اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > شخصيات عرفتها أغْنتْ عصرنا..المعمار والمنظّر روبرت فنتوري

شخصيات عرفتها أغْنتْ عصرنا..المعمار والمنظّر روبرت فنتوري

نشر في: 8 إبريل, 2024: 12:38 ص

بلقيس شرارة

لأول مرة أتعّرف على المعمار والمنظّر روبرت فنتوري في بغداد، عندما دُعي من قبل رفعة الجادرجي الذي عينّ مستشار أمانة العاصمة، ليقوم في تنفيذ المشروع الذي تبنته الأمانة آنذاك،

وهو إعادة تخطيط وبناء مدينة بغداد. أثناء وجوده في بغداد زار بعض الأبنية التي صممها رفعة في ستينيات القرن الماضي، بناية انحصار التبوغ وعمارة التأمين ومبنى اتحاد الصناعات، إذ كان فنتوري معجب بها.

كان لفنتوري شهرة عالمية عندما زار بغداد، وله أثر في توجيه العمارة، من العمارة الحديثة البحتة التي كانت تصمم في ستينات القرن في الولايات المتحدة، والبحث خلال تصميم عمارة تتجاوب مع خلفية المدينة الأمريكية. فكان له تأثير على العمارة في الولايات المتحدة خلال القرن الماضي. وهناك من يعتبره من أنه غيّر أتجاه العمارة، وخّلف تأثيره على المدينة التي سكنها من خلال محاضراته وتدريسه العمارة في جامعة بنسلفانية إلى تخطيطه الفضاء العام في المدينة القديمة.

إذ كان في طليعة ما يطلق عليهم اصطلاح ما بعد الحداثة/ Postmodernism. ولو إن فنتوري كان يفضل هجين من العمارة التي تجمع بين إلهام الماضي والحاضر بسياق محدد. وكان يفضل ان تعتبر أبنيته حداثة متصلة، وضد الذين يرون تصاميمه سلف الى حركة ما بعد الحداثة.

كما كان لكتابه الذي صدر عام 1966 بعنوان: التعقيد والتناقض في العمارة/ Complexity and Contradiction in Architecture، تأثير، وأصبح مرجعاً للمعماريين آنذاك، حيث يشير إلى عمارة معقدة متناقضة تعتمد على ثراء وغموض الخبرة الحديثة، بما في ذلك الخبرة المتعلقة بالفن. اصبح من الرموز المعمارية المهمة في الفضاء الثقافي العالمي. وكان في طليعة الثورة في التصميم وتصديع الصفوة ممن يدعون الحداثة. ومازال الكتاب ذو صلة وتأثير حتى بعد خمسين عاماً من صدوره، إذ يتكلم عن قيمة التنوع والاختلاف.

في عام 1967 تزوج المعمارية دنيس سكوت بروان حيث التقى بها في جامعة بنسلفانية عندما كان يدّرس بالجامعة. والتقينا بها عندما عشنا في الولايات المتحدة، ففي بداية عام 1983 سافرنا إلى الولايات المتحدة، وعشنا في مدينة بوسطن/ ولاية مساشوست، لمدة عشر سنوات، والتقينا مرات عديدة بفنتوري وزوجته دينس بروان سكوت. كان رفعة من المعجبين بكتابه التعقيد والتناقض في العمارة، وقد قرأه عندما صدر في نفس العام.

وعندما التقينا به كان رفعة قد انتهى من كتابه مفاهيم وتأثيرات، نحو عمارة محلية عالمية/ Concepts and Influences، فطلب من روبرت فنتوري ان يكتب مقدمة للكتاب.

كتب المقدمة فنتوري للكتاب في عام 1984، وذكر " ان هذا عمل عميق واسع النطاق... حيث يشمل اعمال المعمار خلال ستة وعشرون عاماً من العمارة المميزة في العراق والشرق الأوسط. كما يشمل اعماله التي يصف بها أزمة الكلشر والعمارة الموجودة في العراق وفي بعض أنحاء العالم الثالث. هذه الأزمة التي قام بتحليلها تضم التجاوزات التقنية ورموز الاشكال التي هي قاعدة العمارة والتي أصبحت متنوعة ومتناقضة بطرق غير واردة في التاريخ. هذا التحليل يقدمه الجادرجي بشكل قاطع مثير للمشاعر كجزء من تجربته لإظهار الإلتزام لعالمه. كما ظهر نتيجة لذلك، فإن تحليله على ما يظهر ملائم أيضاً وبطرق عدة إلى بقية العالم، أو ما يسمى بـ العالم الغربي، الذي هو عالمي. لهذا السبب فإنه عمل مهم، يجعلنا في النهاية، أن نقيمه كعمل بارز عالمياً لنقد العمارة في وقتنا الحاضر".

في نفس العام دعانا وزوجته، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في دارهم في فيلاديلفيا. كما كنا نلتقي بهما في المؤتمرات المعمارية، ونقضي وقتاً معاً، فزرنا مدينة فيلادلفيا عاصمة ولاية بنسلفانية عدة مرات، وكان روبرت فنتوري يرافقنا ويقوم بتعريف الأبنية المهمة في المدينة. ويقضي معنا وقتاً في زيارة المعالم المهمة في المدينة، فزرنا سوية المتحف الذي يحتوي على الآثار السومرية والبابلية، التي حصلت عليها البعثة الأمريكية في التنقيب عن الآثار في بابل عام 1920، كما زرنا أول بناية صممها، وهو دار لوالدته فانا فنتوري/ Vanna Venturi في عام 1964، كان يتكلم عن الدار بنوع من الاعتزاز، وقد أصبحت الدار مَعْلماً من معالم مدينة فيلادلفيا.

وفي عام 1987 اصبح رفعة عضوا فخرياً في مؤسسة المعماريين الأمريكيين AIA، وكان فنتوري هو الذي رشح اسمه، واثناء الإحتفال الذي أقيم في العاصمة واشنطن، قال له: تستحق ذلك منذ زمن، فقد تأخرت المؤسسة في ذلك.

وفي منتصف الثمانينيات أقيمت مسابقة عالمية للمتحف الوطني/National Museum، في لندن، وهو جناح سينزبري/ Sainsbury Wing، وقد اثار التصميم النقاش والانقسام في المجتمع البريطاني، كان من بين الذين انتقدوا التصميم بشدة الأمير شارلس، كما شارك عدد كبير من النقاد بنقد التصميم، لذا الغيت المسابقة، واقيمت مسابقة ثانية وكان من بين المعماريين الذين شاركوا فيها روبرت فنتوري الذي فاز بالمسابقة، وقام في تصميم الجناح، وحضرنا الإفتتاح، الذي افتتحته الملكة إليزابث عام 1991، حيث احتوت البناية على مجموعة صور فترة عصر النهضة/ Renaissance.

حاول فنتوري في تصميمه أن يكون التصميم امتداداً لبناية المتحف الذي صمم في القرن التاسع عشر، لكن بصبغة حديثة.

وفي نفس العام حصل فنتوري على جائزة العمارة Pritzker Prize، وهي جائزة تعطى عادة إلى المعمار تقديراً على أعماله وما أنجزه طيلة الحياة من تصاميم وأبنية. وتعتبر من أهم الجوائز التي تقدم في العمارة، كجائزة نوبل. وقد اعطيت له من دون اشراك زوجته دينس بروان سكوت. بالرغم من طلبه ان تشاركه في الجائزة، وحاولت بعض النساء ان تحصل دينس على الجائزة وذلك بإضافة اسمها، لكن المؤسسة رفضت، وقد شعرت دينس بخذلانها، وزاد شعورها بالغبن، وكنا نشعر من حديثها انها لم تُقدر أهميتها وانجازاتها المعمارية كزوجها لأنها امرأة، بالرغم من انها كانت شريكة فنتوري في المكتب. وكان فنتوري يقّدمها ويعطيها الأفضلية، لكنها ظلت تحس في أعماقها أن حقوقها كمعمارية مستلبة.

آخر مرة إلتقينا بهما في لندن عام 2004، كان بعد الحرب واحتلال العراق من قبل الجيش الأمريكي، حيث دعي من قبل المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين/ RIBA، لإلقاء محاضرة مع زوجته عن التصاميم المعمارية للمشاريع الأخيرة التي أحيلت عليهما. وبعد الإنتهاء من المحاضرة، التقينا بهما، وكان ممتعضاً من موقف حكومته، إذ كان ضد الحرب عندما أحتل الجيش الأمريكي العراق عام 2003، واعتبر الإحتلال مغامرة من قبل الرئيس بوش وإدارته تجاه العراق وشعبه.

إذ كان فنتوري إنساني، لا يؤمن بالعنف، رجل هادئ بكلامه، مؤدب دمث الأخلاق، والده من أصل إيطالي، ينتمي إلى جماعة الكويكرز/ Quakers. الذين هم ضد العنف، ويؤمنون بحل مشاكل العالم بصورة سلمية وليس عن طريق الحروب.

انقطعت العلاقة بيننا، بعد ان علمنا أنه أصيب بمرض النسيان/Alzheimer، حيث توفي عام 2018، أي عامين قبل وفاة رفعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram