TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > إعادة بناء عراق مبدع بحاجة لثورة ثقافية - حضارية

إعادة بناء عراق مبدع بحاجة لثورة ثقافية - حضارية

نشر في: 28 إبريل, 2024: 10:46 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

العراق مر ويمر بمنعطفات ومتغيرات متنوعة متعددة يحق لي أن أصفها بإنها ذات طبيعة جيوسياسية شاملة كنتيجة لطبيعة المسارات والمتغيرات والتحولات الداخلية والخارجية التي تظل بحاجة ثورة ثقافية متجددة تعمل على إحداث نقلة نوعية لأعادة بناء عراق حديث منتج مستقل حضاريا.

لا أغالي ذا قلت أن مقولة طرح مشروعات للتنمية الاقتصادية الانسانية بضمنها ما يعد استثمارية مع جهات خارجية دولا وشركات تثبت فاعليتها ليست في بقائها حبر على ورق بل في انتقالها على الارض بصورة مشروعات تنموية مستدامة تخدم شرائح شعبنا برمته مع أهتمام خاص بالطبقات الفقيرة، المحرومة و الوسطى التي يراد إحيائها مجددا، مع تعزيز جهود حقيقية لإنهاء ضعف الطبقات الفقيرة او المحرومة مجتمعيا كي تنتقل من مستوى معيشي متدني إلى مستوى اقتصادي افضل يماثل تأسيس طبقة وسطى كبرى تحمل إرادة التمكين يعقد عليها مستقبل مبدع لبناء بلادنا على أسس سديدة متينة من الاكتفاء الذاتي والاستقلالية التنموية التي لاتهمل التعاون والتنسيق والتكييف مع متغيرات العصر مع قوى العالم المتنوعة دولا – شركات وافراد متميزين في عصر عولمة مستدامة تتداخل فيه المصالح والرؤى الجيوسياسية - الاقتصادية - الاجتماعية ولكنها تصنع المنجزات الكبرى ولكن في ظل سيج يحمي وينمي مصالح بلادنا على أسس إنسانية مستدامة. من هنا، وانا اتفق كليا مع مقولة المفكر المهندس جورج حدادين علنا ننتهي من حالة مزمنة تعرف ب"صناعة القبول وثقافة القطيع " إذا وصفنا بالمثقفين وليس مجرد متعلمين مقلدين يفرض علينا واجب ومسؤولية التأسيس لثورة ثقافية - إعلامية تنطلق من شعورنا بإن حالة السبات التي عشنا ردحا طويلا تحت ظلها لابد أن تنتهي كليا كي تتخذ الدولة شرعية ما تستحقها بجهودها ومن ثمرات متجزاتها اشار إليه الدكتور علي عباس مراد في صورة مثلث متساوي الاضلاع للشرعيات الثلاث (الشرعية القانونية، الشرعية الاجتماعية والشرعية الانجازية).

مضافا لذلك في تقديري المتواضع ان علينا ان نؤكد تشخيص التعريف المناسب للمثقف إذ أنه ليس كالمتعلم إذ عليه مسؤولية كبرى في إحداث يقظة ثقافية - حضارية توصلنا لمراحل نهضة كبرى للعقل، للقلب وللضمير الانساني ما يستدعي إعمال كافة الجهود ماديا ومعنويا لإنجاز مشروعات تنموية أنسانية تخدم الشرائح الدنيا والوسطى من مجتمعنا. الامر الذي يتطلب ثورة ثقافية حقيقية تقدم منجزات مستقبلية تأخذ شكلا ومضمونا مشروعات تلبي إحتياجات اجيال قادمة تسير اليوم على حافة الهاوية السحيقة من شرائح شعبنا المعرض للمخاطر الحياتية إن لم يتم أنقاذها سريعا من وضعها البائس والمؤلم جدا. بشرط أن تتم كافة الاجراءات العملية بصورة تغيير حقيقي ملموس بعيدا عن رؤية ودور وعاظ السلاطين الذين ما فعلوه في الاعم الغالب ينصب في دائرة تمجيد صناع القرار وتضخيم ما يقدم دون تقديم نقد موضوعي - علمي وواقعي يحدث نقلة إستراتيجية شاملة.

ليس معنى ما نقول التقليل من شأن ما ينجز حاليا من مشروعات خدمية رائعة ولكن لابد لدعاة الرأي الحر والمستقل البعيدين عن كل شبهات الفساد متسلحين بالكفاءة أن يلعبوا دورا حيويا في دفع مسيرة التقدم والازدهار إلى مراحل تقربنا بشكل علمي وواقعي بإتجاه بناء عراق حديث مستقل جيوسياسيا و حضاريا كي نقول ان لدينا عراق يتمتع بهوية مدنية يعيش في دولة مواطنة تتوافر فيها حقيقة فرص متكافئة للجميع قانونا وفقا لدستور يحترم يحمي حقوق الانسان وحرياته الاساسية بعيدا عن تكالب ماعرف ب"دولة المكونات " سمحت بتكالب قوى غلبت إنتماءاتها الثانوية التي نحترمها ونجللها على اعتبار وطني اسمى واجدى يعلي مصلحة العراق اولا وأخرا. ضمن هذا السياق علينا الاجابة عن تساؤل مهم جدا: كيف يمكن لنا أن نعيد اعتبار"سيادتنا الوطنية و كرامة شعبنا " إزاء مختلف التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بوطننا دون شروط او قيود سواءا أكانت مرجعيتنا الانتماءات الثانوية اوالتقاليد والعادات العقيمة لتي تكبل حرية العقل؟ الجواب ببساطة في اولوية مراجعة الذات وإعمال النقد الموضوعي نسبيا ومن خلال الانفتاح الذهني على كافة التجارب الانسانية العالمية التي أسست فعليا لمنظومة دستورية - قانونية عالمية سبقتنا أمم ودول كثيرة إليها. إذن هنا علينا توكيد توصيف مهم ينطلق من خلال رؤية بعض مفكرينا ومثقفينا الذين نجلهم.

لاشك أن رؤية لودفيغ كوزر L. Coser في تعريفه للمثقف والمثقفين جادة وسليمة عندما يقول " بإنهم الافراد الذين يعنون بالقيم المركزية في المجتمع، أو أنهم من يولي إهتمامه بالعالم الرمزي الذي تؤسسه الثقافة ". المسألة وفقا للمفكر العالمي غرامشي أن مثل هذه القيم المركزية وإن أطلقت من طبقة المثقفين ذات النمط التقليدي إلا أنها" جسدت لنا حقلا متمايزا عن الاختصاصات المهنية " عد غرامشي العامل بها مثقفا عضويا ". السؤال: اين نحن منها إذن من توصيف كهذا خاصة هذا وصفنا بإننا مثقفين حقا بالسليقة والمهارة وبالسلوك الاجتماعي - السياسي السليم والواقعي؟؟ من هنا أهمية ما ورد على لسان الكاتب الفرنسي جيرار ليكلرك Gerard Leclec حين يقول" المثقفون هم هؤلاء الذين ينتجون آثارا، الذين يبدعون، الذين يجددون في المجال الثقافي، الجمالي، الايدولوجي.. أما إعادة إنتاج وإستهلاك الأثر فهي --عمل المستهلكين البسطاء القراء، المستمعين، والمشاهدين ".

إنعكاسا على ما ترتب أجد من المناسب أن أوضح بعمق طبيعة المثقف العضوي وحيوية دوره الانساني ولعل بعض المعالجات من مفكري العصر المرموقين تعد أولوية لابد منها خاصة عند مواجهتنا للازمات المركبة المعقدة والحرجة التي نمر بها. وهنا تأتي أهمية دور إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الذي قدم الكثير من منجزات فكرية عميقة الاثر إذ وحسب فهمه لكلمة مثقف وضح جليا: " المثقف ليس داعية مسالمة ولا داعية إتفاق في الآراء، لكنه شخص يخاطر بكيانه كله بإتخاذ موقفه الحساس، وهو موقف الاصرار على رفض الصيغ السهلة، والاقوال الجاهزة المبتذلة، أو التأكيدات المهذبة القائمة على المصالحات اللبقة والاتفاق على كل ما يقوله اصحاب السلطة واصحاب الافكار التقليدية ". باختصار حسب رأيه ورأينا ايضا المثقف" صاحب موقف والتزام أخلاقي إتجاه القضايا المصيرية التي تعنى شؤون مجتمعه الكبير، فالمثقف هو الخصم اللدود للسلطة التي لايكف عن توجيه سهام كلماته لكل من يهادن او يكون متساهلا لطرف منتهك للقانون او من يهاجم الفكر الحديث والداعي لإفكار السلف الصالح، لإن المثقف أداة خلق وحصن للعدالة الاجتماعية ".

اكثر من ذلك، حدد ادوارد سعيد ماهية دور المثقف الفلسطيني كونه يجسد حقيقة" تجليات الهوية الفلسطينية التي تشكل فضاء أنتمائه الايدولوجي، وما يرافقها من تكثيف الخطاب المقاوم بوصفه المظلة التي تضم تحتها المصير الوطني القلق ". لعل ما ينطبق على دور المثقف الفلسطيني الذي يفترض ان يكون علامة شاهدة على عصر الانتهاكات الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية حاليا يسري على طبيعة ودور المثقف في كل بلد ومنها العراق حيث يجابه تحديات كبرى تقتضي ان يخرج المثقف من دائرة أمتلاكه للمعلومة أو للمعرفة إلى دائرة الوعي الاجتماعي والاعلامي والممارسة العملية الايجابية الاصلاحية بحق في الحياة كي يتسق الفعل مع القول بصورة تنهي اية أزدواجية بين الفكر او النظرية والمنهج العملي للسلوك الانساني بعيدا عن أية مجاملات او مثاليات خاصة في علاقة المثقف بالسلطة التي تنحو إذا لم تجد حائط صد قوي نحو إعمال تغيير إيجابي - الاصلاحي - ثوري نحو فردية التسلط او التوجه نحو الحكم الدكتاتوري - الاستبدادي أو الحكم غير الرشيد. تصور يؤكد بذات الاهمية أولوية البعد عن أية وصاية خارجية بصورها الاستعمارية المتنوعة سياسيا - اقتصاديا -ثقافيا واجتماعيا. تطور في التعريف ينطلق من أهمية ما جاء على لسان المفكر العراقي هادي العلوي الذي أكد أن" المثقف يتميز بعمق الوعي المعرفي والوعي الاجتماعي معا، وبمعمق الروحانية التي تجعله قويا على مطالب الجسد، ومترفعا في تجربته الشخصية على الخساسات الثلاث" أي (السلطة، المال والجنس). بعبارة دقيقة فأن دور المثقف جوهري في بناء الدولةعلى أسس تنموية صلدة مستدامة اعتقدها أو أخالها تتمحور حول إنجاز مشروعات نهضوية للتنمية الانسانية المستدامة. فكم لدينا من هؤلاء حاليا؟ وهل يمكننا حقيقة العمل الجدي لمعرفة مدى ما تحقق من قياس لتراكم توعوي - معرفي - إعلامي بل وتقني - يسلط الضوء على أعماق مشكلاتنا وأزماتنا الحقيقية. إذ أن ذلك الجهد حتى الان ليس بالقدر الكاف او المناسب. إذ لن يمكن التوصل إليه إلا من خلال استيعاب العناصر الفاعلة في تكتل حرج نوعي لإحداث التغيير الجيوستراتيجي المنشود في مهمة بناء الاوطان يختص اساسا بادوار اصلاحية تنويرية للانتلجنسيا - المعرفية - الفلسفية والاخلاقية - القيمية تركز على مساحات للثورة الثقافية - المبدعة التي تنور العقل وتنعش تلاليب الضمير الانساني وتوقظه من سبات عميق أضر بنا معنويا وماديا ضررا كبيرا لامجال لإصلاحه جزئيا او كما يقول المبدع العراقي الاستاذ عزيز علي رحمه الله بعبارة يمكننا ترديدها يوميا" الشج كبير والرقعة صغيرة " بما ينم عن ضرورة إعمال جراحة تستأصل الاعضاء الفاسدة. علما، أنه لن يحصل اي تقدم حقيقي ملموس على الارض طالما سرنا بطرق التقليد الاعمى لتجارب الاخرين أوعدم الاستفادة الحقيقية من الخبرات والتجارب الناجحة لدول تماثل ظروفها نسبيا ظروفنا سواءا التي لنا بها باع طويل نسبيا من تاريخ مجيد من التقدم العلمي - المعرفي او من تجارب وخبرات مبدعة متوجة بقيم اخلاقية - قيمية سامية.

دون ذلك سنظل ندور في حلقات مفرغة ضمن إطار فكري - سياسي - اقتصادي ريعي عقيم (يعتمد على عوائد الوقود الاحفوري نفط وغاز طبيعي). دور آن أوان انتهاءه كي يسمح لنا بمساحات مهمة لدورجديد يتميز بحلقات تنويرية وتنموية تستثمر في بناء الانسان الجديد على اسس تقلص فجوات التمكين والاستثمار الحقيقي لثروات وطاقات متجددة مبدعة مناسبة لعصر تتسارع فيه منجزات كونية تتطلب ادورا لاشخاص ومؤسسات تعي دورها ومسؤولياتها الكبرى في صناعة وطن جامع لكامل الطيف الجميل يحمي ابناؤه ويطور طاقاته البشرية والمادية لاجيال قادمة تعيد آلق عراق حضاري مستقل مبدع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram