اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق

الدولة الفلسطينيّة بوصفها تحدّياً مطروحاً على وطنيّات المشرق

نشر في: 19 مايو, 2024: 10:26 م

تعيد (المدى) نشر مقال الكاتب حازم صاغية لما يطرحه من تصور لإقامة الدولة الفلسطينية

حازم صاغية

أصيبت دولة إسرائيل، فيما هي تتهيّأ لعيد ميلادها، ثمّ تحتفل به، بضربات قد توفّر فرصاً جديدة لقيام دولة فلسطينيّة، وهذا مع اتّساع نطاق المقتنعين بأن دولة كهذه شرط لا بدّ منه للاستقرار الإقليميّ.

ففضلاً عن حقّ الفلسطينيّين بدولة، ممّا لا يُمارى فيه، وعن الموجبات الأخلاقيّة التي تدفع في الوجهة هذه، تبدو إسرائيل معزولة أكثر من أيّ وقت، وتبدو صورتها ملطّخةً في بيئات متزايدة، فيما قدرتها على حسم الحروب سريعاً مُعاقة، واقتصادها منهك ومعطوب. فكأنّ تحوّل "الاستقلال الإسرائيليّ" استقلالاً شرعيّاً مرهون بأن تكفّ "النكبة الفلسطينيّة" عن أن تكون نكبة وتتحوّل إلى تاريخ.

صحيح أنّ عوائق كبرى كثيرة تقف في وجه الدولة الفلسطينيّة، وأهمّ العوائق الاستيطان اليهوديّ وضعف الأداة السياسيّة والتمثيليّة الفلسطينيّة التي تحظى بشرعيّة شعبيّة وبقبول سياسيّ وديبلوماسيّ، إقليميّ ودوليّ. وقد تمضي العوائق تلك في منع الدولة الموعودة على رغم كلّ مبرّراتها النظريّة والأخلاقيّة الموجبة، خصوصاً إن استمرّ نتنياهو والمهووسون الدينيّون على رأس السلطة. لكنّ ذلك لن يعني فحسب أنّ الاستقلال الإسرائيليّ سيبقى مطعوناً فيه، بل يعني أيضاً أنّ الاستقرار الإقليميّ سيبقى، بدوره، عرضة للطعن.

أمّا الحقيقة التي تندر الإشارة إليها في سياق كهذا، فيما يؤكّدها بإلحاح واقعنا الراهن، فأنّ تلك الدولة إقرارٌ بمبدأ الدولة وبالدولتيّة في المشرق العربيّ كلّه، وربّما أيضاً في بلدان عربيّة تتعدّاه. فإذا صحّ أنّ العامل المذكور لن ينوب عن عوامل كثيرة مطلوبة، بقي أنّ العوامل الأخرى تظلّ ضعيفة وناقصة بدونه.

وقد يضاف أنّ قيام دولة فلسطينيّة مرشّح لأن يصحّح الخطأ التاريخيّ الذي جعل الدول المشرقيّة تنشأ وتستقلّ، مع الحربين العالميّتين وفي ما بينهما أو بعدهما، وذلك فيما كان احتمال الكيان السياسيّ الفلسطينيّ يختفي ويزول.

يقال هذا فيما تعيش منطقة المشرق أسوأ أزمنتها الممهورة بجَزر الدولة مقابل مدّ الميليشيات. ويقدّم العراق وسوريّا ولبنان، وفلسطين نفسها، كلٌّ بطريقته، شكله الخاصّ عن الانحطاط المتمادي هذا.

فعدم قيام دولة فلسطينيّة يجعل حياة الدول، في البلدان المذكورة، قصيرة وقلقِة ومهدّدة، سيّما وأنّ التذرّع بقضيّة فلسطين ومعه التمدّد الإيرانيّ الذي يلازمه منذ 1979، هما أبرز قاطرات تفكيك الدولة وترسيخ الميليشيا. ونعرف جيّداً كيف بدأ تفكّك الدولة في لبنان في 1975، ومن أين يستقي "حزب الله" مبرّراته للاحتفاظ بدولة مسلّحة أقوى من الدولة، ونعرف أيضاً كيف تعرّض الأردن لاحتمال مماثل في 1970، وكيف لا يزال مصيره كبلد وكدولة مرهوناً بما يحصل في الضفّة الغربيّة. أمّا التذرّع بتحرير فلسطين فجزء لا يتجزّأ من منظومة الحكم البعثيّ في سوريّا منذ 1963، وخصوصاً منذ 1970. وكان التذرّع نفسه، ولو بقدر أقلّ، يفسّر سياسات الحكم البعثيّ في العراق حتّى 2003. أمّا بعد ذاك فغدا إلصاق العراق على نحو مباشر بإيران طريقَه إلى التورّط والتوريط في أوحال الممانعة. لا بل حتّى في بلد غير مشرقيّ كاليمن، صار نقد النظام الحوثيّ الميليشياويّ يصطدم بـ "المقاومة" التي بعطورها اللفظيّة يُغسل نظام الحوثيّين.

بلغة أخرى، إذا صحّ أنّ القضيّة الفلسطينيّة ليست قضيّة "مركزيّة" لعالم عربيّ كثير الدول والظروف والمعطيات، ومتضاربها أحياناً، صحّ أيضاً أنّ تلك القضيّة لا تزال تُستخدم قضيّةً مركزيّةً في مهمّة منع قيام الدول في العالم العربيّ، خصوصاً منطقة المشرق. واستخدام كهذا، وكما تعلّم التجارب، إنّما يبدأ حرباً على الدولة ليجد تتويجه في هيئة حرب على المجتمع نفسه. ذاك أنّ الطوائف والإثنيّات والمناطق تجد ضالّتها في هذا المناخ الموصوف بالقوميّة كي تثبّت نفسها على شكل أمم تافهة، لكنّها واثقة ومتشاوفة.

وما يُستخلص من هذا أنّ وطنيّي المشرق، الذين طوّروا وطنيّتهم في سياق الصراع مع استخدام الموضوع الفلسطينيّ، قد يجدون أنفسهم أمام منعطف جديد: ذاك أنّ قيام دولة فلسطينيّة يغدو واحداً من شروط انتصار وطنيّتهم وقيام دولهم أو استعادتها. وبهذا المعنى لا بدّ من ضمّه إلى برامجهم السياسيّة كأحد بنودها. فكما كان استخدام "تحرير فلسطين" من خارجها عنصر تهديد للدول وللوطنيّات المشرقيّة، فإنّ إدارة الظهر للدولة الفلسطينيّة تعرقل اليوم طريق الوطنيّة والدولتيّة، في كلّ واحد من البلدان المعنيّة.

ومن هنا فإنّ قيام تلك الدولة، كهدف أخلاقيّ ونفعيّ في وقت واحد، يطرح تحدّياً جديداً وكبيراً، لا على الفلسطينيّين وحدهم، بل أيضاً على المشارقة وكثيرين من العرب الآخرين. وهكذا فبعد اليوم سيغدو من الصعب، ومن غير العقلانيّ، أن يكون الوطنيّ في المشرق انعزاليّاً أو غير معنيّ، وهذا إن لم يكن حبّاً بدولة للفلسطينيّين، أو بالعدالة بصفة عامّة، فإنّما حبّاً بدولة له.

· عن الشرق الاوسط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram