علاء المفرجي
احتاج عادل إمام، في بداية مسيرته الفنية، إلى أكثر من خمسة عشر عاماً، كي يظفر بالبطولة المطلقة. هذا تاريخ طويل، إذا قورن بمسيرة أي فنان. مع تخرّجه حديثاً من كلية الزراعة في جامعة القاهرة، وكان يبلغ 23 عاماً، ويحلم بالدخول إلى عالم الفن،
بعد تقديمه أدواراً كثيرة في الجامعة كهاوٍ، حانت الفرصة، أي الخطوة الأولى في رحلةٍ امتدت أكثر من ستين عاماً في التمثيل، عندما عمل مع اثنين من أشهر ممثلي الكوميديا في مصر حينها: فؤاد المهندس وشويكار. حينها، لفت النظر إليه في دور دسوقي أفندي. ورغم وجود ممثِّلَين لهما خبرة طويلة في الأداء الكوميدي، استطاع تقديم شخصية متفرّدة في الكوميديا، أضْحَكَت الجمهور، بشكل لا يقلّ عن أداء الممثِّلين الكبيرين، في مسرحية «أنا وهو وهي» (1963)، للمهندس ونور الدمرداش.
أفصح إمام، منذ البداية، عن موهبة ممثل كوميدي متفرّد. لكنّه لم يتخلّص من أسر الأدوار الثانوية، التي استمرّت معه إلى أنْ حصل على البطولة المطلقة، منتصف سبعينيات القرن العشرين، في مسرحية «مدرسة المشاغبين» (1971) لجلال الشرقاوي، التي عُرضت أكثر من أربعة أعوام، والتي لم تُقدّمه كممثل مقتدر فقط، بل قدّمت معظم زملائه فيها أيضاً. تجلّت موهبته في أول أدواره، لأنه استطاع استبطان هذه الشخصية، فقدّم أداء كوميديا لا يزال في ذاكرة الجمهور، رغم أنه لم ينل تعليماً أكاديمياً في التمثيل وشروطه، فما بالك بتمثيل الأدوار الكوميدية. لم يلجأ إلى الوسائل التي يستخدمها الممثل الكوميدي عادة لإثارة الضحك، فضلاً عن اعتماده أسباب الضحك، كالمبالغة والتكرار والنكتة والتورية، وغيرها. كأنّه فطن بحسّه الفني أنّ الاعتماد دائماً على أيّ وسيلة من هذه الوسائل يُمكن أنْ يخلق منه ممثلاً نمطياً. اعتمد محاكاة الهيئة الخارجية للشخصية التي يمثّلها، وتشمل الصفات الجسمانية والصوتية والسلوكية، فساهم في خلق روحٍ كوميدية في شخصية دسوقي مثلاً.
هذا النهج اعتمده عادل إمام دائماً، لكنْ بتنويعات مختلفة، في أدواره كلّها، حتى آخرها، قبل إعلان اعتزاله. فـ»أهمّ ما يجب أنْ يُلفت نظرنا في عنصر إثارة الضحك، أنّ هذا العنصر يجب أنْ يكون إنسانياً»، كما يرى هنري برغسون.
قدّم إمام شكلاً جديداً في كلّ دور يؤدّيه. فهو في «مدرسة المشاغبين»، غير ما هو عليه في «الهلفوت» (1984) لسمير سيف. في «الإرهاب والكباب» (1992) لشريف عرفه ليس كما في «طيور الظلام» (1995) لعرفه أيضاً، وفي «الزعيم» (1993) لعرفه، ليس كما في «شاهد ما شافش حاجة» (1976) لهاني مطاوع. هكذا في أغلب أعماله أيضاً.
في الأفلام المتعلّقة بالإرهاب، قدّم نموذجاً للممثل الكوميدي، الذي استطاع بأدائه تعرية الإرهابيين بالسخرية والتهكّم. هذا ظاهر في ثلاثة أفلام تناولت الإرهاب كحبكة رئيسية: «الإرهاب والكباب»، و»الإرهابي» (1994) لنادر جلال، و»طيور الظلام». إضافة إلى تضمين أفلامٍ كثيرة له هذه الثيمة. مُبهِرٌ أداؤه شخصية الإرهابي، خاصة في «الإرهابي»، الذي يُعدّ أكثر أفلامه موضوعية في هذا الجانب، ففيه اعتمد أسلوب تعامل الجماعات التكفيرية مع الذين ينضمّون إليها، وأسلوب حياتهم، مُقدِّماً هذا كلّه على خلفية أعمال العنف التي قامت بها هذه الجماعات، في مصر خاصة.
يُشار هنا إلى أنّ أفلاماً كثيرة لم تتمكّن من إظهار الصورة الحقيقية لهذه الجماعات، خاصة الأميركية منها، إذْ جرى تناولها بشكل سطحي، وأحياناً بشكلٍ كاريكاتوري غير مُقنع، وعلى طريقة هوليوود في تنميط صورة العربي والأفريقي في السينما، إذْ تُشوّه صورتها في كلّ فيلمٍ تقريباً، في القرن الماضي. بحسب جان ـ لوي كومولّي، رئيس التحرير السابق (1966 ـ 1971) لـ»دفاتر السينما» (مجلة سينمائية شهرية فرنسية)، في كتابه «داعش، السينما والموت»، فـ»في السينما، هناك عقد ضمني بين المُخرج والمُشاهد: ضرورة التصديق فيما هو مُشابه للواقع». هذا شرط أي عرض تمثيلي، خاصة السينمائي.
لم يمارس إمام، في هذه الأفلام، دوره كممثل فقط في فضح أساليب هذه الجماعات، إذْ مارس الأسلوب نفسه في حياته العادية، عندما قدّم «الواد سيد الشغال» (1985)، لحسين كمال، في محافظة أسيوط، ليومين اثنين، مجاناً، تضامناً مع فرقة مغمورة من هواة المسرح، أسّسها شباب في قرية «كودية الإسلام»، اعتبرتهم الجماعات المتطرّفة من المرتدين، وحاولت منعهم من تقديم عرضهم المسرحي بالقوة، فقتل اثنان اعتُبرا شهِيدَي الفن، وأصيب آخرون.