عبد الحليم الرهيمي
دأبت غالبية الاحزاب والتيارات السياسية على الحديث وتقديم نفسها بأسم الانتماءات المذهبية والطائفية والقومية او الأثنية التي تنتمي اليها وليس بأسم التسميات الرسمية لتلك الاحزاب والتيارات، وتبرر حديثها او توصيفها لنفسها مرة بأسم المظلومية المذهبية كياناً ومنتمين مثل الاحزاب والكيانات الشيعية والسنية، ومرة بأسم المظلومية القومية والاثنية لكياناتها والمنتمين اليها، مثل الاحزاب والجماعات الكردية والتركمانية ومرة ثالثة باسم المظلومية الدينية كيانات ومنتمين كالطائفة الدينية المسيحية وتعبيراتها المذهبية.
وبالطبع، أذا ما تجاوزنا نشأة واستمرار هذه الاحاديث والتوصيفات خلال العهود التي سبقت العهد الذي بدأ عام 2003 الذي وصف بعام التحرير والتغيير الواعد باقامة نظام ديمقراطي، فأنها استمرت او تجددت في هذا العهد بشكل اكثر سوءاً، بل يعتبرها الكثيرون انها تشكل احد الاسباب الرئيسية لحالة الخراب والدمار الذي وصل اليها العراق جراء السياسات التي مورست على تلك الاسس.
ولأن احداً لا يمكنه أنكار تلك (المظلوميات) بحدود تعبيراتها قبل سقوط نظام الحكم السابق او ما بعد 2003، فأن ما لا يمكن انكاره او تجاوزه هو الاستخدام والتوظيف السياسي الاسوء والابشع الذي ترتب على تضخيم ذلك والمبالغة في الحديث بأسم الكيانات المذهبية والاثنية والطائفية في العمل السياسي والصراعات السياسية منذ ذلك التاريخ وحتى الان، لما ترتب ذلك من نتائج سلبية كبيرة على مسار العمل السياسي.
وكان واضحاً جداً لدى خبراء السياسة وعلمي النفس والاجتماع، ان الاستخدام والتوظيف المتضخم للمذهبية والاثنية والطائفية، منذ العهود السابقة لعام 2003، كانت بدرجة اقل كثيراً بعد هذا العام، أذْ اظهرت ان اصرار التنظيمات والجماعات المذهبية والاثنية والطائفية – بمعظمها – أنها تتعمد ذلك لتحشيد المنتمين الى كياناتها بكسب تأييدهم واصواتهم الانتخابية لاهداف حزبية وفئوية ومصالح شخصية اساساً، اذْ هي لا ترغب او تعجز حتى من صياغة وطرح اهداف وبرامج سياسية واجتماعية واقتصادية ناضجة تحقق لها الحشد والتأييد الجماهيري الذي تريد فضلاً عن الاصوات الانتخابية والواقع ان التمهيد لاستخدام وتوظيف المذهبية والطائفية والاثنية في الحياة السياسية ما بعد 2003 هو مؤتمر المعارضة العراقية الذي اقيم في احد فنادق لندن نهاية العام 2002 وقبل الاطاحة بنظام صدام بعدة اشهر قد شرع او أسس او مهد للعمل الطائفي المذهبي الاثني، عندما توصل المؤتمر الى (توليفة) القيادة للمعارضة بحيث تضم معبرين عن مختلف المذاهب والطوائف والاثنيات العراقية لأرضاء الجميع فتشكلت قيادة من 65 عضواً بعد جدل ونقاش لساعات طويلة بدأت باقتراح قيادة من 25 عضواً (وهي التي اعتمد مثلها وبنفس المواصفات بتشكيل (مجلس الحكم) والتي ضمت 13 عضواً من احزاب وجماعات سياسية عن ما يسمى المكون الشيعي و 5 اعضاء من ما يسمى بـ (المكون الكردي) و 5 اعضاء ممن سمي بـ (المكون السني) مع عضو مسيحي واخر تركماني. وبسبب اعتراض البعض على النسب رفع المؤتمر التعداد الى 35 عضواً ثم الى 45 ثم اعتمد العدد 65 بالنسب التي اتفق عليها.
هذا (الانجاز التاريخي!) الذي حققه مؤتمر المعارضة آنذاك وتم الاخذ به ما بعد 2003 شكل جرثومة السياسة المذهبية والطائفية والاثنية التي مورست – وما تزال – في السياسة الرسمية العراقية والحزبية، وبما اسفرت عن محاصصة (مقيته)! كما يقول الجميع وعن صراعات مذهبية وأثنية ودينية تطفو على السطح مرة وتكمن وتتراجع في فترة اخرى.
ولأن احد تعبيرات الممارسات المذهبية والطائفية والأثنية هو استمرار، او الاصرار، على الحديث بأسم هذه الكيانات رغم تسمية احزابها وتياراتها وجماعاتها باسماء تحمل صفات سياسية، فان احدى سبل التخلص من لغة المكونات هي استخدام الاسماء الرسمية لتلك الاحزاب والتيارات بالحديث مثلاً عن الخلافات السياسية تتم بين تلك الاحزاب والتيارات والجماعات السياسية لا بين (المكونات) او بين الانتماءات المذهبية والاثنية والطائفية، وان الصراع والخلاف مثلاً بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني او السلطة الاتحادية وليس بين الاكراد والعرب، او الصراع بين (تقدم والسيادة) و (الاطار التنسيقي) وليس بين مكونات تلك التنظيمات و (الاطار التنسيقي) الشيعي.. هذه اللغة او الحديث عن احزاب وجماعات وتيارات سياسية وليس الحديث بأسم المكونات وهو ما يساعد على التخفيف تدريجياً من وطأة الآثار السلبية للحديث بأسم المكونات السائد الان الذي يوغر صدور المنتمين لتلك المكونات عند بروز صراعات حادة بينها، بينما لا مصلحة او (لا ناقة ولا جمل) بها – كما يقال – لابناء تلك المكونات!.