علي حسين
لا أفهم كيف لنائب منتخب، أن يخرج إلى الناس ويقول لهم جئنا لكي نهذّب أخلاقكم، ولا أعلم كيف يرى هؤلاء العراق وكأنه بلد بلا أعراف وأهله لا يعرفون القيم الاجتماعية، وأن يصوروا للناس أن البلاد تنتظر أن يشكل مجلس أعلى للقبائل والعشائر مهمته القضاء على العادات والتقاليد السيئة.. بينما الناس لا تشكو من انحلال أخلاقي، وإنما تعاني من مظاهر اللصوصية والقتل على الهوية واحتقار المرأة والرشوة وسرقة المال العام والانتهازية وهي قيم وتقاليد يسعى البعض لترسيخها بقوة.
إن المشهد يبدو مثيراً للدهشة حين يقف عدد من النواب وسط البرلمان لليطالبوا بـضرورة تشريع قانون المجلس الوطني للعشائر لتهذيب الأعراف الطارئة على المجتمع العراقي.
لعل هذا الاستغراق في الحديث عن الأخلاق والأعراف يشعرك وكأن العراق تأسس عام 2003، وأن السادة النواب كان لهم الفضل باكتشاف هذه الرقعة الجغرافية التي وجدوا على سطحها أقواماً وقبائل متوحشة، كانوا ينتظرون أن يأتي إليهم الفاتحون الجدد بكل أسباب الرقي والتحضر، ولعل حديثاً من هذا النوع في عصر المنجزات العلمية الكبرى يهين عقلية العراقيين، ويسيء إلى العراق في الوقت ذاته، ذلك أنه يحمل اعترافاً ضمنياً بأن هذه البلاد لم تهضم الحضارة برغم مرور آلاف السنين على بزوغ القوانين والكتابة على سطحها.
وأحسب أن مطلقي هذه التصريحات الكوميدية يدركون أن قيم هذا المجتمع ظلت راسخة في أعماق الناس، حتى خرج عليهم أمراء الطوائف وصبيان السياسة فانقلب الحال وأصبحنا نسمع دعوات للاحتشام والعودة إلى طريق الهداية، في ظل غياب كامل للخدمات وصراع سياسي على المناصب والمنافع، وحين يشكو المواطن من سوء الحال يخرج عليه أحد الذين نصبوا أنفسهم أوصياء ليرتدي زي الوعاظ مطالباً الجميع بأن لا يخرجوا على إرادة المسؤول ، وما على الرعايا إلا الطاعة والتسبيح بحمد البرلمان ليل نهار، بل ذهب الخيال بالبعض أن تصور نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب المارق وإخراجه من عصور الجاهلية إلى عصر الحضارة.
طريقة ساذجة للغاية للهروب من الواقع، وكأن حياة الناس وحرياتهم قضية أخلاقية، مقطوعة الصلة بالعديد من المشاكل والمساخر السياسية والاقتصادية، التي أوجدتها سياسات حكومية مختلة عقلياً.
يريدون أن يشغلوا الناس بالقشور دون الغوص في جوهر المشكلة، بحيث ينصرف المجتمع كله إلى مناقشة حكم العشيرة في المطالبة بالحريات، وحكم القبيلة في الاختلاف مع البرلمان، وحكم أولي الأمر بما يدور حولنا من مهازل ومضحكات.
ولو دققت فيما يدور الآن من أحاديث وخطب وصراع سياسي، ستجد ظلالاً من عالم الطائفة والقبيلة، ولنأخذ مثلاً، ما يصرح به بعض النواب عن ضيقهم من شركائهم السياسيين، محذرين بلغة أهل القبائل من أن الاقتراب من قلعة البرلمان وقراراته خط أحمر.