علي لفتة سعيد
لا يبدو العنوان خطأً في معادلةٍ رياضية.. بل هو المعادلة الثقافية في العراق. حيث يمكن أن تصبح المعادلات واقعَ حالٍ يبيّن كيفية العمل وكيفية الترويج للثقافة وكيفية الابتهاج على الأقل بالمبدعين وليس الدعم لهم.
الأمر ببساطةٍ إن الجهات الثقافية لدينا لا تعرف كيف تعمل وتخطّط، لأنها ببساطةٍ أخرى، هم موظّفون أو جهاتٍ نقابية لا تفكّر بأكثر من خطواتها الآنية، سواء كان هذا العمل الذي يحتاج الى تفكيرٍ وتخطيط ٍوبرمجةٍ وتطويرٍ وإشهارٍ وترويجٍ، أو كان مجرّد عملٍ روتيني، مثل إقامة المهرجانات التي تحتاج الى دعمٍ مادّي، فتكتفي هذه الجهات بتوفير الحد الأدنى له. نعم هذه هي الحقيقة، والأمر ليس منوطًا بجهةٍ محدّدةٍ كوزارة الثقافة، بل هو مرهونٌ بالواقع الذي وجدت الثقافة نفسها في هذا المعترك.. الأمر يبدأ بمقترحٍ ثم يتحوّل الى عملية البحث عن دعمٍ لتنفيذه، دون أن يكون هناك تفكيرٌ جديد في تطوير المقترح، وجعله مناسبةً لتثوير الواقع الثقافي والترويج له، ليكون مثل باقي الفعّاليات المهمة التي تقيمها هذه الجهة أو تلك، ومنها الفضائيات التي تروّج للأعمال بطريقةٍ احترافيةٍ دون أن تكلّف نفسها دفع كلّ المبلغ إذا لم يكن تخطّط أنها لن تدفع شيئا لأنها تخطّط جيدا.
إن هذه الفعاليات التي تقام في العراق وأقصد الفعاليات الحكومية، ما هي إلّا عملٌ وظيفيٌّ كما يبدو، وأكثر خسارة هي فعاليات المسابقات الثقافية، والأهون منها المهرجانات السينمائية والمسرحية التي على الأقل يكون لها دعمًا ماديًا كثيرًا، ويحضرها ضيوفٌ عربٌ وأجانب، وتنقلها الفضائيات، إلّا المسابقات الثقافية التي لا تجد حتى صدىً داخل المؤسّسات التي تقيمها، وكأنها شيءٌ مفترضٌ ومفروضٌ وإسقاط فرض عليهم إقامته، رغم أن القول لا يأتي كانتقاصٍ من هذه الجهة أو تلك، بل هو توصيفٌ للحالة.
وآخر ما كان من فعّالياتٍ أو مسابقاتٍ أو مهرجاناتٍ هي مسابقة الإبداع العراقي التي أقيمت قبل نهاية العام الماضي بعشرة أيام، ولا أحد يتذكّرها ولم تنقلها الفضائيات ولم يحضرها إلّا الوزير وبعض الشخصيات، وجرى الاحتفال والاحتفاء بطريقةٍ باردةٍ كبرد كانون الأوّل، داخل قاعةٍ لم تستوعب الحضور وطريقة جلوسهم، حتى إن طريقة الإعلان عن الفائزين لم تكن بالمستوى المطلوب إعلانيًا أو إعلاميًا، ولم يعرف الناس أن ثمّة مسابقةً مهمّةً هي الأرفع في النتاج الثقافي، لأنها تضمّ العديد من الأجناس الإبداعية من قصةٍ وروايةٍ وشعرٍ ومسرحٍ وسينما وفنّ تشكيليّ ونقدٍ وآثارٍ وغيرها. وهي تمنح مرّةً واحدةً في العام، لتكون هي المسابقة الأرفع لوزارة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار. لكن النتائج الجيّدة قد بقيت حبيسة قاعة قرطبة في فندق المنصور، ولم يعرف أحدٌ حتى أهل الفائزين وأصدقائهم، لولا الصور الخاصة التي التقطت عبر أجهزة الموبايل. وكان التكريم الفائزين عبر توقيع على ورقةٍ ، وخرج البعض حاملًا عشرة ملايين دينار، والبعض حمل جائزته خمسة ملايين دينار، ودرعًا ثقيلًا نفذّه نحاتٌ مشهور.
لكن الرقم الآخر من المعادلة هو ما أقامته إحدى لفضائيات لبرنامج مسابقاتٍ من نوعٍ آخر حمل عنوان (يوز تالينت) ليتوّج به شاعرٌ شعبيٌّ شابٌّ كان متألّقًا، لكنه فاز بأكثر من جائزة، تفوق جوائز الإبداع العراقي بكلّ دوراته. أوّلها أنه حصل على مبلغ 77 مليون دينار لم تقدّمها الفضائية، وهنا التخطيط الجيّد، بل شركة اتّصالات، وكان على الوزارة أن تقوم بالتنسيق مع هذه الشركة أو تلك لرعاية الجائزة وزيادة المبلغ. وأيضا فاز بالشهرة المجتمعية، لأن الفعاليات كلّها نقلت مباشرةً عبر الفضائية والمنصّات الاجتماعية، في حين غابت الفضائيات في احتفالية الوزارة حيث لم تحضر، ربما لعدم توجيه الدعوة لها، ومن حضرت في حينها كانت مهتمّة بالحصول على تصريحٍ عن إطلاق المنحة المالية الرمزية. وأيضا فالبرنامج روّج لظاهرة المسابقات من هذا النوع، وهي مسابقات لا تثير الوعي والثقافة، بل تثير المرح، وهو ما غاب عن الاحتفالية التي لم تستطع أن تفعّل أكثر من توزيع النتائج، وإقامة مأدبة عشاء. في حين وعد الوزير بترجمة الأعمال الفائزة الى لغاتٍ أجنبيةٍ، لكنه يبدو مجرّد تصريحٍ قيل في حينها، كردّ على سؤالٍ أحدهم.
إنها معادلة الثقافة العراقية، حيث يتساوى الطرفان، وإن لم يكن أيّ منهما يتساوى مع الآخر.