اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > هل كتب همنغواي قصة من ست كلمات حقاً؟

هل كتب همنغواي قصة من ست كلمات حقاً؟

نشر في: 4 مايو, 2024: 09:40 م

ترجمة: نجاح الجبيلي

هناك قصة قصيرة جداً مكونة من ست كلمات تمتاز بالسوداوية، كأنها تنتزع قلب رواية لديكنز أو دوستويفسكي وتترك باقي الأعضاء، وهي قصة منسوبة إلى إرنست همنغواي، وتُعد رائدة لقصة الومضة بل هي أقصر من العديد من عناوين بعض القصص نفسها أيضاً:

للبيع: حذاء أطفال، لم يتم استخدامه من قبل.

أو يمكن ترجمتها كالتالي:

(للبيع: حذاء طفل لم يُلبس أبداً)

إن الإيجاز الشديد في هذه المأساة الإضمارية جعلها مثالًا مفضلاً لمُعلّمي الكتابة على مدى العقود العديدة الماضية، إذ تتميز بقوة التكثيف الأدبي الذي كتب عنه أحد القراء"يجب على القارئ أن يتعاون في إنشاء سرد أكبر توجزه هذه الكلمات بشكل موارب". من المفترض أن تأليفها كان في وقت ما في العشرينيات، ويُقال إن القصة المكونة من ستة كلمات جاءت نتيجة رهان بعشرة دولارات قام به همنغواي في مأدبة غداء مع بعض الكتاب الآخرين بأنه يمكنه كتابة هذه القصة الومضة. وبعد أن كتب السطر الشهير على منديل، مرّره حول الطاولة، وفاز بالرهان. هذا هو المعتقد العام لهذه القصة على أيّ حال. لكن الحقيقة أقل تلوناً بكثير.

في الواقع، يبدو أن أصول القصة المكونة من ست كلمات ظهرت قبل فترة طويلة من بدء هيمنجواي في الكتابة، على الأقل في وقت مبكر من عام 1906، حين كان عمره 7 سنوات فقط، في قسم مبوّب بالصحيفة يسمى "حكايات مقتضبة عن المدينة"، والتي نشرت اعلاناً جاء فيه: "للبيع، عربة أطفال، لم تُستخدم أبداً. تقدّمْ بطلبك في هذا المكتب." وظهرت نسخة أخرى، مشابهة جداً، في عام 1910، ثم نسخة أخرى، جرى اقتراحها كعنوان لقصة عن "زوجة فقدت طفلها"، في مقال كتبه ويليام ر. كين عام 1917، والذي حاكَها هكذا "أحذية صغيرة، لم تُلبس أبداً". وفي عام 1920، كما كتب ديفيد هاجلوند في مجلة Slate، ظهر سطر همنغواي المفترض في "عمود في إحدى الصحف عام 1921 بقلم روي ك. مولتون، الذي "طبع ملاحظة مختصرة نسبها إلى شخص يدعى جيري":كان هناك إعلان في "Home Talk" في بروكلين نصه "عربة أطفال للبيع، لم تستخدم قط". هل سيشكل ذلك حبكة رائعة للأفلام؟"

وتكثر الأمثلة الأخرى على سرد القصة، بما في ذلك شريط فكاهي صدر عام 1927 يصف نسخة من سبع كلمات، "للبيع، عربة أطفال؛ عربة أطفال؛ عربة أطفال للبيع لم تُستخدم أبداً!" باعتبارها "أعظم قصة قصيرة في العالم". وكلّما تحرى الباحثان هاجلوند وجارسون أوتول في الأمر، وجدا صعوبة في "الاعتقاد بأن همنغواي كان له أي علاقة بهذه القصة."

من الممكن أن يكون همنغواي، بقصد أو دون قصد، قد سرق القصة من الإعلانات المبوبة أو من أي مكان آخر. لقد كان صحفياً، وربما من المؤكد أنه كان مطّلعاً على نسخة منها. لكن لا يوجد دليل على أنه كتب أو تحدث عن القصة المكونة من ست كلمات، أو أن رهان الغداء في مطعم ألجونكوين قد حدث على الإطلاق. وبدلاً من ذلك، يبدو أن الوكيل الأدبي، بيتر ميلر، قام باختلاق القصة بأكملها في عام 1974 ونشرها لاحقاً في كتابه الذي صدر عام 1991 بعنوان: "انشر كتابك واجنِ ثماره: نصائح الوكيل الأدبي حول كيفية بيع كتاباتك".

وقد نمت أسطورة الرهان والقصة المكونة من ست كلمات، إذ كرّرها آرثر سي. كلارك في مقال نُشر في مجلة "ريدرز دايجست" عام 1998، وذكرها ميلر مرة أخرى في كتاب صدر عام 2006. وفي الوقت نفسه، نشأت الشكوك، وأخيراً ظهر مقال علمي نشره فريدريك أ. رايت عام 2012 في مجلة الثقافة الشعبية فضح فيه الزيف المثار حول القصة، والذي خلص إلى عدم وجود دليل يربط القصة المكونة من ست كلمات بهمنغواي.

فهل ينبغي لنا إذن أن نلوم ميلر لأنه اختلق القصة ظاهرياً، أو نشكره لأنه منح المبدعين شيئاً من المنافسة، وإلهاماً للنوع المسمى "القصص المكونة من ست كلمات"؟ ولعل المغزى من القصة، التي تناسب عصر تويتر، هو أن نظرية الرجل العظيم في التأليف غالبا ما تُخطئ؛ يمكن أن تنشأ القصص والأفكار التي لا تنسى بشكل عفوي، ومن أي مكان، بشكل مجهول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram