ثائر صالح
كان الرسم هو الوسيلة الوحيدة للتصوير قبل ظهور التصوير الفوتوغرافي في أربعينات القرن التاسع عشر. لذا كان على من يود الحصول على رسمه الامتثال للرسام دون حركة لساعات ولعدة جلسات.
توفي بيتهوفن في سنة 1827، قبل ظهور التصوير الفوتوغرافي بعقود، لذلك توجد بورتريهات قليلة لبيتهوفن رسمت أثناء حياته وأخرى رسمت بعد وفاته استنادا إلى الأولى. من البورتريهات المعروفة ما رسمه يوزف فيليبرورد ميلر (1778 - 1860) سنة 1804 / 1805، وآخر يعود إلى العام 1815. لكن أشهرها هو ذلك الذي رسمه كارل يوزف شتيلر (1781 - 1858) سنة 1820.
عُرف عن بيتهوفن صعوبة مراسه وقلة اكتراثه بمظهره، وكان يرفض الجلوس أمام الرسامين، غير أنه وافق على طلب أصدقائه فرانس برنتانو وزوجته أنتونيا للجلوس أمام شتيلر. ولربما يعود السبب في هذا التنازل إلى مشاعره تجاه أنتونيا، حسبما يعتقد بعض المؤرخين. لم يحتمل بيتهوفن لأكثر من أربع جلسات بين شباط ونيسان 1820، فأكمل شيلر البورتريه من الذاكرة. نرى بيتهوفن جالساً ماسكاً بيده اليسرى مسودة قدّاسه (ميسا سولمنيس) وقلم الرصاص بيده الأخرى، ناظراً إلى البعد غائباً بأفكاره وكأنه يبتدع عملاً موسيقياً من أعماله العظيمة وهو في الطبيعة الخضراء رمز الحركة الرومانتيكية. ارتدى بيتهوفن "روباً" أو معطفاً داكن وقميصاً أبيض نظيفاً ووشاحاً أحمر جميل، شعره مرتب على غير ما عرف عنه، فهو شخصية صعبة ومزاجية وحتى كريهة. وقد عرف عن شتيلر إضفاء ملامح جميلة على صور زبائنه، وهو ما جعله مفضلاً عند ملوك بافاريا، فقد كان رسام بلاط بافاريا.
اقتنى البورتريه فيلهلم شبور (أخو الموسيقي الشهير لويس شبور)، وورثته عنه ابنته روزالي بعد وفاته في 1860. بدورها باعته إلى هنري هنريخسن صاحب دار النشر الموسيقية الشهيرة بيترس وذلك سنة 1909. ما حصل بعد ذلك هو قصة تكررت كثيراً: اقتحم النازيون مكتب دار النشر في لايبزيج في ليلة الكريستال عام 1938 وأخذوا معهم كل النفائس، وأهمها هذه اللوحة التي تمثل الموسيقار الألماني الأعظم عند هتلر (إلى جانب فاجنر)، أما هنريخسن فقد انتهى به الأمر في معسكر اعتقال آوشفيتس وقتل في 1942.
الجزء النادر والمثير من القصة هو أن فالتر ابن هنريخسن كان يقيم وقتها في نيويورك لإدارة فرع دار النشر هناك، وعاد مع الجيش الأمريكي في نهاية الحرب كضابط خبير في الشؤون الموسيقية. حاول إعادة الحياة لدار النشر في لايبزج إبان احتلال الأمريكان لها، لكنه اضطر لتركها بعد تسليمها للجيش السوفيتي، فجرى تأميمها وواصلت رسالتها في ألمانيا الديمقراطية. لكنه نجح في استعادة البورتريه مع جزء من ممتلكات أبيه من اللوحات التي رسمها كبار الفنانين الألمان من القرن التاسع عشر، ونقلها إلى نيويورك.
بقي البورتريه في نيويورك لغاية سنة 1981 عندما باعه فالتر إلى متحف بيتهوفن في بون في ألمانيا ليصبح أحد أهم معروضات المتحف الموجود في البيت الذي ولد فيه الموسيقار قبل 254 سنة.