علي حسين
أفضل وأغنى رواية عن خراب الأمم، تركها لنا مواطن نمساوي اسمه ستيفان تسفايج، ففي لحظة فارقة من تاريخ البشرية يكتب هذا الرجل النحيل مذكراته عن عالم مضى.
ما هو الشعور الذي سيخامرك وأنت تقرأ حكاية صعود القوى الفاشية كما يصفها في مذكراته "عالم الأمس"؟ لا أدري.. حاول أن تقرأ.
يقول تسفايج: "الفاشل أبعد ما يكون عن روح التغيير ، إنه لا يعرف التسوية، لا يعرف إلا طريقاً واحداً هو طريقه، لا يقبل حلاً وسطاً، يتوهم أنه وحده الذي يعلم، وعلى الآخرين أن يتعلموا منه ". كان ستيفان تسفايج رجلاً محباً للهدوء والطمأنينة، لكن هذا كله تحطم عندما اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى، لنراه يقضي ما تبقى من حياته في رحلة عذاب لا تنتهي، يكتب ويرصد ويحلل أبرز تحولات القرن العشرين، لقد اجتاحت الظلمات أوروبا ولم تعد تضيء إلا على نيران القنابل.
يكتب في أحد رسائله إلى توماس مان: إن الزلازل قد قلبت حياتي ثلاث مرات متوالية، وانتزعتني بكل عنفها من الماضي، وألقت بي في هاوية، الأمر الذي يدفعني أن أتساءل كل يوم: إلى أين أذهب؟
لا أحب أن القي عليكم دروس الكتاب، لكن لا مفر من مراجعة تجارب الآخرين، وعندما نقرأ كم تكرر الظلم والفشل نشعر بأن العالم كله كان في يوم من الأيام مسرحاً للعبث.. يكتب تسفايج، أن هتلر كان يفاجئ الناس صبيحة كل يوم بقانون جديد، واحد لتنظيم التحية والآخر للنشيد والثالث لتنقية النسل الجرماني، وآخر للمحادثة.. في كل يوم بيان ثوري يقول للناس لا تنسوا أنكم جزء من خططي.
كنت مثل غيري كثيرين أتوقع أن البرلمان وبسبب ما مر به العراقيون من ظلم وتمييز في سنوات الدكتاتورية سيتخذون طريقاً صحيحاً في معالجة مشاكل الناس ويتركون قرارات مجلس قيادة الثورة وقانون قطع رقاب النساء والانتباه إلى قوانين تسعى للتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية ولكن يبدو ان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فها هو البرلمان يُغير علينا من جديد ليعلن إصدار قانون محاربة البغاء، وكأننا مجتمع نشكو من الرذيلة، لينشغل الناس في قوانين لا تهم ملايين العاطلين والمعوزين والأيتام.
إلى أين يريد بنا البعض أن نذهب؟، عندما نتذكر أنه ما من أحد قادر على السعي للإفراج عن مشروع حقيقي لتنمية قدرات البلاد، ولنرى مدى فظاعة المسخرة السياسية، حين يتوهم البعض أن قانون محاربة البغاء أهم من قانون محاسبة الذين سرقوا أموال البلاد والعباد، معتقداً أن مثل هذه القوانين، ستنهي مشاكل العراقيين وتضعهم على سكة الأمان والتطور والازدهار.
يكتب تسفايج: "ليس لدى التاريخ وقت، إنه يحصي النجاحات فقط، ولا يعترف بالفاشلين".