TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > المعارضة العراقية وحواراتها الساخنة عشية الإطاحة بصدام

المعارضة العراقية وحواراتها الساخنة عشية الإطاحة بصدام

نشر في: 22 إبريل, 2024: 11:40 م

عبد الحليم الرهيمي

بعد توقف الحرب العراقية الايرانية عام1988 واجهت المعارضة العراقية مرحلة جديدة ومهمة مع بداية تسعينات القرن الماضي في جهودها وعملها في المساعدة بأطاحة صدام ونظامه. ومذاك ادركت ضرورة تكثيف جهودها ونشاطها بتعزيز علاقاتها مع (دول القرار) كما اصطلح على تسميتها العلامة المرحوم الشيخ اللبناني محمد مهدي شمس الدين، وهي اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا باعتبارها صاحبة التاثير القوي في مسارات الاحداث الدولية.

ولأن (المؤتمر الوطني العراقي) الذي تأسس عام 1991 لم يكن يمثل جميع القوى والتيارات السياسية المعارضة آنذاك، عمدت قيادته وبأتفاق مع الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على توسيع نطاق المؤتمر الوطني ليضم سائر مكونات المعارضة بمن فيهم الحزبين الكرديين، وذلك بهدف توحيد هذه المعارضة وتقوية وجودها وتحركاتها مع العراقيين في المنافي ومع ابناء ومناضلي الداخل من جهة، ومع دول القرار وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة ثانية، وبما يسهل الجهود والمساعي لاطاحة صدام.

ولذلك بادرت قيادة الحزبين الكرديين باستضافة عقد اجتماع عام في اربيل للمؤتمر الوطني وسائر قوى وتيارات المعارضة هو الاجتماع الذي عقد فعلاً في العام الثاني اي عام 1992 وأثمرت نقاشاته وحواراته عن أنضمام الجميع الى المؤتمر الوطني بعد أجراء بعض التعديلات في برنامجه واتفق على توصيفه مذاك بـ (المؤتمر الوطني العراقي الموحد).

وانطلاقاً من ذلك بدأت المعارضة ممثلة بالمؤتمر الوطني العراقي الموحد تكثيف جهودها على مختلف الصعد سيما في الحوار مع الولايات المتحدة وأثمرت هذه الجهود ابتداء من تمكنها من دفع ادارة الرئيس الاميركي بيل كلنتون وبضغط الحزب الجمهوري المعارض لهذه الادارة والذ تنسق المعارضة معه الى اقرار (قانون تحرير العراق) عام 1998، الذي سيشكل الزاماً لاي ادارة جمهورية او ديمقراطية تنفيذه حيث سيشكل القانون الغطاء القانوني الذي سيغطي قانونياً اي قرار تتخذه امام الشعب الاميركي.

لكن بعد عامين من ذلك اجريت الانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2000 وفاز جورج دبليو بوش الابن على المرشح المعارض آل غور من الحزب الديمقراطي ثم نصب بوش الأبن رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير /كانون الثاني عام 2001. غير ان هذا الرئيس الذي باشر بترتيب اوراق عمله واولوياته، صُدم والشعب الاميركي وشعوب العالم، بعد نحو ثمان أشهر من تسنمه الرئاسة، بالعمل الارهابي الكبير الذي قامت به المنظمة الارهابية آنذاك (داعش) بقيام طائرات يقودها انتحاريون منها باختراق برجي التجارة العالمية في نيويورك وتساويهما بالارض والتي سقط بهذه العملية اكثر من ثلاثة الاف ضحية، ثم ذهبت طائرات اخرى لقصف وزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن.

هذا العمل الارهابي الكبير والخطير الذي ألحق أشد الأضرار المعنوية والنفسية والمادية بالولايات المتحدة وشعبها كان لابد لأدارة بوش ان ترد عليها بعمل يساعد في محو بعض تلك الآثار فأقدمت واشنطن على شن الحرب الانتقامية ضد حكم طالبان في افغانستان والتي ترعى القاعدة ومعسكراتها، وقد استمرت هذه الحرب التي بدأت رسمياً في 7 أكتوبر/تشرين الاول عام 2001 وأنتهت في 20 ديسمبر / كانون الاول من العام نفسه بالقضاء على حكم طالبان وعلى قواعد ومعسكرات (داعش) ومعظم عناصرها.

ولتوفر معلومات متواترة لدى الاستخبارات الاميركية والغربية عموماً بأن لـ (داعش) ومنظمات ارهابية اخرى لدى نظام صدام وبعض الدول المجاورة التي تستضيف بعضها قيادات رئيسة وخلايا لداعش اتخذت ادارة بوش قراراً يقضي بملاحقة هذه الجماعات والقضاء عليها خاصة في العراق.

ومذاك عمل (المؤتمر الوطني العراقي الموحد) الى أغتنام فرصة تأكيد واشنطن لمعلوماتها برعاية نظام صدام لخلايا وقواعد للقاعدة كثفت من جهودها وتحركاتها طيلة العام الذي تلى هذه الاحداث وذلك بتكثيف زيارات وفود المؤتمر الوطني الى واشنطن واستقبال عدد من الشخصيات الاميركية المهمة في لندن والبحث في كيفية تصعيد العمل والجهود لأطاحة صدام دون تحديد موعد لذلك.

كان اللقاء الاكثر اهمية الذي حصل في تلك الفترة، هو دعوة ادارة بوش لقدوم وفد كبير من المؤتمر الوطني الى واشنطن للتباحث فيما يجب عمله عشية الاطاحة بصدام وقد حدد شهر سبتمبر /ايلول لزيارة وفد المؤتمر لواشنطن للحوار والتباحث بين الجانبين فيما استجد وما سوف يستجد من تطورات وتحديد ما ينبغي عمله أزاءها.

وبعودة الوفد الى لندن بعد هذا الاجتماع توجه رئيسه المرحوم الجلبي لزيارة المرحوم سعد صالح جبر في داره ومكتبه، وكان عدد من اعضاء قيادة (المجلس العراقي الحر) الذي يترأسه سعد جبر حاضراً بهذا اللقاء وكنت احدهم. وبعد شرح وافٍ لزيارة الوفد عبّر الجلبي عن اعتقاده بجدية قيام واشنطن الاطاحة بصدام وفق قانون تحرير العراق، كما وعبر عن رايه بعدم وضوح رؤية الاميركيين لموقف جماعات الاسلام السياسي وخاصة (حزب الدعوة) و (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية) اقترح توجه الجلبي الى مسؤول الدعوة آنذاك السيد ابراهيم الجعفري الذي يسكن في احد احياء لندن. وبعد مغادرة الجلبي اقترح بعض الحاضرين في دار سعد الاتصال بالسيد الحكيم بطهران لمعرفة موقفه وموقف ايران لأطاحة صدام بالقوة العسكرية. وحين طلب من سعد جبر الاتصال بالحكيم اعتذر قائلاً ارشح الرهيمي لان علاقتي بطهران والحكيم ليست حارة كما يجب والرهيمي صديق محترم للسيد الحكيم. وأذْ استقبل اتصالي بالسيد الحكيم بالسلام والترحيب الحارين والسؤال عن الجميع وخاصة عن (الاخ سعد) جبر، أوضحت له ما نقله الينا الجلبي وتقدمت اليه بالسؤال الذي يقلق الاميركيين: ما موقف سماحة السيد من الحرب واطاحة صدام؟ اجاب أننا بعد دراسة وتمحيص للوضع ومع الاخوة في القيادة الايرانية: نحن مع اطاحة صدام لكن نفضل بأيدي الشعب العراقي، واذا قام الاميركيون بذلك فنحن لن نعارضهم او نقاومهم لكن لن نكون معهم!

وبعودة الجلبي الى الاجتماع بدار سعد بعد ثلاث ساعات بلقاء الجعفري يبدو أنه توصل لنفس الرأي لا نؤيد عمل الاميركيين لكن لن نعارضهم اذا ما قاموا بذلك!

وهكذا اتضحت المواقف لحزب الدعوة والمجلس الاعلى وحتى لايران بأنهم لن يكونوا مؤيدين او سلبيين علناً اتجاه الحرب المتوقعة، فأعتبر الجلبي أن هذا الموقف سيكون مطمئناً للاميركيين والذي سيخبرهم به، لانه كان يخشى مقاومة الاميركيين بالسلاح الذي ربما سيستمر شهور ويتمكن الاميركيون من حسمه لصالحهم بعد سقوط الضحايا وخلق عداء مع اميركا.

هذه الاجواء السياسية رافقها ايضاً القيام بتفعيل اللجان السياسية والاقتصادية والامنية المشكلة لاعداد وتصورات العمل لما بعد الاطاحة بصدام. وكانت احد اللجان المهمة التي تشكلت آنذاك هي (لجنة اعادة اعمار العراق) التي اختارت عشرات الكفاءات العراقية من مختلف العواصم للذهاب بدورة لمدة شهر في واشنطن والمانيا للتدريب على عملها، وهو ما حصل فعلاً بعد الاطاحة بصدام في 9 ابريل / نيسان 2003.

اما عن شكل الحكم بعد الاطاحة بصدام فقد شهد تقرير صيغته المناسبة حوارات ساخنة بين المؤتمر الوطني والاميركيين، وبينما أصر المؤتمر على تشكيل حكومة عراقية بالمنفى تتولى السلطة بعد صدام وتتشكل من نصف اعضائها من المعارضة في الخارج والنصف الآخر من ابناء الداخل مدنيين وعسكريين رفض الاميركيون ذلك بكل تلك الحوارات معهم مقابل أصرار المؤتمر على موقفه لأنهم كانوا يريدون حكم عسكري مباشر، ثم يعدل بالحوارات الساخنة الى سلطة من العراقيين وتستشير خبراء اميركيين مؤقتاً ولعدم الاتفاق على صيغة محددة، بقيت الآراء سائلة والتي شهدناها من خلال المسار المتعثر الذي سلكته بعد اطاحة صدام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram