علي حسين
ظلّ الكتاب والمفكرون يضربون أخماساً بأسداس وهم يحاولون وضع تصور لدولة العدل الاجتماعي ، لم يوفق أفلاطون في حل اللغز حتى وهو يخصص للموضوع كتاباً بعنوان "الجمهورية" تاركاً المهمة لتلميذه النجيب أرسطو الذي كتب مجلداً ضخماً أطلق عليه "علم السياسة"..
وعندما أصر أفلاطون على أن يعلم طلبته أن المدن لا يمكن أن تكون أفضل من حكامها، وقف أرسطو ليقول له: الحاكم الحق هو الذي يبني دولته على خصلتين، العقل والعدل.. في مرات عديدة وأنا أسترجع ما قرأته أتذكر دوماً ما كتبه جان جاك روسو في اعترافاته: "العدالة، ليست علاقة بين إنسان وإنسان، بل بين دولة ومواطنين".
لماذا أتذكر موضوع العدالة ونحن نعيش في ظل دولة ترفع شعار " دولة القانون " ؟ السبب ياسادة خبر مثير منشور في نفس الصفحة التي تقرأون بها هذا العمود في صحيفة (المدى) .. الخبر يقول " قدم مكتب المدعي العام في بيرو شكوى دستورية ضد الرئيسة دينا بولوارتي في قضية تتعلق بارتداء ساعات فاخرة والتي أصبحت فضيحة وطنية. وقالت الرئيسة إنها اقترضت هذه السلع الفاخرة من حاكم منطقة محلية " هل انتهى الخبر ؟ لا ياسادة فقد داهمت الشرطة منزل الرئيسة ومكتبها بحثاً عن مجموعة الساعات التي يعتقد أنها تضم ثلاث ساعات "روليكس" على الأقل ..أرجو أن لايسخر مني أحد ويقول أيها الكويتب ألم تستمع يوماً للمناضل أحمد الجبوري " أبو مازن " وهو يتباهى بساعته التي يبلغ ثمنهاعشرات الآلاف من الدولارات وعندما يسأله مقدم البرنامج : من أين لك هذا ؟ ، يجيب وهو يبتسم : أنا مناضل ومن حقي أن أتمتع . ربما يقول البعض : ياعزيزي آلاف القصور تمت مصادرتها وأراضي كاملة تم الاستيلاء عليها ومئات المليارات فرهدت ، وأنت تتحدث عن ساعة رولكس .
ما الذي علينا أن نتعلمه من مثل هذه الأخبار ؟ يرشدنا المرحوم جان جاك روسو إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيار أمام الناس سواهم..لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، المال والسلطة ، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضاً في توزيع الفقر على الناس.. أوهام كثيرة يصر ساستنا على ترويجها عن التقوى ومخافة الله ، وأفواج منهم تذهب للحج كل عام وتعود لتمارس الخديعة من جديد ، وعلى المواطن أن لا يقترب من قلاعهم .
يحذر روسو من المسؤول الجشع الذي لا ينتج سوى الخواء والفوضى والاضطراب، ولا يعطي مواطنيه سوى الفشل والعوز" . .