ميسان / مهدي الساعدي
ارتسمت علامات الابتشار على وجه الحاج ابي قاسم، وهو يرى "مشحوفه" يطفو على مياه الهور مجددا بعد ان جثا على الارض خلال موجة الجفاف القاسية، ليعود يرشق عباب جانبيه "بغرافته" فرحا بعودة ماء هور الحويزة من جديد.يقول ابو قاسم صاحب ال59 عاما لـ(المدى)
"قررنا الرحيل بسبب الجفاف واللحاق بأقاربنا الذين سبقونا، لأننا فقدنا الامل بعودة الهور، ولكن رحمة الله ادركتنا في اللحضات الاخيرة". الامطار والسيول هبة من السماء حملت معها مفاتيح الحل الذي استعصى على ملف ادارة المياه بغمر المساحات التي جفت من اهوار ميسان ولم تكن سببا لسعادة ابي قاسم فحسب، بل اسعدت واسرت اغلب ابناء المحافظة، خصوصا المهتمين منهم بعودة الروح والحياة الى اهوارها.
يقول الخبير البيئي الميساني احمد صالح نعمة لـ(المدى) "تشهد اهوار محافظة ميسان انتعاشا جديدا منذ بدء الموسم الشتوي مرورا بموسم الربيع، وتحديدا هور الحويزة الذي شهد انتعاشا كبيرا جدا حيث وصل مستوى الاغمار الى اكثر من متر، ومستوى الاطلاقات المائية مستمر بشكل عالٍ اذ لا يزال نهرا الكحلاء والمشرح يرفدان هور الحويزة بواردات مائية كبيرة جدا، تتراوح بين 50 الى 60 مترا مكعبا بالثانية ابان الاسابيع الماضية، اما الان فقد ازدادت النسبة الى اكثر من 70 مترا مكعبا بالثانية وهذا يبشر بأزدهار هور الحويزة بشكل كبير، وان كان الجزء الجنوبي الشرقي منه والمتمثل بهوري العظيم والسودة يعانيان من نسب اغمار مائية اقل من بركة ام نعاج الواقعة في المنتصف". وزارة الموارد المائية بينت مطلع شهر أيار الجاري، ان موجات الأمطار التي ضربت مناطق البلاد عززت خزين العراق المائي بنسبة 10%.واوضحت الوزارة خلال بيان اصدره مكتبها الاعلامي وتابعته (المدى) أنه "شكّل هطول الأمطار خلال الفترة الماضية انفراجة نسبية للعراق الذي يعد من بين الدول الخمس، الأكثر تأثراً ببعض انعكاسات التغير المناخي في العالم"، مؤكدا ان "السيول الأخيرة القادمة من المنطقة الشرقية تمت الاستفادة منها في زيادة الواردات المائية إلى الأهوار في جنوبي البلاد". عودة المياه الى اهوار ميسان اعادت الامل الى ابناء القرى القريبة منها، بعد ان اعلنت مصادر غير رسمية عن جفاف آخر اهوار المحافظة مطلع شهر حزيران من عام 2022. واوضح مرتضى هاشم احد ابناء بركة ام نعاج في هور الحويزة لـ(المدى) أن "أثر عودة المياه إلى الاهوار واضح جدا على سكان القرى، بسبب انتعاش بيئتهم وعودتهم لممارسة فعالياتهم الحياتية، من حش نبات القصب وقطع النباتات المائية كأعلاف للجاموس بالاضافة الى صيد السمك".
هاشم ورفاقه من سكان الاهوار لم يخفوا خشيتهم من غزو شبح الجفاف اهوارهم مجددا لذا طالب بدعم منسوب المياه الى الاهوار لأجل ديمومتها منوها "وعلى الرغم من ذلك نطالب بتخصيص حصة مائية ثابتة للأهوار، ولا نريد لسيناريو الأعوام الماضية أن يتكرر هذا العام أيضا، ووصول الحال إلى عدم توافر مياه صالحة لتروي ظمأ الحيوانات العطشى ومن واجبنا أن ندافع عن بيئتنا وعن الطيور والأسماك وعن الجاموس، والأهوار والاهواريين". من جانبه، دعا محافظ ميسان حبيب ظاهر الفرطوسي الحكومة الاتحادية إلى الالتزام بإيصال الحصص المائية لمناطق الاهوار، وفقا لاتفاقية إدخالها ضمن لائحة التراث العالمي، وتخصيص حصة مائية منفصلة عن الحصة المائية المقررة للمحافظة لتحقيق الدعم للتنمية الاحيائية والبيئية في الاهوار. وجاءت دعوة الفرطوسي خلال جوله ميدانية اجراها برفقة معنيين من دوائر الدولة في المحافظة داخل هور الحويزة، للاطلاع على نسبة الإغمار التي وصلت إلى الهور بعد موجة الأمطار والسیول الغزيرة. وافاد في الوقت نفسه خلال تصريحات نقلها مكتبه الاعلامي وتابعتها (المدى) أن "محافظة ميسان عازمة على تطوير الاهوار وجعلها مرفقا سياحيا كبيرا، والمحافظة عليها كمحمية وطنية وتوفير البيئة المناسبة للسياحة في الاهوار وجذب السياح والزائرين والباحثين، والاهتمام بالسكان المحليين من أهالي الاهوار".
ينصب ابو قاسم شباك صيده كل يوم في الاهوار، وهو سعيد بعودة الروح اليها آملا ان تبقى تلك المياه التي تمثل عصب الحياة في مناطق واسعة جنوبي ميسان، لتكون مستقرا لأبناء جلدته.