د. فالح الحمــراني
يرى تقرير لمعهد الشرق الأوسط إن الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 22 آذار على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو، والذي تؤكد السلطات الروسية وقوف النظام الأوكراني وراءه، قلل من احتمالات حدوث انخفاض كبير في الوحدة الأمريكية المكونة من 2500 مستشار ومدرب عسكري لا يزالون في العراق.
وحسب قراءة التقرير فان الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة ستركز على مرابطة القوات الأمريكية، فضلا عن الجهود المبذولة لمنع المزيد من الهجمات عليها من الفصائل المسلحة غير النظامية.
ويرصد بانه وبينما يستعد رئيس الوزراء بزيارة مهمة لواشنطن يتوقع إن تجري في منتصف الشهر الحالي، تحاول حكومته إن تحدد مقارباتها من التيارات العديدة المستعرة في المنطقة، وتدعو إلى النأي بالبلاد عن التوجيه الأمريكي والأزمات الداخلية التي لا تزال مثارة بين مختلف القوى السياسية العراقية. ووفقا لخبراء أمنيين، فمن المتوقع أن يكون للسوداني جدول أعمال واسع خلال زيارته، بما في ذلك ليس فقط القضايا الأمنية، ولكن أيضا العلاقات السياسية والاقتصادية.
وعلى وفق التقرير فان العامل الرئيسي في الزيارة المرتقبة هو مواصلة المحادثات الأمريكية ـ العراقية بشأن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق. معيدا الأذهان الى أن الوحدة العسكرية الأمريكية تضم حاليا حوالي 2500 من العسكر الذين وفق تقيمه: يقدمون المشورة والتوجيه والتدريب للقوات العراقية التي تكافح التهديد الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي.
وأعلن مسؤولون عسكريون عراقيون وأمريكيون في كانون الثاني، أنهم سيجرون محادثات رسمية من خلال المفوضية العسكرية العليا الأمريكية العراقية الثنائية بشأن مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، ومن بين قضايا أخرى تأتي الخطوة بتقييم التقرير إلى تهدئة الوضع الداخلي في البلاد. وأضاف "يبدو أن البيان، الذي أشار ضمنيا إلى أن الولايات المتحدة ستوافق على تقليص وجودها في البلاد بشكل كبير، يعكس جزئيا محاولة الولايات المتحدة لحرمان التشكيلات المسلحة غير النظامية في العراق من الذرائع في استمرار الهجمات على القوات الأمريكية".
إضافة الى ذلك كما يرى التقرير أن موافقة الولايات المتحدة على النظر في الانسحاب أو تقليص حجم وحدتها، يهدف إلى طمأنة الشعب العراقي، المؤيد بشدة للشعب الفلسطيني وقضيته، ويدعم بشكل عام تحركات إيران المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل المناوئة لحرب الإبادة لسكان غزة المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023. و"رغم كما يبدو أن المسؤولين الأمريكيين قد يوافقون على تقليص كبير للقوات المسلحة في العراق، إلا أن تطورات الشهرين الماضيين ربما غيرت حسابات العراق، مما جعل الانخفاض الكبير في عدد القوات الأمريكية أقل احتمالا. وتعيد الحكومتان النظر فيما إذا كان تهديد داعش للعراق قد انخفض إلى حد أنه قد يتم إنهاء المهمة الاستشارية والتدريبية الأمريكية، أو حتى تقليصها بشكل كبير".. وأضاف " إن هجوم 22 آذار على قاعة الحفلات الموسيقية في ضواحي موسكو، والذي أعلنت داعش مسؤوليتها عنه، واسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصا، أجبر أجهزة المخابرات العالمية على إعادة النظر في تقدير درجة القدرات الإرهابية".
وفي معرض تقيمه لقدرات وإمكانات التنظيم الإرهابي الناشط في عدة مناطق في البلاد أشار إلى إن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا كان قد أفاد في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، في نهاية شهر آذار الى أنه ووفقا لتقديرات المخابرات الأمريكية، فما يزال حوالي 1000 من مسلح داعشي يقاتلون في العراق. ونوهه التقرير بأن الجدل حول قوة داعش في العراق وسوريا مازال قائما، ففي تقريره عن داعش للربع الرابع من عام 2023، أفاد مكتب المفتش العام لوزارة الدفاع: " إن داعش استمر في تنفيذ هجمات على المدنيين وقوات الشركاء العراقيين والسوريين وقوات النظام في سوريا"، لكن الحركة الإرهابية "... غدت غير قادرة على تنفيذ هجمات كبيرة ومعقدة على المستوى المحلي أو الخارجي، مع أن قوات التحالف زادت من تركيزها على حماية نفسها بسبب هجمات التشكيلات غير النظامية. ويصف التقرير المسلحين بأنهم يمرون في حالة صعبة في العراق وسوريا، مضيفا أن " عمليات مكافحة الإرهاب في العراق أسفرت عن احتواء تهديد داعش إلى حد كبير، رغم استمرار داعش في استغلال الثغرات الأمنية الناشبة، وشنه هجمات متفرقة، خاصة في المناطق الشيعية".
ويرجح التقرير أيضا أن يناقش رئيس الوزراء السوداني مع الرئيس جو بايدن ومسؤولين أمريكيين آخرين الوضع الداخلي، الذي يُفاقم مشاكل الحكومة الناجمة عن أنشطة تنظيم داعش، والجماعات التي تسعى إلى طرد القوات الأمريكية، ومحاولات قوى خارجية مجاورة للتأثير على البلاد، فضلا عن الصعوبات الاقتصادية.
ولا يستبعد التقرير أيضا أن يستخدم الرئيس بايدن ومسؤولون أمريكيون آخرون زيارة السوداني لتشجيع بغداد على مواصلة الضغط على الجماعات التي يقولون إنها مدعومة من دولة مجاورة والتي لا تزال قوية ومعادية للغاية للولايات المتحدة على الرغم من الهجمات الانتقامية الأمريكية على منشآتها. وأعاد في هذا السياق الأذهان إلى نتائج الزيارة التي قام بها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى واشنطن في نهاية آذار الماضي والتي هيأت لزيارة السوداني، منوها بقول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: إن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الأمريكي العراقي لا تتعلق فقط بالعلاقات الأمنية، بل أيضا بالعديد من مجالات التعاون الاقتصادي التي تعتبرها حكومة السوداني مهمة، بما في ذلك قضايا إمدادات المياه والطاقة وحماية البيئة وتوفير الخدمات. وقد استثمرت الشركات الأمريكية بكثافة في هذه القطاعات وغيرها من قطاعات الاقتصاد العراقي منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003. وفي إشارة إلى أن بغداد لا تريد تعريض الاستثمارات الأمريكية والمنافع الاقتصادية الأخرى للخطر، أكد وزير الخارجية العراقي أن بلاده لا تزال شريكا حاسما للولايات المتحدة، وقال إن بغداد بحاجة إلى مواصلة الجهود المشتركة مع الولايات المتحدة لبناء الاقتصاد العراقي. وعلى وفق تقيم التقرير "من غير المرجح أن تنأى بغداد بنفسها عن الولايات المتحدة بسبب الخلفيات الأيديولوجية وتستجيب للضغوط التي تمارسها بعض القوى في هذا الاتجاه". وخلص بالقول: " ولكن يبقى السؤال ما إذا كان العراق سيكون مستعدا أو قادرا على التحرك ضد التشكيلات المسلحة غير النظامية إذا استأنفت هجماتها على القواعد الأمريكية في البلاد".