اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > رواية (الدب) وطقوس الصيد والبرية

رواية (الدب) وطقوس الصيد والبرية

نشر في: 25 مايو, 2024: 10:10 م

نجاح الجبيلي

اتفق النقاد وكذلك جلّ القراء على أن وليام فوكنر -الكاتب الأمريكي- يعتبر واحداً من أعظم الكتاب في العالم. وقد تكلل هذا التقدير العالي عام 1949 بحصوله على جائزة نوبل للآداب،

وهي أعلى جائزة أدبية يمكن منحها لكاتب. وعند تسلمه هذه الجائزة أكد في خطابه أن واجب الفنان هو تصوير قلب الإنسان في الصراع مع نفسه.

وفي “الدب”، يتم توظيف هذا الموقف بشكل أدبي عندما يتناقش (آيك مكاسلن) بحدّة مع قريبه “مكاسلن” ليقرّر ما إذا كان بوسعه التخلي عن ميراثه الهائل من الأطيان والأملاك أم لا، من أجل التكفير عن الذنب، ويعود الشعور بالذنب الذي يراوده إلى ارث ثقيل تركه جدّه الشهواني من جمع للثروة وحياة مليئة بالفجور.

إن رواية “الدب”، بالإضافة إلى كونها واحدة من أعظم قصص الصيد على الإطلاق، فهي أحد أفضل القصص عن دخول الفتى الذي هو “ آيك مكاسلن” في طقوس الصيد والبريّة، وهي أيضًا قصة مقنعة عن نضوجه وتحوّله إلى الرجولة الكاملة. كما أنها توضح اهتمامات فوكنر الفلسفية بشأن خطايا الإنسان، وميراثه من الثروة الفاسدة، وملكيته الأرض، والبيئة، وواجباته تجاه أخيه الإنسان، وآرائه حول الحريّة والعبودية، وغيرها الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة.

ولد فوكنر في مدينة نيو ألباني، بولاية المسيسيبي، في 25 سبتمبر 1897، ولكن سرعان ما انتقلت عائلته إلى مدينة أكسفورد، في الولاية نفسها، وجميع رواياته تقريبًا تدور أحداثها في أكسفورد وما حولها، والتي أعاد تسميتها بجيفرسون في قصصه ورواياته وخلق عبرها مقاطعة خيالية. ينحدر فوكنر من ولاية ميسيسيبي القديمة والفخورة والمتميزة من عائلة ضمّت عقيدًا في الجيش الكونفدرالي، إنه الجد الأكبر، العقيد ويليام كولبيرت فوكنر الذي جاء إلى المسيسيبي من ولاية كارولينا الجنوبية خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر.

يظهر العقيد في العديد من روايات فوكنر تحت اسم العقيد جون سارتوريس و خلال الحرب الأهلية الأميركية، تسبّب مزاج الجدّ فوكنر الحار في خفض رتبته من عقيد إلى رتبة مقدّم. بعد الحرب، كان العقيد فوكنر متورطًا بشكل كبير في مشاكل فترة إعادة الإعمار. لقد قتل عددًا من الرجال أثناء هذا الوقت وأصبح شخصية سيئة السمعة إلى حد ما. كما تشارك مع أحدهم لتأسيس أول خط سكة حديد أثناء إعادة الإعمار. ثم تشاجر معه شريكه، وانفرطت الشراكة.

كما خصص العقيد فوكنر، الجدّ، وقتًا لكتابة أحد أكثر الكتب مبيعًا في البلاد آنذاك، “الوردة البيضاء في ممفيس”، والتي ظهرت عام 1880. كما كتب روايتين أخريين، لكن روايته الأولى فقط حققت نجاحًا باهرًا، وقد قُتل العقيد فوكنر أخيرًا على يد أحد رجاله المنافسين، ولم يتم الانتقام له.

تمثل رواية “الدب” تحوّلاً للروائي وليم فوكنر من موقف متشائم سابق إلى موقف أكثر تفاؤلاً. أسلوبه في الكتابة لم يشهد ذلك التغيير، ولكنه استمر في تقديم بطل الرواية باحثًا عن القيم في العالم الحديث من خلال اختبار مسؤوليته تجاه الماضي. ويظهر هذا بوضوح أكبر عند (آيك مكاسلن) حين يفحص الدفاتر القديمة والبالية التي كتبها والده وعمّه. ومن الدفاتر والسجلات يتمكن تدريجيًا من اكتشاف بعض الأشياء المرعبة عن ماضيه وأسلافه، والتي تدفعه إلى إعادة تقييم علاقته بالحاضر وإجباره على التخلي عن الميراث الكبير؛ فأخلاقه وضميره لن يسمحا له بقبول ثروة ملوّثة إلى هذا الحد. لقد أصبح أخيرًا قادرًا على رؤية الماضي بصدق واستخدام استكشافه له من أجل المستقبل وصياغة القيم الإيجابية والخطط البناءة. وهكذا، في رواية “الدب”، سوف يعامل السود بالنزاهة والعدالة والثقة نفسها التي يستخدمها في أي علاقة أخرى.

جدير بالذكر أنّ “الدب” كتبها فوكنر في البداية كقصة قصيرة ثم أعاد كتابتها كقصة طويلة أو رواية قصيرة ونشرها ضمن متوالية قصصية بعنوان “اهبط يا موسى”. وتتكون من خمسة فصول، لكنه يذكر في مقابلة صحفية بأنه لم يكن ينوي وضع الفصل الرابع ضمن الرواية بل أجبره الناشر على ذلك، إذ كان يرغب بوضعه بصورة منفصلة كقصة في متوالية “اهبط يا موسى”. ويتميز هذا الفصل بالصعوبة والتعقيد التي سيلاحظها القارئ، لأنه مكتوب من منظور شخصية (آيك مكاسلن) التي غدت مضطربة بسبب صراعه مع ماضي أسلافه، يذكرنا أسلوب فوكنر في هذا الفصل ومن خلال هذه الشخصية بالقسم الأول الخاص بالمعتوه (بنجي) في رائعته “الصخب والعنف”.

صدرت نسخة عربية مترجمة لهذه الرواية القصيرة في مصر في الستينيات من القرن الماضي، لكنها نسخة مشوهة شابتها نواقص كثيرة، بينما حُذفت العديد من الفقرات بسبب التابوهات السياسية والدينية آنذاك أو بسبب صعوبتها أيضاً، وذلك شجعني على ترجمتها من جديد وبالاستعانة بالمراجع الأجنبية المختصة بالرواية وآراء النقاد فيها. وقد صدرت الرواية أخيراً عن دار نشر غاف في الإمارات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram