تشابك الدين والمعتقد يوفر رؤى جديدة، ويدعونا إلى إجراء فحص نقدي للقوى التي تشكل حياتنا الروحية والأعراف المجتمعية من خلال التحليل الاجتماعي، يمكننا كشف تعقيدات الإيمان في العالم الحديث، وتسليط الضوء على ديناميكيات تكوين المعتقد والتعبير عنه في مشهد ثقافي دائم التطور.

وفي ظل هذا التشابك بين المعتقد والاجتماعي والسياسي دعونا نتساءل عن كيفية بناء المعتقدات؟ يعتبر الأيمان هو حجر الزاوية في الأدراك البشري وهو قوة عميقة تشكل تصوراتنا وقراراتنا وأفعالنا، ومع ذلك تحت قشرة اليقين تكمن شبكة من نقاط الضعف، وتنشأ هشاشة المعتقد من التفاعل بين العوامل النفسية والاجتماعية والوجودية، الإيمان في جوهره هو بناء معرفي يزود الأفراد بإحساس بالمعنى، والتماسك، والقدرة على التنبؤ في عالم فوضوي، من الإيمان الديني إلى الأيديولوجية السياسية، توفر المعتقدات إطارًا لفهم الواقع والتعامل مع تعقيدات الحياة ومع ذلك، فإن هذه الوظيفة بالذات تجعل الإيمان عرضة للتآكل عندما يواجه أدلة متناقضة، أو روايات متنافسة تعكس أزمات سياسية، أن فهم ديناميكيات هشاشة المعتقد يقدم نظرة ثاقبة لتعقيدات الإدراك البشري وتحديات التنقل في عالم تعددي، إن احتضان هذه الهشاشة بالوعي والتسامح يمكن أن يمهد الطريق لفهم أعمق، واحترام متبادل، ومرونة فكرية في السعي وراء الحقيقة والمعنى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram