طالب عبد العزيز
هل ما يحدثُ من احتجاج الناس في شمال البصرة يصبُّ في مصلحة المدينة؟ ربما، نعم. فالقرنة والمدينة والدير والشافي والقرى الاخرى بحاجة الى الكثير، والناس هناك لحقهم الحيف، مثلما لحق سكان البصرة ومعظم المدن العراقية، ولم لا؟
فهناك حق والتظاهر حقٌّ مكفول في الدستور، فما ينقص الناس هناك أكثر مما قدِّم اليهم. لكنْ، بات العراقيُّ ومنذ سقوط التمثال في نيسان العام 2003 لا يجدُ آلية في استجابة الحكومة غير التظاهر، أوالتظاهر غير المنضبط أحياناً، حيث تختلف وسائله بين مدينة وأخرى، ويعلم الله والراسخون في السياسة والقمع مخاوف الحكومتين في بغداد والبصرة من غضب واحتجاج البصريين، وفي الاشهر الحارة خاصة، فلهم في ذلك تاريخ وخبرة، منذ انتفاضة العام 1991 الى اليوم، وهذا ما لا أحدَ يريده، إذ أنَّ تظاهرات الأعوام 2018-2019 وأنقاض المبنى الحكومي وسط المدينة الذي أحرق ماتزال ماثلةً، ولولا الاعمال والخدمات والمشاريع الناجحة التي قامت بها حكومة العيداني لأتى الشبان الثائرون على ما بقي شاهداً من معالمها. قد نختلف في طريقة تعامل المحافظ مع التلكؤ بالخدمات والمشاريع المعمول بها في قضاء القرنة والواحي الاخرى، وهي طريقة قد لا تنم عن حكمة في المعالجة، وربما كان ذهابه وجلوسه وأحاديثه وسط المحتجين بناحية الصادق غير موفق هنا، إذ كان عليه تشكيل فريق مهني جامع من السياسيين والمهنيين والاداريين ومعالجة ما يحدث من أخطاء، على وفق نهج علمي وجاد، فظهوره بذاته يضعف إدارته، وهناك خشية من التطاول عليه بما لا يليق، فالجمهور الغاضب منطقة خطر معلومة. أمّا المعالجات عبر وسائط شيوخ العشائر ورجال الدين فعليه تجاوزها، ولا ينبغي عليه تأطير وجود هؤلاء، فما هم بحكماء ولا يقصدون أبعد من مصلحة من يقف خلفهم، وهم معروفون لديه. هل نعيش فعلاً أجواء الديمقراطية؟ قطعاً لا، ثم متى كان العقالُ على رأس الشيخ والعمامة سوداؤها وبيضاؤها مصدر أمن ومثابةً ديمقراطيةً، في اعتماد الحوار والتطلع النبيل، وبناء الاوطان؟ واضح أنَّ محركات الاحتجاج لا تتموضع في معنى الحاجة فيه، والدعوة اليه، وواضح أيضاً أنَّ ما يعتمل ويتراكم وقد ينفجر في شمال البصرة، والامر يخصنا ويهمنا جميعاً، وأنَّ استهداف شخص المحافظ والقاء العبء كاملاً عليه لن يصبَّ في مصلحة المدينة، شمالها وجنوبها. هناك خطى مخلصة تحققت، ومشاريع خدمية غيّرت من وجه البصرة، وفي أماكن كثيرة داخلها وخارجها، يتوجب علينا الحفاظ عليها، فهذه جهود عظيمة ومليارات كبيرة انفقت وأتت نتائجها، ولن تكون خصيصة منطقة دون أخرى. المسؤولية اليوم مشتركة بوجود مجلس المحافظة، والاعضاء المنتخبون من شمال المدينة معلومون لدى الناس هناك، وهم من تقع عليهم مسؤولية وأهمية وأولوية المشاريع، والدفاع عن حقوق الناس فيها، واسخف السخف أنْ يكون أمر الخدمات سبباً في قيام البعض ممن يتحركون على وفق أهواء شخصية، أو أجندات خارجية بالمطالبة بإعلان شمال البصرة محافظة مستقلة، كتلك التي أرادها البعض من أهل الزبير. ماهكذا تكون السياسة، وما هذه إلا من أفعال الرجال الذين لا يرون في مصلحة البلاد أبعد من إشارات أسيادهم، القاضية بتمزيق جثة البلاد، التي نريد لها الحياة ثانية. المدينة أجمل بتنوعها، وأهم بجغرافيتها التي تمتد من الصحراء الى البحر، ومن الاهوار الى الانهار. ولست في موضع الدفاع عن شخص ما، أيًّ كان، أسعد العيداني أو غيره، لكنني أبحث في السبل عن ما يمكننا فعله مجتمعين من أجل المدينة الاحب.