رزاق عداي
(حنة ارندت) رائدة الفلسفة السياسية في القرن العشرين الالمانية الاصل - الامريكية الجنسية، ظلت طيلة حياتها الفكرية، تٌحمُل الشعب الاْلماني جزءاَ كبيراَ من المسؤولية في وصول الحزب النازي الى حكم المانيا، وتبوء -هتلر -منصب المستشارية في انتخابات 1933، فقد حصل النازيون على نسية 33% من الاصوات، اي اكثر من اي حزب الماني اخر، في حين لم يحصلوا سوى على 3% في الانتخابات التشريعية في عام 1924.
واستمرت حتى في اعقاب الحرب العالمية الثانية تعلن عن نقدها لمسؤولين بمستوى المستشار الالماني (اديناور) الذين كانوا مستمرين على طرح التبريرات حول الدوافع التي ساهمت في استمرار الحزب النازي في تجنيد الراْي العام لصالحة، بمسوغات الحملات الدعائية وغسل الدماغ.
في هوامش كتابها (اسس التوتاليتارية) الذي انتهت من انجازه بعد نقلها متطوعة لصالح جريدة (النيويوركر) لوقائع محكمة الضابط الالماني (ايخمان) المتهم باقتراف جرائم في ما يطلق عليه بالمحرقة النازية (الهولوكوست)، تكتب ان الشعب الالماني كان مطلعاَ اطلاعاَ تاما على اسرار المذابح في بولونيا، والتحضير للهجوم على روسيا، وغيرها من الجرائم وفقاَ لتقارير سرية حول الراي العام الالماني ابان الحرب (من1939 الى 1945) الصادرة من جهاز الاستخبارات السرية الالمانية عام 1965.
اياَ يكن، فالاْهم هو ان هذا الامر لم يضعف التاْيد العام الذي لبث يحظى به النظام الهتلري، وانه من الحتمي اْن التاْيد الذي ابدته الجماهير الى التوتاليتارية لا يعزى الى محض الجهل، ولا يٌنسب الى غسل الدماغ، فالفيلسوفة (حنة ارندت) ليست بمعرض الادانة المطلقة للجماهير الالمانية، بقدر ما كانت تتصدى الى وقائع تاريخية بعينها بغية قراءة المناخات السياسية التي تحفز الى بروز ظاهرة ما بالاعتماد على التوثيق التاريخي، فمثل هذه الظاهرة تكررت عند شعوب اخرى بعد حين، فمعظم الدكتاتورين في العالم لم يصلوا للسلطة بالقوة او بانتفاضة او انقلاب، فكثير منهم تسلموا السلطة بالوسائل الديمقراطية كالانتخابات، ومن ثم تحولوا الى دكتاتورين حين جمعوا بين ايديهم سلطات كثيرة، تسمح لكل منهم الحكم مدى العمر، والتحكم بمصير بلاده وشعبه وشعوب اخرى قريبة او بعيدة.
ويشير بعض الباحثين ان احدى الطرق لتحول الديمقراطية الى ديكتاتورية تحدث نتيجة للاستقطاب السياسي الحاد بين الاطراف الداخلة في العملية السياسية، والتي ترفض الحوار او التعاون فيما بينها، ما يسمح للجماعات العنيفة او المتطرفة بالسيطرة على المجال السياسي العام، مستفيدة من ثغرات الديمقراطية التي تنتج في احيان كثيرة اقليات واكثريات متقاربة جداً من حيث الحجم التمثيلي.
ويمكن ان تسقط الديمقراطية عندما يشعر فريق مسيطر يملك السلطة والمال والسلاح باْن خسارة الانتخابات قد تعني اْخذ السلطة منه، لذا يسعى هذا الفريق الى السيطرة على البلاد بالقوة، ومن ثم تحويلها الى ديكتاتورية، كما يحدث في العراق اليوم، حيث رفضت الاطراف السياسية الخاسرة نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة الاخيرة.
او يمكن ان تسقط الديمقراطية بان يقرر رئيس وصل الى السلطة بالانتخابات ويملك صلاحيات حل البرلمان والحكومة وغيرها من من المؤسسات الحكومية، اسوة بما قد حدث في في تركيا اردوغان، وروسيا بوتين، اللذين تمكنا من جعل نظامهما رئاسيين بعدما كانا برلمانيين، وجعلا مدة ولايتهما غير محدودة، مع سلطات مطلقة لا يحدها قانون ولا رقابة، وربما هناك في منطقة الشرق الاوسط تجارب ديمقراطية مهلهلة تكاد تشرع بذات السلوك.
وهكذا فالمسارات الديمقراطية ليست جميعها ماْمونة ومتشابهة الماّلات والنهايات، فلقد تنبت الدكتاتورية من بين جنبات الديمقراطية.