علي لفتة سعيد
مرّت أكثر من خمسة أشهر على تسلّم النائب الأوّل لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، مهام رئيس المجلس منذ أن تم إبعاد الرئيس السابق محمد الحلبوسي، بقرارٍ من المحكمة الاتحادية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. هذه الأشهر أثبتت أن المحاصصة فريةٌ سياسيةٌ من قبل الأحزاب الطائفية والقومية، بهدف البقاء في السلطة، باعتبارات التمثيل السياسي والتوازن الاجتماعي الذي حصل كل هذا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
إن هذه الأشهر اسقطت هذه الفرية، وأن لا مكان للتمثيل السياسي بحسب القاعدة التي عاشها ويعيشها العراق منذ أكثر من 21 عامًا. فجلسات مجلس النواب تقام دون الانتباه الى الانتماء القومي أو المذهبي للرئيس مجلس النواب بالوكالة، ولا الى نائبه شاخوان عبدالله، وبتحليلٍ منطقيّ نرى أن هذه الجلسات بغض النظر عن فائدتها للشعب أو نجاح انعقادها، وماذا يجني المواطن منها، إلّا أن الفائدة التي خرج بها هي أن المحاصصة سبب البلاء، وأنها أسّست لوجود شخصياتٍ غير فاعلةٍ على المستوى الوطني، وظلّت أسيرة الى الانتماء الفرعي الذي جاء بها الى قبّة البرلمان والجلوس على مقاعده.
إن الصراعات السياسية ألقت بظلالها على التمثيل الحقيقي لنتائج الانتخابات من جهة وتسنّم المسؤولية من قبل شخصياتٍ قادرةٍ على إدارة عمليات الدولة بشقّيها التنفيذي والتشريعي من جهةٍ أخرى، وهو الأمر الذي انعكس على الأداء الحكومي والوزارات، التي يتم تسميتها وفق المحاصصة بكل أنواعها, وأكثرها ألمًا وإيلامًا هي المحاصصة الطائفية والقومية وليس على أساس النتائج الانتخابية من ناحية، والرجل المناسب في المكان المناسب من ناحيةٍ أخرى. وكان المواطن يشعر بالخوف، فيما إذا حصل أيّ أمرٍ في انسحاب هذه الجهة أو تلك، حين لا يتم تنفيذ مطالبهم في استلام هذا المركز أو تلك الوزارة أو هذه الرئاسة أو تلك. لأن النتائج التي أفضت إليها الانتخابات، قد تتحوّل وهكذا كان التخوّف الى مصادماتٍ قد تؤّدي الى وقوع خسائر ليس في العملية السياسية، بل التأثير على الامن القومي من ناحية المواجهات فيما بين الأحزاب فضلا عن الخوف من أن تتعدى إلى خسائر أخرى يخشاها المواطن.
لكن الأشهر الخمسة التي مرت على فعّاليات مجلس النواب وقبلها انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية برمّتها، بيّنت للمواطن العراقي أن التخوف ليس في محلّه، وأن الأمور تسير وفق منطق الحكم، وأن الخوف هو صنيعة الأحزاب والكتل السياسية نفسيها. بل وبات المواطن لا يشعر بالخوف كلّما تأخّر انتخاب رئيس لمجلس النواب ليكون خليفة للحلبوسي, لأنه لا يريد إشغال باله بمثل هذه الأمور، مادام العمل يسير، وجلسات مجلس النواب تنعقد، لذا فإن ما يطمح إليه المواطن العراقي هو تحسين الخدمات وتوفير المستلزمات المعيشية التي ترتبط بالعديد من الفعاليات الأخرى وأهمها، تخفيض سعر صرف الدولار وإنهاء المشاكل مع إقليم كردستان والانتهاء من مشاكل الاحتلال وجنوده، والعلاقات مع دول الجوار، وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت في الكثير من مفاصل المجتمع العراقي التي تبدأ بسلاح العشائر، ولا تنتهي بالجماعات المسلّحة وتجّار المخدّرات، والجرائم التي صارت واحدةً من علامتها هي استخدام السلاح تحت ضوء النهار.
إن فرية المحاصصة والتمثيل السياسي الذي يعرفه المواطن أٌنه تمثيل طائفيّ وقوميّ وعرقيّ لا أساس لها من الصحة، من كونها ستؤدّي الى ضياع الحقوق والتهميش، وإن على الاحزاب الوطنية والشخصيات السياسية الفاعلة، أن تعي أن المسؤولية في إدارة الدولة تختلف عن مسؤولية إدارة الحزب، رغم أن أحزاب عراقية عامة بما فيها الاحزاب العلمانية باستثناء حزبٍ واحد,. خفّتأثيره الجماهيري كعدد المنتمين، بسب الوضع العام، وتوجّهات الأحزاب الأخرى وقدرتها على صناعة قوّة رأي مضادة.
إن هذه التجربة البسيطة التي لم تستمر بالتأكيد لفترةٍ طويلةٍ وستنتهي بعد انتخاب رئيسٍ جديدٍ لمجلس النواب، لكنها وجّهت بوصلة المواطن الى حقيقة،أن لا خوف من تغيّر وتبدّل المناصب، وأن استلامها، لابد أن يكون وفق المعايير الإدارية والكفاءة، ولا يهم أن يكون من هذه الكتلة أو ذلك الحزب، شريطة ألّا يكون ضمن التقسيمات الطائفية والقومي