طالب عبد العزيز
سأنتصر للاستاذ في كلية الحاسوب بجامعة البصرة، لا لأنه ظهر في مجموعة صور مع بعض المشايخ والمعممين، ولا لأنه مرشح جماعة الاطار، ولا لأنه استاذٌ، متفوق، وعالم في اختصاصه، ولا لأنَّ سيرته، بحسب ما روى البعض من معارفه لم تكن بالصورة التي آل اليها، ولا لأيِّ شيء آخر..
إنما لأنه انسان!! مخلوقٌ من عصب ومشاعر وأحاسيس وضع في الاختبار فلم يقدر على اجتيازه، وخانته آلة التدبير، ولم ينظر في كتاب المستقبل، ومن منّا لم يخضع لهذه وتلك، ولا أقصد فتنة النساء، إنما حالة الغفلة والضعف الانسانية. وأيّنا لم يغفل ولم يضعف ولم يغب عنه ما هو جوهريٌّ في حياته.
شخصياً لم اتوقف طويلاً في الصور التي عرضت حاله، ولن أقف على الاسباب، فهذه شؤون خاصة، وهي وقائع لم يمسك بأعنتها الكثير من الفرسان، من الذين يدعون الرفعة والنبل والامانة في الحياة والوظيفة اليوم، ولن تكون أكثر وقعاً مما تتعرض له البلاد على ايدي نور زهير وأحمد شايع وسعد العلاق و سعد معن وغيرهم الكثير. هل ذهبتُ الى تبرير الواقعة؟ ابداً، فمجتمع يربو على الأربعين مليون إنسان نجد فيه ما لا نجده في الروايات وافلام الاكشن حتى، لكنْ، وبعيداً عن كل النفاجات والادعاءات هل يتحمل الاستاذ وحده وزر ما قام به؟
أعتقد بانهُ كان ضحيّةَ مجتمع خربٍ، تنخره قيم حقيرة خربة، وعادات قبيحة ومشؤومة، وتتحكم به اسوأ الشرائع والقوانين، ويتزعمه الفاسدون والفاشلون، الذي لم يفلحوا في تغيير بنيته الاجتماعية والقبلية والدينية التي هيأت السبل وشرّعت لأبشع طرق العيش، وقادت الى ما نقع فيه يوميا، ولم تحفظ لأنساننا كرامته، ولم تبحث في النفس وخلجاتها، ولم تأخذ بيد العاجز الى نجاته، ولا بيد الوضيع الى الكِبر والعلو، ولم تؤمِّر على الناس أشرافهم، ولم تعط المحتاج مسألته في الحياة، وابقت على ما تداوله أجدادنا قبل مئات السنين بوصفه المثال والانموذج في كل المفاصل، وهكذا وجدنا انفسنا خارج المقاييس في التربية والتعليم والاخلاق والعيش.
بموجب القوانين، لا تخرج واقعة الاستاذ ابعد من حدود التحرش، وكان بإمكان المؤسسة التربوية حسم ذلك، أو اللجوء الى القانون والركون الى الحكم فيه، فهي حادثة يتعرض لها الانسان في العالم، وبشكل يومي. كلنا يقرأ ويطالع في الاخبار حوادث مماثلة لها في ثقافات الامم، فيصار أو لا يصار الى المحاكم، وينتهي الامر، وهذه قضية لا تشغل الرأي العام، كما شغلتنا فهي تمر مثل مئات الوقائع الجنائية في المجتمعات المتوازنة، المحكومة بالقواعد والأسس وعلى وفق المقاييس التي راعت كل صغيرة وكبيرة. ما يحدث عندنا أنَّ قواعدنا المجتمعية والقانونية لم تنظر في الطبيعة الانسانية، ولم تصدر اللوائح الخاصة بها، بل أهملتها، وانصاعت الى ما يقوم به الشذاذ والقتلة والقبحاء في نظرتهم لملكات الانسان، وقد خسرنا المئات والالاف من مواطنيننا بسبب(أخطاء انسانية)رفعتها العادات والتقاليد الى مصافي الجريمة. وما هي بجرائم.
نحن ضحية مجتمع مازال يعيش بعقلية القرون الوسطى، يقوده الشيخ ورجل الدين والحاكم الضعيف، حيث الكلُّ يدّعي الشرف، وأيُّ شرف؟ هناك ثقبان يتحكمان في قضية الشرف بأجسادنا، أمّا الخيانة والسرقة والقتل وهدر المال العام وضياع الفرص وخراب الصحة والتعليم وفساد المؤسسات وووو فلا يندرج في قائمة الشرف، وهي من أفعال الإنسان التقليدية، فالبطل يسرق ويقتل ويتحرش ويزني ايضاً. والمجتمع والقانون ضامن له ذلك كله.
حين يضعف القانون لا يلقى باللوم كله على المجرم، وحين يفسد الموظف لن يكون هو المعني الوحيد في القضية، وحين يتجول اللص الكبير محمياً بين المصارف لن يكون سارق قطعة الحلوى لصاً.. وهكذا. قبل أن نوجه أصبع الاتهام الى الاستاذ يتوجب علينا البحث في الآليات تلك مجتمعةً. قليلون هم أولئك الذين تداولوا كلمة الامام علي:" لو رأيت الفضيحة بأم عيني لسترتها بردائي، فإن مذيع الفاحشة كفاعلها" وأقل منهم من يعمل بها، فلننظر بعين قلوبنا الى الذين يعانون الآن من هول ما وقع عليهم(الأستاذ واسرته واصدقاءه والبنت وأسرتها وقومها) وكل من يتوجع قلبه في مشهد انسانيّ كهذا. علينا أن نكون أقلَّ وحشيةً في غابة الظلم هذه، واكثر تهذيباً في حدائق ارواحنا الداخلية، إذْ كلّكمْ خطّاءٌ وابن خطَّاءٍ، من أبيكم آدم الى آخر تقيٍّ فيكم اليوم.