اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سياسية > تقتل أبناءنا بصمت .. مراقبون يحذرون من خطر الملوثات الكيميائية في العراق!

تقتل أبناءنا بصمت .. مراقبون يحذرون من خطر الملوثات الكيميائية في العراق!

نشر في: 20 مايو, 2024: 11:58 م

 المدى – تبارك عبد المجيد

" لقد مرت سبع سنوات على تشخيص إصابة أبني بمرض سرطان الدم. أخبرني الطبيب أن السبب يعود إلى التلوث الناجم عن انبعاثات النفط والغاز، حيث نسكن على مقربة من حقل الرميلة في البصرة"، هذا ما قاله حسن جواد لـ(المدى)، الذي فقد ابنه قبل شهرين.

يلقي الاب حسن (60 عاماً) اللوم على نفسه لوفاة ابنه ذي الـ21 عاماً، ويتمنى لو انه كان بوضع اقتصادي يسمح له بترك المنطقة، ويقول، إن "السكان يصعب عليهم ترك المدينة بسبب غلاء الاسعار، كما يعمل الغالبية في الحقل النفطي والخدمات"، وأشار إلى أنه اضطر لبيع الأثاث وبعض المقتنيات الثمينة لتسديد أجور العلاج الكيميائي، حيث يعاني القطاع الحكومي من نقص في الأجهزة والأدوية الخاصة بعلاج مرضى السرطان.

ومن ناحية أخرى، يحمل الجهات الحكومية مسؤولية الأرواح التي تُفقد سنوياً بسبب الملوثات الكيميائية. ويضيف: "على الرغم من علم الجهات المعنية بخطورة الوضع، إلا أنها لا تزال تقدم حلولاً واهية. وهناك شكاوى عديدة قدمت إلى أصحاب الشركات النفطية، لكن الأخيرة تستمر في إنكار أضرارها وتزعم أنها خفضت نسب الغاز المحترق".

ويؤكد أن "المنطقة تعاني من ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض"، مشيراً إلى أن معظم الحالات تُكتشف في مراحل متأخرة ما يجعل العلاج غير فعّال، حيث تقتل الملوثات الكيميائية أبناءنا بصمت".

وفقا لأرقام مفوضية حقوق الانسان التي تعود لعام 2019، فأن نسبة التلوث الكيميائي في مياه شط العرب، بلغت 100 في المئة، والتلوث الجرثومي 60 في المئة.

وتذهب اعلى نسبة لتلوث المياه بالملوثات الكيميائية بحسب وزارة البيئة إلى المحافظات الجنوبية والوسطى؛ البصرة، ذي قار، المثنى، القادسية، بابل، النجف، كربلاء ثم ديالى وبغداد، وشملت الملوثات (العسرة والمغنيسيوم والكالسٌيوم والكلور والاملاح الذائبة الكلية ومعدل التوصيل الكهربائي، والكبريتات والعكورة والنفط والغاز، اذ تجاوزت جميع المواد المذكورة، النسب الطبيعية والمحددة من قبل منظمة الصحة لعالمية ووزارة البيئة العراقية.

تقول رنا الزاملي (اختصاص كيمياء) وتعمل مع منظمات دولية لانتشال الألغام في المناطق المتضررة، إن "العراق لم يتعامل مع ملف الملوثات الكيميائية بالشكل المطلوب، مما انعكس سلباً على المواطنين". وتضيف: "لقد لقي الكثير من المواطنين حتفهم بسبب الألغام والأمراض الناتجة عن المواد والإشعاعات الكيميائية، التي تقتل بصمت تام".

وتضيف الزاملي لـ(المدى)، أن "الصراعات المتعاقبة في العراق، بما في ذلك الهجمات التي استهدفت ثرواته النفطية والصناعية، أصبحت بؤر ساخنة للتلوث البيئي، حيث تتراكم كميات كبيرة من النفايات العسكرية والمواد الكيميائية السامة دون التعامل المناسب معها". وحذرت بلهجة شديدة "ما لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذه المشكلة، سيتفاقم الضرر على صحة الإنسان والبيئة، مما قد يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة على سبل كسب العيش".

وتوضح الزاملي أن "معالجة المواقع الملوثة في العراق تمثل مسعى طويل الأجل وستكلف ملايين الدولارات". ويشار إلى أن البنك الدولي قام بإعداد مشروع تجريبي بتكلفة تقدر بحوالي 18.5 مليون دولار، حيث تم تمويله من خلال صندوق البيئة العالمية وصندوق الإصلاح والتعافي وإعادة إعمار العراق. يهدف هذا المشروع إلى التدخل في 3 إلى 5 بؤر ساخنة ووضع خطة لإدارة بيئية فعالة في العراق. وتتساءل الزاملي عن أسباب عدم تطبيق القوانين المحلية والتي تشدد على حماية البيئة وضمان سلامة المواطن، مشيرة بحديثها الى قوانين وزارة البيئة "لا نرى للوزارة أي تحرك حقيقي، ودورها لا يتمثل بحملات توعية فقط".

لا تتوقف المشكلة عند الملوثات الكيميائية وتداعياتها السلبية وغياب الحلول الجذرية، بل تتجاوز ذلك لتخلق مشاكل أخرى، وفقًا للزاملي. وأشارت إلى أن مصابي السرطان يعانون من نقص في الرعاية الصحية الحكومية، مع نقص في البلاد لمراكز متخصصة لعلاج مرضى السرطان. وكذلك، يعاني فاقدو الأطراف بسبب الألغام من نفس القضية، حيث تفتقد البلاد لمراكز كافية لتوفير الرعاية والتأهيل لهؤلاء الأشخاص.

وتنتقد الزاملي الإجراءات الحكومية وتصفها بأنها "خجولة"، مشيرة إلى أن العراق متأخر في معالجة ملف الملوثات الكيميائية. كما تكذب جميع التصريحات التي تزعم وجود تخفيض في نسب انبعاث الغاز المحترق، خاصة تلك التي يتم نسبها لأصحاب الشركات النفطية، وتؤكد أن "نسبة الانبعاثات لا تزال بارتفاع مستمر، لذا لا أتوقع انتهاء الازمة بحلول الخمس سنوات القادمة".

في عام 2018، قدّر تقييم البنك الدولي للأضرار والاحتياجات في المحافظات المتضررة، أن ما يصل إلى 47% من الغابات الطبيعية في البلاد قد دمرت، في حين أن 2.4 مليون هكتار من الأراضي قد أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الألغام الأرضية.

حذر د.محمد خضر محمد الجبوري، الاستشاري في شؤون المناخ والبيئة، من خطورة التلوث البيئي الذي يعاني منه العراق نتيجة مجموعة من العوامل، أبرزها مخلفات الحروب واستخدام الأسمدة الكيميائية والتخلص غير السليم من مياه الصرف الصحي.

وقال الجبوري لـ(المدى)، إن "المخلفات الحربية، بما في ذلك الأسلحة المحرمة دوليًا والمعدات المدمرة، تعد مصدرًا رئيسيًا للتلوث في المناطق المتضررة. وقد أدت هذه المخلفات إلى ارتفاع مستويات المواد الكيميائية السامة في البيئة، مما يشكل خطرًا كبيرًا على صحة السكان المحليين والنظم البيئية".

وأضاف الجبوري، أن " استخدام الأسمدة الزراعية منتهية الصلاحية ومواد معالجة التربة الفاسدة من بين المصادر الرئيسية للتلوث الكيميائي في العراق. تنتقل المواد الكيميائية الضارة من هذه الأسمدة إلى المياه الجوفية، مما يزيد من تركيز المواد السامة في المياه التي يستهلكها السكان".

وأشار إلى أن "مخازن الكيماويات القريبة من مصادر المياه تشكل خطرًا كبيرًا، حيث يمكن أن تتسرب المواد الكيميائية إلى المياه وتزيد من تلوثها. كما أن طرح مخلفات مياه الصرف الصحي والمنازل في المجاري المائية الرئيسية، مثل نهري دجلة والفرات، يزيد من مستويات التلوث الكيميائي في المياه".

وفيما يتعلق بحرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، أوضح الجبوري، أن "حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، يعد من أخطر مظاهر التلوث الكيميائي في العراق. هذا الفعل ليس فقط يسبب تلوثًا بيئيًا كبيرًا، بل يمثل أيضًا هدرًا لثروة غازية وطنية يمكن أن تساهم في حل العديد من المشكلات الاقتصادية والخدمية".

وتطرق الجبوري إلى الأضرار والانعكاسات على البيئة، مشيرًا إلى أن "التلوث الكيميائي يسبب أضرارًا جسيمة على صحة الإنسان والبيئة. على سبيل المثال، يُعتقد أن التعرض للرصاص تسبب في الوفاة المبكرة لأكثر من 5.5 مليون شخص في عام 2019، معظمهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. كما يؤثر التسمم بالرصاص على معدل الذكاء لدى الأطفال دون سن الخامسة، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة في رأس المال البشري وتداعيات سلبية على التعليم والإنتاجية والنمو الاقتصادي".

وأكد الجبوري، أن "وزارة البيئة العراقية تقوم بدورها الرقابي من خلال متابعة الأنشطة الصناعية والخدمية لمنع التلوث ومعالجة الحالات بشكل علمي"، ومن بين الإجراءات التي اقترحها الجبوري لتحسين إدارة المواد الكيميائية؛ اعتماد مبادئ توجيهية لجمع العينات وتحليلها، ضمان سلامة المواد الكيميائية قبل استخدامها، فرض معايير صارمة للبيئة والسلامة، استخدام المنتجات المعاد تدويرها، استهلاك مواد التنظيف الكيميائية قبل انتهاء صلاحيتها، بالإضافة الى ذلك، التنقل بوسائل النقل العام أو ركوب الدراجات، إعادة استخدام مخلفات الخضروات والفواكه كسماد نباتي"، مشددا على استثمار الغاز المصاحب لتكرير النفط، واستخدام السيارات الكهربائية أو الهجينة لتقليل الانبعاثات الكيميائية".

واختتم الجبوري بالتأكيد على أن مواجهة التلوث البيئي في العراق تتطلب جهودًا متضافرة من الحكومة والمجتمع المدني. وقال: "من خلال تبني سياسات بيئية صارمة واعتماد تقنيات حديثة، يمكن للعراق أن يحسن من بيئته ويحمي صحة مواطنيه للأجيال القادمة".

من جانبه، يقول معاون مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي، انعم ثابت خليل لـ(المدى)، إن "الكيمياء تدخل في كافة جوانب الحياة، منها تركيبة جسم الانسان بالتالي يحتاج الانسان لبعض المواد الموجودة في الطبيعة"، مستدركا بالقول ان "الخطر ينجم في حال زيادة النسب الكيميائية عن معدلاتها الطبيعية وغالبا ما يساهم الانسان في هذا الارتفاع".

ويبين أن "المواد الكيميائية التي تسبب السرطان عددها محدود وفق الدراسات الأخيرة، ولها تأثيرات واضرار مختلفة على أعضاء الجسم"، وحث على أهمية تكثيف الأبحاث والدراسات لتفادي الاضرار وإيجاد الحلول الناجعة.

وفي ختام الحديث، أكد أن "وزارة البيئة لديها تشريعات وقوانين تتعلق بالحفاظ على البيئة في هذا الجانب، وهناك رقابة ومتابعة للمواد الكيمائية المخزنة وضمان ابعادها عن المواطنين ونقلها بشكل سليم".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إنه يهدف إلى القضاء على حرق الغاز خلال ثلاث إلى خمس سنوات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

انزعاج داخل
سياسية

انزعاج داخل "الإطار".. القوات الأمريكية ستبقى لوقت أطول وتحذر من عودة "داعش"

بغداد/ تميم الحسنيتعرض الاتفاق الضمني بين الحكومة والفصائل على خفض التصعيد ضد القوات الأمريكية، إلى هزات عنيفة بسبب معلومات عن احتمال "تعطل" انسحاب قوات التحالف لوقت طويل.وأول أمس، ضربت لأول مرة منذ نحو 5...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram