طالب عبد العزيز
تردت صورة الخدمية الحكومية في أذهان الناس الى حدٍّ مريع، ولأنني، لم أدخل مستشفىً حكومياً بغرض العلاج، على سبيل المثال، وكذلك من أعرفهم أقرباء وأصدقاء، لكنني وإياهم نجمع على أنَّ الصورة ليست بالمستوى المطلوب، والخدمات هناك أدنى من المتوقع بكثير،
وأنَّ مراجعة الطبيب في عيادته أو المستشفى الاهلي هو السبيل الصائب، لضمان العناية والعلاج والشفاء. لقد اسهم القطاع الاهلي في تشويه قطاع الحكومة، سلبه دوره وجعله هامشياً في الحياة العراقية بعامة.
والحال هذه تمتدُّ الى قطاعات التعليم والمصارف وقطاعات أخر، ومثلما تراجع دور العيادات الشعبية تراجعت أدوار الجمعيات الفلاحية، والاتحادات الزراعية، والنقابات المهنية، وجمعيات الاسكان، والاسواق المركزية، والبلديات، عموم قطاع النقل الحكومي وسواها، الامر الذي أضعف الحكومة، وهمَّشَ دورها في صناعة مستوى آمن للعيش، وضخم دور المؤسسات والشركات الاهلية، التي تريد ابتلاع قطاع الدولة الخدمي، مثلما ابتلعت التنظيمات المسلحة، شبه الرسمية وغير الرسمية ايضاً الكثير من مهام وزارتي الدفاع والداخلية والامن الوطني.
مع غياب الفرق التي تعمل على الاستبيانات لن نتمكن من احصاء دقيق لما ينفقه المواطن العراقي على تعليم أبنائه وصحته ومعيشته، ولو أعلمتنا وزارة التخطيط بشيء من ذلك لهالنا ما نقرأ .هناك ضرائب غير مسماة، يضطر المواطن الى دفعها للمدرسة الاهلية، بعد أن فقد ثقته بالمدرسة الحكومية، ومثلها يدفعها للمستشفى الاهلي، بعد أن يئس من ضمان صحته، وشفائه في المستشفى الحكومي، ومع التضخم وارتفاع اسعار الملابس والاطعمة واللحوم ومتطلبات حياته الاخرى وجد نفسه أسير الفساد والاهمال الحكومي من جهة، وتآمر وجشع القطاع الاهلي من جهة أخرى، وبذلك فقد السيطرة على مايدخله من المال وما ينفقه، حتى لم يعد مطمئناً على مستقبله في اسرته.
ملايين البراميل من النفط تعبر المواطن المسكين الى الموانئ يومياً، والمليارات تتقافز في شاشة هاتفه، مهربةً الى أرصدة المحميين بالقانون، وبغيره، واللصوص آمنون عند حكومته، والبنادق مطلقة في شارعه، والاحزاب تتوزع التعيينات بين أفرادها، والشركات العشائرية والدينية تلتهم فرص العمل، وتتقاسم الارباح... لكنه، يتوسل هذا وذاك لكي يُقبل مقاتلاً في فصيل مسلح، ويوسِّط الشيخَ، والسيد، والمعمم، والاستاذ، ذا البذلة الزرقاء والسوداء، ومن يجد فيه العزم والقوة أملا في فرصة عمل، لا تسمن ولا تغني من جوع، فغياب القطاع الحكومي بصورته تلك يتخبطه ويستنزفه مالاً وجهلاً ومرضا.
ضعف الاشراف الحكومي فرّعن ونمّر الشركات النفطية العاملة في الزبير، والرميلة، وغرب القرنة على العاملين العراقيين، فأيّ مقارنة بين أجور العاملين الاجانب والعراقيين لن تكون منصفةً، وما يتمتع الاجنبي المسترخي به لا يتمتع ببعضه العراقي المكدود، وإذا سمعت بحصول ابناء العشائر القريبين بسكناهم من آبار النفط على عقود النقل والطعام والحراسة فذلك لأنهم يبتزون الشركات بقوة السلاح، والمنع، والتهديد فتستجيب، غير متفضلة عليهم، ومثل هذه وتلك ما يحصل في الموانئ والحدود والجمارك.
لدى دائرتي الكهرباء والماء إحصاءًا بعدد الشركات والجماعات والافراد من المتجاوزين عليها، والممتنعين عن التسديد، لكنها تصمت عنهم، لكنها تأتي بفرقها ومسلحيها على المواطن المسكين، فتجبره على الدفع أو القطع، أما إذا كانت له حاجة في مركز للشرطة فله وعليه منا ومنك السلام.