عامر مؤيد
توفي الموسيقار والملحن الكبير كوكب حمزة، مساء امس الاول الثلاثاء، في أحد مستشفيات الدنمارك عن عمر ناهز ال80 عاماً.
وبحسب المقربين منه فإن الراحل “أبو أسامة” نقل إلى المستشفى الاثنين إثر وعكة صحية طارئة ليلفظ أنفاسه الأخيرة مساء اليوم التالي. وكوكب حمزة من مواليد مدينة القاسم، في بابل، 1944، ولحن العديد من روائع الأغاني مثل: يا نجمة، والقنطرة بعيدة، ويا طيور الطايرة، وقدم العديد من الأعمال الغنائية والمسرحية، وقد ساهم في اكتشاف جيل بارز من الفنانين خصوصاً في البصرة حيث قاد هناك نهضة فنية مطلع السبعينات، وعايش ظهور مواهب رياض أحمد وفؤاد سالم وسيتا هاكوبيان، كما زامل كبار الملحنين العراقيين يومذاك، فضلاً عن دراسته الموسيقى على يد أسماء كبيرة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي.
كان الراحل مناضلاً في صفوف قوى اليسار وانتمى مبكراً للحزب الشيوعي، وتعرض للسجن والمطاردة، واضطر إلى البقاء في المنفى منذ عام 1979، حتى رحيله.
ونعت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام النيابية، امس الأربعاء، الفنان والملحن كوكب حمزة الذي توفي إثر وعكة صحية مفاجئة.
وقالت اللجنة في بيان لها : بأسف بالغ تلقينا نبأ رحيل الملحن كوكب حمزة الذي اشتهر منذ سبعينيات القرن الماضي بألحانه العذبة للمطربين العراقيين والعرب، والذي ترك الكثير من الأعمال الغنائية والمسرحية منذ بداية مسيرته الفنية والتي بقيت عالقة في الأذهان.
وتقدمت اللجنة إلى أبناء الشعب العراقي والملحنين وجميع الفنانين العراقيين وذوي الفقيد ومحبيه بالتعازي الحارة لهذا المصاب الجلل، سائلين الباري أن يتغمده بواسع رحمته.
وقد تصدر خبر رحيل الفنان الكبير مواقغ ع التواصل الاجتماعي حيث نعاه الكثير من الفنانين والمثقفين ، فقد كتب الفنان سعدون جابر: "لاتكفِ كل دموع الارض حزناً لغيابك ولاتتسع كل المعاجم اللغوية والحروف في رثائك، حسبك من دنياك انك عشتها شامخاً وغادرتها كنخلةٍ عالية، هذه صورة كوكب عندي على مدى السنين". واضاف جابر "مع غيابك ايها الكوكب يفقد العراق جزءً عزيزاً من ذاكرتة التاريخية الموسيقية وروحها المتنورة وعقلها المتجدد موسيقياً وثقافياً .رحل الكوكب وسيظل يحلم بعراقٍ ديمقراطي وكيف انهار امام عينيه الامل بقيام عراقٍ جديد ولماذا غنى لهذا الامل قبل اربعين عاماً امشي واكول وصلت والكَنطرة بعيدة".
ويضيف جابر جابر "نخسر مع غيابك وتخسر الموسيقى العراقية والعربية احد ابرز روادها الذين حملوا فكرها المستنير والمتميز والذي جعل من عطاءاته اضافة منيرة وجديدة لخطاب اللحن العراقي الجديد.. نم قرير العين ايها الحبيب فـ(الكَنطرة قريبة )".
الفنان سامي كمال والذي تشارك معه الفن والموقف والكلمة والنضال ضد نظام صدام حسين كتب بعد اعلان رحيل الكوكب "اخي ورفيق الدرب الطويل يصعب علي ان انعيك رغم انها محطتنا والتي لامهرب منها ولكنك فرد من العائلة ستظل باقيا بيننا بذكراك العطره باعمالك الفريدة.. سلملي على من ستلقاهم".
لُقِّبَ بـ"مكتشف النجوم" لِما قدمه من دعم لأصوات عراقية مميزة مثل حسين نعمة ورياض أحمد وستار جبار وسعدون جابر. كما اكتشف المطربة المغربية أسماء المنور من خلال أغنية "دموع إيزيس" عام .خلّف الراحل إرثاً موسيقياً غنيّاً ضمّ ألحاناً شهيرة مثل "يا طيور الطائرة" بصوت سعدون جابر و"يا نجمة" و"الكنطرة بعيدة". كما لحن لأصوات عربية بارزة مثل مائدة نزهت وفؤاد سالم وأصالة نصري وعبد الله رويشد.
عضو المكتب السياسي السابق للحزب الشيوعي د.حسان عاكف نعى كوكب حمزة بسرد قصة تجمعه معه حيث كتب "الزمان ربيع عام 1984 المناسبة سفرة الى الغوطة بمناسبة الاول من أيار، كان عددنا يتجاوز الثمانين، إنطلقنا بسيارتين كبيريتين من "منطقة المزرعة" في مركز دمشق متوجهين نحو بساتين الغوطة، أذكر ممن كان مشاركاً معنا في الرحلة من الفنانين والكتاب زهير الجزائري وعواد ناصر ومخلص خليل وابراهيم الحريري ورضا الظاهر وبلقيس السنيد وعشرات من الأصدقاء وعوائلهم. ومن السوريين كان معنا الكاتب ممدوح عدوان، الذي أتحفنا بعدد من النكات عن ”العراقيين“، وكذلك الفنانة السورية بشرى..
يسرد عاكف "فجأة ظهر شرطي مرور (بوليس سير) أمام السيارة من تحت ظل شجرة ضخمة وأوقفنا، وطلب من السائق النزول واللحاق به الى ظل الشجرة مع إجازة السياقة، لم يكن أمام السائق ما يفعله سوى الامتثال لـ”أوامر“ الشرطي. بادر عدد من الاصدقاء لمرافقة السائق".
طال انتظارنا في السيارة، نزل عدد آخر من الاصدقاء، بضمنهم كوكب حمزة والتحقوا بالوجبة الاولى من المفاوضين لأطلاق سراح ”الاجازة"، بقي الشرطي مصراً على موقفه بالسماح للسيارة بالذهاب بعد حجز اجازة السياقة. من جانبه السائق ومعه ”وفود المفاوضين“ يعتذرون و يتمنون عليه التساهل قليلا كي لا يحرمهم من يوم ممتع، لكن دون جدوى، فجأة نزل زهير الجزائري من السيارة والتحق بالمفاوضين، بعد دقائق عاد الجميع مع الاجازة والسائق غارقين في ضحك ومزاح متواصل.
وزهير حال وصوله إلتفت الى السائق وسأله:
- إنت سامع أغنية ”يا طيور الطايرة مري بهلي“ ؟
رد السائق متعجبا:
- كيف ما سمعها، مين بسوريا ما سامعها، وما بِيحبها ؟.
تأكد زهير من الوتر الحساس عند السائق وضرب عليه وهو يؤشر الى كوكب حمزة:
- شوف هذا الشاب، هو ملحنها، واذا تريد تتأكد أكثر ، العود بالسيارة وهسه نجيبه ويسمعك الاغنية.
إبتسامة إرتباك وإرتياح إرتسمت على وجه الشرطي، ولم يكن أمامه سوى أن سلم الاجازة للسائق وهو يرد مازحا على زهير:
- يا أستاز ياريت يصير أسمع ”الغنية“، بَسْ آنا في الواجب، بعدين أنا أصير المخالف ويخلوني بالحبس بمكان "شوفيركم"، يا عمي الله وياكو، إنتو باين عليكو ناس أوادم، والعرائيين على راسنا من فوء.
وزير الموارد المائية الاسبق حسن الجنابي اعادة مشاركة منشور كتبه عن كوكب حمزة حيث تضمن المنشور "لم تتح لي فرصة اللقاء به للاسف لكنه كان يرافقني في محطات حياتي كلها بفنه الراقي ووطنيته الخالصه وتضحياته وجمال روحه الواضحة على وجهه الصبوح". واضاف "في ظروف الحجر والعزلة بدا لي اني اكتشفه من جديد، بفنه الاصيل وأداءه المبدع وهو يخرج كلمات القصيدة الى فضاءاتها المدهشة، اضاف طارق هاشم من ذائقته الجميلة لمسات رائعة لكوكب حمزة فأخرج هذه القطعة المحببة التي بلغ عمرها الان اكثر من ربع قرن".
لكوكب محطات نضالية كثيرة منها في اقليم كردستان، حيث الكفاح المسلح ضد نظام صدام حسين وتم نشر صور له رفقة الانصار الشيوعيين في فترة بداية الثمانين. مع سقوط الدكتاتور، وبعد مرور سنوات على النظام الجديد بعد 2003 شرعت الاحتجاجات الاولى عام 2011 وفي احداها كان متواجدا كوكب حمزة، عن ذلك يذكر الصحفي بسام عبد الرزاق احد منظمي الاحتجاج حينها "محطات كوكب.. اغلاها في ساحة التحرير، عرفته من خلال "الكاسيت" الممنوع، قبل عام 2003، وبعد ان انقضت تلك المرحلة المسمومة باوجاعها، بدأ الرهان على ان تستقر "نجمة" كوكب حمزة في محطته التي أوصى القمر المسافر ان يقلل من فجيعته وخسائره بعودة تنهي تكدس الليل والهموم على قلبه".
واضاف؛ استمرت الفجيعة، و"فشلة الملهوف الذي لا يصل الى جنة أهله"، وانقضت تلك الطمأنينة، وانشطرت المحطات من جديد، وعادت النجمة خائبة، ولا نفع للوصايا والمناشدات التي اندلعت في روح كوكب لعقود طويلة.
وفي هذه المحطات الجديدة، تقاسمت مع هذا الكوكب ذكريات، يمكنني القول انها كثيرة واستثنائية، منذ أول عودة الى البصرة في مهرجان المربد، استمرارا بالاتصالات والانفعالات والغضب والزعل والتصالح، كثيرة هي وموجع سردها".
يذكر عبد الرزاق "اثمن تلك المحطات، جاءت بعد اندلاع احتجاجات 25 شباط عام 2011، وهي محطة غاضبة من قسوة ما وصل اليه العراق، وهو يعيد انتاج الحرمان وتوزيع العراقيين مرة اخرى على دول الشتات، جاء الكوكب ووقف معنا يهتف غاضبا من تكدس الحرمان في روحه، متضامنا معنا علّنا لا نعيد قصة اوجاعه التي عاشها مرغما".