محمد حميد رشيد
أي مستقبل ينتظر العراق بلا خطط اقتصادية واضحة وبلا مذهب إقتصادي (محدد يمكن أن يجنب العراق تبديد الموارد) ماذا ينتظر العراق وقد تراجع التعليم وزادت البطالة وزاد الفقر، ومع بقاء التهديدات الأمنية والإغتيالات السياسية وبات العراق ملعباً لصراع كل الدول الباحثة عن النفوذ فيه.
وهناك المشاكل السياسية الخارجية الحدودية (الحدود الإيرانية والكويتية على وجه الخصوص) وزيادة التلوث البيئي ؛ هذا فضلاً عن التحديات الحتمية المستقبلية منها إنخفاض الطلب على النفط الخام وإنخفاض أسعاره وزيادة الجفاف في العراق (وإنخفاض مستويات دجلة والفرات) والعراق مهدد بالتصحروأزدياد العواصف الرملية وزيادة الهجرة نحو المدن وزيادة الهجرة إلى خارج العراق وإنخفاض الناتج المحلي من الزراعة وزيادة الإعتماد على المستورد وتدني مستوى الإستثمار في العراق وهروب وتهريب رأس المال العراقي إلى خارج العراق .
هذا إضافة إلى التحديات الحضارية والتقدم العلمي المتسارع الذي يشهده العالم في كل مجالات العلوم الطبية والهندسية والإتصالات والنقل والصناعات التحويلية والزراعية. وما لم يفكر العراق بمواجهة هذه التحديات الحضارية والمشاكل المستقبلية فإن نظام المحاصصة (الطائفية والعرقية) الذي اثبت فشله وفساده (والذي يصرون على تذكيرنا به كل يوم) سياخذ العراق الى كارثة متوقعة لأنهم غير قادرين ولا مهتمين بمواجهة هذه التحديات لابد من قيام الدولة والحكومة من رصد كل هذه التحديات و وضع سبل مواجهتها فهل تسطيع الدولة والحكومة مواجهة كل هذه التحديات بنظام (محاصصة) وتغليب الأغلبية العنصرية وبهذه القيادات الحزبية محدودة التفكير وقليلة خبرة وبلا كفاءة والفاسدة وتغليب الولاء على الكفاءة ؟ وشغلها الشاغل الغوص في مجاهل التاريخ وظلماته وإعادة صياغته وحل كل المشاكل واللأوهام التاريخية وجزء مهم من إنتصاراته إقرار أيام “العطل والأعياد” وتغليب طائفة على أحرى وفرض مفهوم الأغلبية بشكل خاطيء إلى درجة “التغول” وظلم الأقلية بشكل عنصري وإقصاء الأقلية بينما تعني الأغلبية السياسية هي أغلبية برلمانية تتولى الدفاع عن مكونها إن تعرض للظلم أو التعسف وتكفل له “حرية” ممارسة شعائره ؛ حيث لا وجود للتمييز القانوني بين مواطن وآخر على أساس عرقي أو ديني وإلا تحول النظام إلى نظام عنصري ظالم وفاشل لأن القوانين والدستور لا تفرق بين مواطن وآخر!؛ عدى أن النظام الديني يكفل تتويج المقدس الديني وزيادته وفرض قداسته على الآخرين وفرضه على كل مجالات الحياة ويكفل أيضاَ تغويل فئة على أخرى! وبالنتيجة إقصاء “المشروع الوطني” الذي من أول أولوياته تحقيق العدالة بين المواطنين وعدم تمييز مواطن عن آخر على أساس ديني أو عنصري أو قومي أو جنسي أو ثقافي والكل سواء في الحقوق والواجبات فأما أن يكون هناك مشروع وطني يحكم العراق أو مشروع طائفي أو عنصري يحكمه ولا مزاوجة بين الوطنية والطائفية!وعلينا الإختيار.وإلا ما مصير من لا يؤمن بما لا تؤمن به الأغلبية هل ستفترسه الأغلبية ام يضطر للنفاق والانصياع خوفاً من قهرها وبطشها وهل هناك حقوق لفئة أو طائفة لا تملكها طائفة أخرى. وما هو مصير حقوق ومقدسات الطوائف الأخرى ؟!. لم ينجح المشروع الطائفي في تطوير البلد وتأمين إزدهاره وتحقيق نهضته الإقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية بل لازال يتوجه نحو زعزعة الوحدة الإجتماعية الوطنية ويخلق مشاكل وهمية طائفية وعرقية ودينية ويثير العقد التاريخية التي يمكنها إثارة النزاعات الإجتماعية وتقسيم المجتمع العراقي .
انتم وبحدود الدين الواحد أدميتم البلد بمآسي الطائفية وفرقتم بين أتباع الدين الواحد وتدعون الوطنية وتحاولون في خطبكم الآن أن تتملصوا منها رغم أننا لازلنا نعاني من قسوتها وغبائها بل وفشلتم في صياغة مشروع سياسي إسلامي كونكم طائفيين!
الضامن الوحيد من عبث السياسيين الطائفي والتهديد بالاغلبية الطائفية هو الوعي الشعبي (وليس السياسي او الحزبي) الذي يتقدم على الوعي السياسي ولقد ثبت لكل العراقيين أن السياسيين مهتمين بمصالحهم ومناصبهم ومواردهم الاشرعية أكثر من كل إهتماماتهم الوطنية! بل يعتقدون بأن ذلك تكليف شرعي مقدم على التكليف الوطني!
لكن هل الفكر الطائفي أو العنصري ضامن دائم ومستمر يمكنه أن يجنبنا الكوارث أم هو بطبيعته يخلق الكوارث؟ وهل يمكن ان يكون ضامناً في حال حدوث مؤامرة طائفية تهدد رمز ديني كبيير او رمز سياسي ديني له اتباعه ومريديه ؟!
أيها الإسلاميون الطائفيون هل من نهاية لهذا النفق الذي أدخلتم العراقيين فيه بل وحولتم “المشروع الإسلامي” في العراق إلى برميل بارود ممكن أن ينفجر في كل لحظة ليقتل ويهدم كل ما حوله ؟ ولماذا أرتبطت المشاريع الإسلامية بالعنف وكونها مستَفَزة ومستفِزة. وعلى كل الإسلاميين أن يجيبوا على سؤال وجودي : هل السلطة العليا للدولة “دينية مقدسة” ام هي “سلطة مدنية” قابلة للمحاسبة (ليست مقدسة). وإذا كانت سلطة دينية فكيف يمكن إنتاجها ؟ وهل تستطيع “الديمقراطية” في مثل هذه الحالة إنتاجها؟ وهل الشعب مصدر من مصادر التشريع ؟ وهل يمكن أن تنتج التيارات الإسلامية (دولة مدنية)؟! أم إن ذلك مستحيل وفق “الفكر الإسلامي”؟ وهل يمكن “أسلمة” المشروع الحضاري؟ وهل يمكن إيجاد مشروع سياسي إسلامي وطني غير طائفي؟
متى ما أستطاع الإسلاميون أن يجيبوا على هذه الأسئلة فإنهم يستطيعو أن ينتجوا دولة ولا دولة حضارية بلا عدل ومساواة (ولت الدول العنصرية وانقرضت). والغريب تناقض الإسلاميين مع القران الكريم وقول الله الذي أرسل الرسل ومعهم الكتب السماوية ليقوم الناس بالعدل حيث يقول الله عزوجل في قرآنه الكريم في سورة الحديد الآية 25:
((لَقَد أَر سَل نَا رُسُلَنَا بِٱل بَيِّناَتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ ٱلكِتَابَ وَٱلمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلقِسطِۖ وَأَنزَل نَا ٱلحَدِيدَ فِيهِ بَأ س شَدِيد وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَع لَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلغَيبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز)) .
لا حل إلا بالعدل والمساواة والقسط بين الناس ولن يكون هذا إلا عبر المشروع الوطني الذي يساوي بين الناس ويحكم بينهم بالعدل دون تمييز ديني أو عرقي أو جنسي أو ثقافي... ليعود العراق إلى ألقه وإلى عصور حضارته ونهضته وتعود بغداد الحضارة والجمال والعلم والتاريخ ويعود للعراق وحدته أرضاً وشعباً وثروات قوياً معافى ويكون به العراقيون أقوياء آمنون مرفهون .