TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الأثر البالغ للاعلام في تحوير الأحداث

الأثر البالغ للاعلام في تحوير الأحداث

نشر في: 2 إبريل, 2024: 11:27 م

رزاق عداي

فيلسوف انسانوي كبير مثل - جان بول سارتر- الذي اّزر الكثير من قضايا الاستقلال والتحرر للبلدان العربية ، وفي مقدمتها مساندته ثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي ، ووقف بالضد من الاتجاهات الشوفينية والعنصرية المتفشية في صفوف الجيش الفرنسي في اواخر الخمسيانت ومطلع الستينات ، مما جعله يقف قبالة الرئيس الفرنسي - شارل ديغول - متحدياً ويتقدم التظاهرات التي تعاضد استقلال الشعب الجزائري .

باستثاء القضية الفلسطينية التي ظلت غائمة ومشوشة في فكره مواقفه ، وفي معرض تفسيره لموقفه الذي عبر عنه في مقابلة له في احدى لقاءاته لمجلة عربية ذهب بعيدا في التاريخ ليؤسس موقفاً راهناً ، لا يتطابق مع الوقائع ، فهو مثلا يعتقد ان الغرب هو المسؤول عن الشتات الذي تعرض له ما سماه بالشعب اليهودي ، وعليه فالمسؤولية التاريخية الاّن تظل على عاتق الغرب في ايجاد وطن لهم ، وهذا الكلام والموقف ينبني على تاريخ قديم هو لا ياْخذ بعين الاعتبار الكيفية الذي التي تشكلت عليها الدولة الاسرائيلة !! ، التي تاْسست على انقاض تشريد شعب فلسطين ونكباته المستمرة .

وظل العديد من مثقفي الغرب يقع اليوم بين كماشة الاعلام والبروعندنا الاسرائيلية لغاية الساعة ، فمفكر الماني كبير مثل -يورغن هابرماز- يقع تحت تاْثير نفس السردية التي شوشت رؤية سارتر وجعلته اسير متون خرافات تاريخية متجاهلا حاضر اّلام ومعاناة شعوب اخرى ، هابرماز يعتبر الفيلسوف الالماني المعاصر على قيد الحياة ، صاحب مشروع الحداثة غير المكتملة ، جاء موقفه الاخير ازاء احداث (غزة ) متطابقا مع الموقف الاسرائيلي ، حيث اصدر بياناً في 13 نوفمبر الماضي برر فيه الرد العنيف والغير طبيعي من قبل اسرائيل بذريعة (الاخلاق الديمقراطية لاسرائيل ) التي تستند الى ثقافة سياسية !! ،ترى ان لاسرائيل حق الوجود بصفة مركزية نتيجة لجرائم النازية ، دون ان يولي اي اهتمام للشعب الفلسطيني ومعاناته ، وفكرته هذه تنتقى تحت ياْثير الدعاية الاسرائيلية منفصلة عن تسلسلها وبعدها التاريخي كقضية لا تخص الشعب الاسرائيلي فحسب انما شعوب المنطقة مجتمعة .

موضوعة الارهاب التي تتقدم موضوعات الفلسفة بعد حادثة 11ايلول عام 2001 ، يستثمرها الاعلام الاسرائيلي عبر وسائله التي توصف بانها تتفوق على اعلام البلدان العربية مجتمعة ، فبقدرته على اقتتطاع ما يحلو له من الاحداث والاخطاء حتى تبدو قريبة من الاهداف المراد تحقيقها .

هذه الاشكالية كان على الاعلام العربي والفلسطيني حصراً ان يتصديا لها بهمة كبيرة ، لان من شاْن الاعلام وتطوراته المتمثلة في ثورة التواصل الاجتماعي الهائلة ان تقلب الحقائق ليست التاريخية البعيدة فحسب ، بل وحتى الراهنة ...وهذا لا يقتصر على فيلسوف فرد او مجموعة مثقفين على مستوى العالم ، فهو يصح وينطبق على الدول والكيانات ، فماذا نفسر انحياز الموقف الاخير لدولة ( الهند ) الصديقة القديمة للعرب !!! وللقضايا العربية في موقفها الراهن الى جانب اسرائيل في احداث مدينة (غزة ) الجارية هذه الايام ، ولكي يدخل رئيس وزارائها ( ناريندار مودي ) التاريخ ليدشن اول زيارة له الى للدولة (اليهودية ) ! اسرائيل في عام 2017 ، فاذا جمعنا المصالح الاقتصادية المستحصلة للهند مع البلدان العربية ، تفوق لعدة مرات ما يمكنه الحصول علية عبر علاقاتها الودية مع اسرائيل .

هذه الظاهرة لفتت انظار الكثير من الدارسين المختصين في مجال الاعلام والمعلومات ، فالكثير منهم يتفقون، ان التاْثير الاعلامي والمعلوماتي بات يوازي الفائدة والجدوى الاقتصادية ا او يتفوق عليها في الفترة الاخيرة بواقع الثورة الهائلة في استخدام الوسائل التواصل الجديدة الجديدة. .

وعود الى بدء, نتساءل افتراضاً: ماذا كان يمكن لسارتر أن يقول لو كان ما زال حياً اليوم؟ وشاهد المجازر التي تحدث هذه الايام في مدينة (غزة)، ؟ على أي حال ليس ثمة فرصة للاحتمالات، بالنسبة لأولئك الذين كانوا يتتبعون التزامات سارتر القديمة، كان من الممكن جداً أن يغير موقفه تجاه إسرائيل، وخصوصاً بعد مجازر "صبرا وشاتيلا"، ويمكننا الذهاب أبعد من ذلك لنقول إنه من أجل تماسك بقايا الفكر السارتري، ونظراً لمعطيات المشكلة، كان من الممكن أن يتخذ موقفاً أكثر وضوحاً وأكثر التزاماً، وبالتالي أكثر واقعية، كما كان من الممكن أن يفعل في ظروف سياسية واجتماعية أخرى. بكلمة، يمكننا القول إن موقف سارتر حول الشرق الأوسط هو المثال النموذجي عن التباس أخلاق الالتزام الفردي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram